معارك درعا أسيرة التفاهمات الروسية ـ الأردنية

07 فبراير 2016
تتقدم القوات موالية للنظام بسرعة في الجنوب (فرانس برس)
+ الخط -
فيما تخطف التطورات المتلاحقة بريف حلب الشمالي الأنظار هناك، في ظلّ تسارع عمليات قوات النظام ومليشياته وسط كثافة غير مسبوقة بعدد الغارات الروسية وعنفها، يبدو أن النظام يسابق الزمن بعملياته العسكرية الحالية في الجبهة الجنوبية أيضاً. وقد تميّزت معارك الجنوب منذ بداية العام الماضي، بتفوّقٍ واضح لفصائل المعارضة، قبل أن تبدأ مرحلة التراجع تدريجياً، لتُصاب لاحقاً بانتكاساتٍ متلاحقة (في أعقاب بدء الغارات الروسية)، وصلت ذروتها في الأيام القليلة الماضية، بخسارة المعارضة لمدينة الشيخ مسكين، ثم بلدة عتمان، بريف محافظة درعا الشمالي.

وقد كان النصف الأول من عام 2015 زاخراً بانتصارات فصائل المعارضة في المحافظة، التي لطالما اعتبرت بوابة دمشق الجنوبية، إذ أحكمت قبضتها في الشهر الأول من ذاك العام بشكل كامل على "اللواء 82"، ومواقع عسكرية مجاورة له. كانت تلك النقاط آخر نقاط تواجد النظام في الشيخ مسكين، قبل أن تُنهي المعارضة تواجد النظام في آخر المعابر البرية التي كانت بحوزته مع الأردن (معبر نصيب)، ثم تسيطر على "اللواء 52"، ومدينة بصرى الشام ومناطق أخرى بالمحافظة.

في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأت الغارات الروسية في سورية، بالتزامن مع وقف غرفة عمليات "الموك" في الأردن، تقديم الدعم تدريجياً لمعظم فصائل المعارضة المسلحة في المحافظة. انعكس الأمر ميدانياً، بوقف تقدم المعارضة حينها في الجبهة الجنوبية، قبل أن يبدأ النظام محاولاته الأولى لاقتحام الشيخ مسكين، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

في أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كانت الشيخ مسكين، التي تقع على بعد 22 كيلومتراً شمال مركز محافظة درعا، تشهد عشرات الغارات الروسية يومياً. أتاح الأمر للنظام والمليشيات المتحالفة معه، السيطرة على المدينة في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، ما لبث بعدها النظام أن بدأ عملية عسكرية بسيناريو الغطاء الجوي الروسي الكثيف إياه، على عتمان، شمالي مدينة درعا، ونجح فعلياً بالسيطرة عليها قبل يومين.

ويؤكد رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، أحمد بري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تقدم النظام في درعا بالفترة الأخيرة يعود لسبيين أساسيين. الأول كثافة الغارات الروسية، المتزامنة مع قصف مدفعي وصاروخي عنيف، يصعبُ على أيٍ كان الصمود بوجهه". ويضيف "أما السبب الثاني، فيعود لسيطرة غرفة عمليات الموك على معظم الفصائل وتحكّمها بشكل كبير في المعارك. وقد أوقفت الموك دعمها العسكري للفصائل المتعاونة معها في درعا، ما أدى لتراجع المعارضة عسكرياً في الجبهة الجنوبية".

اقرأ أيضاً: وقف دعم المعارضة... تسليم سورية لروسيا بموافقة أميركية

من جهته، يقلّل عضو المجلس العسكري الأعلى في الجيش الحرّ عن درعا، أيمن العاسمي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، من أهمية تقدم النظام في الأيام الأخيرة بدرعا، ويقول إن "الشيخ مسكين وعتمان كانتا أضعف نقطتين تسيطر عليهما المعارضة في المحافظة، قياساً بالمناطق الأخرى".

ويعلّل ذلك بأن "الشيخ مسكين ليست لها أهمية استراتيجية كبرى للنظام، كون فصائل المعارضة ما زالت تسيطر على نوى (غرب الشيخ مسكين) والمناطق الغربية بالمحافظة. وكذلك فإن النظام بسيطرته على عتمان لم يحقق إنجازاً ميدانياً، كونه وسَّع فقط مناطق نفوذه بدرعا المدينة، وعتمان لوحدها بدون فتح طريق دمشق درعا القديم، لا تساوي شيئاً عسكرياً".

ويتوقع العاسمي أن تتجه عمليات النظام العسكرية في الفترة المقبلة لـ"محاولة إعادة فتح طريق دمشق - درعا القديم نحو الحدود الأردنية، والممتد من درعا المدينة نحو عتمان ثم داعل وإبطع والشيخ مسكين وصولاً لدمشق، وإذا نجح في ذلك فعندها يمكننا الحديث عن إحداث النظام لخرق ميداني كبير في الجبهة الجنوبية".

كما يلفت إلى أن "هدف عمليات النظام حالياً بدرعا ليس جديداً، فهو دائماً ما كان يريد اقتحام المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لكنه كان يفتقد للقوة النارية والتخطيط الاستراتيجي في السابق عندما كان يعتمد على المليشيات الأجنبية، لكن ومع استلام روسيا لإدارة العمليات العسكرية، فإنهم نجحوا بتقديم بعض الإنجازات الميدانية للنظام".

العاسمي، الذي يتحدّر من درعا، يعتبر أن "الجديد في هذه الفترة والذي نرى نتائجه على الأرض، هو على ما يبدو نتيجة اتفاق دولي جديد، وافقت عليه بعض الدول الإقليمية بمجموعة أصدقاء سورية، وهو رحيل بشار الأسد لكن مع الحفاظ على جيش النظام، الأمر الذي انعكس على تطور الأوضاع الميدانية بدرعا خصوصاً".

ويرى بأن "هناك نوايا لدمج بعض فصائل درعا بالجيش النظامي نتيجة الاتفاق الدولي المتبلور حالياً، وهناك بعض القيادات المرتبطة بغرفة الموك موافقة على ذلك، لكن الكوادر ستكون عقبة أمام هذا الأمر المُبيّت". ويستشهد على ذلك بأن "أغلب الفصائل المرتبطة بالموك وقفت متفرجة في المعارك الأخيرة بدرعا، والتي كان قتال النظام فيها محصوراً بالفصائل التي ليس لها ارتباط بهذه الغرفة". ويختم العاسمي قائلاً: "التساؤل الأهم الآن، يتمحور حول ما الذي تمّت مناقشته أخيراً بين الأردنيين والروس وأعقبته هذه المعارك في درعا".

ويذهب قيادي بارز في المعارضة السورية المسلحة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى حدّ الاعتقاد بأن "هناك خطة أردنية روسية تم التوافق عليها كما هو واضح، تقضي وقف الأردن لإدخال الدعم عبر حدوده لدرعا، من أجل أن يستطيع النظام فتح الطريق من دمشق نحو الأردن، لتعود الحركة التجارية مجدداً بين دمشق وعمان". ويضيف القيادي في المعارضة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه "منذ بدء العدوان الروسي في سورية، لاحظ الجميع أن هناك تنسيقاً وتوافقاً من الأردن مع روسيا".

اقرأ أيضاً سورية: تضارب الأنباء عن سيطرة النظام على بلدة عتمان