معارك تكريت وجوارها... البعد الرمزي قبل جلسة البرلمان

30 يونيو 2014
الفريق قاسم عطا يفصّل خطة استعادة تكريت (فرانس برس/getty)
+ الخط -

انتقل العقل العسكري لرئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته، نوري المالكي، إلى مرحلة جديدة، قد تكون سمتها الدمار الشامل، على الطريقة السورية للمناطق الخارجة عن سلطة الحكومة المركزية. ومع فشل القوات الحكومية في استعادة السيطرة على تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين، وتمكّن المالكي من شراء طائرات "سوخوي" روسية، يُخشى أن تكون النتيجة كارثية، وكل ذلك بالتزامن مع انطلاق قطار "الحل السياسي" المحتمل تحت قبة البرلمان، اليوم الاثنين.

وقد حصل ما كان متوقّعاً في العراق، فقامت حكومة المالكي بجهد مركّز، انطلق من قاعدة تمركز قواتها في سامراء، لاستعادة ما خسرته من أراضٍ إلى الشمال منها، أي المنطقة المحصورة بين سامراء والموصل. استفادت الحكومة من سامراء، لرمزيتها الدينية لدى أتباع المذهب الشيعي، بحكم كونها مثوى اثنين من أئمة الشيعة الأثني عشر، وموقع غيبة الإمام الأخير، المهدي المنتظر، فجعلتها مكاناً للحشد فيها، في إشارة إلى عدم استعداد الحكومة للتخلي عنها.

في سامراء، مفارقة مهمة، ذلك أن المدينة سنية بالكامل تقريباً، والمكون الشيعي جديد عليها نسبياً، وكان سَدَنة الأضرحة (خدّامها)، تاريخياً، هم من أهل المدينة السنّة، الذين هم في الوقت نفسه أحفاد أولئك الأئمة. من هنا، فإن ما تسعى إليه الحكومة، هو أخذ الأضرحة وسدانتها والمدينة، فسجّلت، على سبيل المثال، مواقع المراقد باسم الوقف الشيعي، بقرارٍ لا سند قانوني له، وهو ما أجّج مشاعر الغضب في المدينة. من هذا كله، تحولت سامراء إلى ما يمكن تسميته "كعب أخيل" في منطقةٍ اجتاحتها قوات المسلحين، وتوقفت عند سامراء، أو إلى جنوبها بقليل.

ما ساهم في هذا التوقف، وجود منطقتين فيهما كثافة شيعية إلى جنوب سامراء مباشرة، وهما قضاءا بلد والدجيل، وقاعدة البكر الجوية التي تعدّ من المناطق المحصنة جيداً.

استمر المسلحون، منذ وصولهم إلى سامراء، بالتعرض لبلد والدجيل، من دون دخولهما، ويبدو أن تفاهماً مع وجوه المدينتين حصل على نحو ما، قضى بعدم تحولهما إلى مناطق للمسلحين المتطوعين من الطائفة الشيعية، ما يفسر عدم توسيع المعارك باتجاههما، وتوسعها إلى الجنوب، في الإسحاقي، التي شهدت معارك بين قوات الحكومة والمسلحين، الذين حققوا فيها نجاحاتٍ بارزة، لكن من دون التحرك جنوباً باتجاه بغداد التي تبعد نحو 90 كيلومتراً من الخط الذي توقف عنده المسلحون.

الموقف العام

أدت خسارة قوات الحكومة مدينة بيجي، ذات الأهمية الاستراتيجية، إلى نتيجة سلبية جداً، لأنها عقدة مواصلات للطرق باتجاه الموصل وكركوك، وكذلك لخطوط السكك الحديدية، المتجهة من بغداد إلى الموصل، ومن كركوك باتجاه الحدود السورية، وشبكة أنابيب النفط التي تربط نفط كركوك ونفط الجنوب بالخط الاستراتيجي الذي يُضَخّ عبره النفط العراقي إلى ميناء يامور تالق التركي، على البحر المتوسط قرب الاسكندرونة، فضلاً عن مصفاة بيجي الأكبر في العراق. لم تتمكن قوات الحكومة، على الرغم من محاولاتها العنيدة، من التمسك بالمصفاة، وفشلت في إدامة موطئ قدم لها في تكريت، متمثلاً بجامعة تكريت، ما أدى إلى صدور قرار التقدم براً من منطقةٍ تمركز قواتها في سامراء، واستعادة السيطرة على تكريت، أولاً، تمهيداً للتقدم لاستعادة بيجي، ومن هناك، التقدم لتنظيف المنطقة شمالاً، وصولاً إلى الموصل.

ولا يزال المسلحون يتعرضون باستمرار لقاعدة البكر والإسحاقي، فضلاً عن وجودهم الكثيف في بيجي وتكريت اللتين تخضعان لسيطرتهما.

انطلقت ثلاثة أرتال من الجيش الحكومي باتجاه تكريت، بعد عملية قصف جوي بطيران الجيش، أسفر عن تدمير منشآت عديدة ومساكن المواطنين، ما دفع أعداداً كبيرة منهم إلى ترك منازلهم، واللجوء إلى الجوار الأقل تهديداً، أو اللجوء إلى إقليم كردستان. اتّبع الرتل الأول الطريق العام، يسار نهر دجلة، وهو اتجاهٌ يزج بالقوات نحو قلب تكريت مباشرة. وانطلق الرتل الثاني من سامراء باتجاه الدور، ثم تكريت، وانطلق رتل ثالث، بعملية إحاطة واسعة من الغرب. وفي الوقت نفسه، حاولت الحكومة إدامة موطئ القدم في جامعة تكريت، عبر تنفيذ عملية إنزال جوي بواسطة مروحيات الجيش.

سير معركة تكريت

تظهر الأنباء أن الأرتال الحكومية تقدمت إلى أن اصطدمت بمقاومة كبيرة من المسلحين في منطقة مكيشيفة، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً من تكريت، فأجبرت الأرتال على التوقف، وألحقت بها خسائر واضحة من الصور التي بثها المسلحون عبر القنوات المختلفة، فانكفأت القوة الحكومية، وأُجبرت على التراجع. كما أفادت الأنباء بأن القوات الحكومية تركت وراءها دبابات محترقة على الطريق، وأسقطت بين ثلاث وأربع مروحيات، نشرت صور لبعضها وللطيارين القتلى مع هوياتهم.

ولضرورة حصول رئيس الحكومة نوري المالكي على نصر ما، قبل موعد عقد البرلمان جلسته، اليوم الاثنين، يُتوقع أن تتكرر المحاولة مرة أخرى.

وبشكل موازٍ، قام المسلحون بسلسلة هجماتٍ، طردوا القوات الحكومية عبرها من بعض بلدات حزام بغداد القريب، كالمدائن، والمحمودية واللطيفية والعناز، ويبدو أن الغرض منها تمهيد الساحة لعمل مستقبلي في بغداد، وهو أمر، إن حصل، سيغيّر الكثير من عناصر اللعبة.

التطورات السياسية

وقفت روسيا، علناً، على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، مع حكومة بغداد، وأعلن المالكي أن حكومته اشترت عدداً من طائرات "سوخوي" المستعملة من روسيا وبيلاروسيا. وفي السياق، كشفت وزارة الدفاع عن استلام أول خمس طائرات، ما قد ينتج عنه تكراراً لدمار هائل لمدن المنطقة الغربية/ الشمالية الغربية، على طريقة المشهد السوري. وكانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت، كذلك، وقوفها إلى جانب رئيس الحكومة العراقية، والذي رحب بأي جهد جوي يقصف مدن المنطقة المستهدفة، عملاً بترحيبه بقصف قوات النظام السوري الجوية مدن الأنبار الغربية (القائم، وراوة). ولا يكتمل المشهد إلا بتأكيد دخول المستشارين الأميركيين العراق، واحتلال مواقعهم، وبدء طلعات طائرات الاستطلاع المسلحة الأميركية التي تجوب سماء مناطق العمليات، وإن أعلن الأميركيون أن الهدف من هذه الطلعات حماية المستشارين.