معارك الهلال النفطي: فصل جديد من الصراع الليبي

05 مارس 2017
تراجعت قوات حفتر أمام "سرايا الدفاع" (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد الساحة الليبية فصلاً جديداً من فصول الأزمة المتواصلة في البلاد، والتي لا تنفك تنتقل بين السلاح والسياسة، بدأ منذ صباح يوم أول من أمس الجمعة، بهجوم شنّته قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي" على منطقة الهلال النفطي، قبل أن تعلن قيادة القوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر الموالية لبرلمان طبرق، صدها الهجوم. لكن "سرايا الدفاع عن بنغازي" نفت نيّتها السيطرة على منطقة الهلال، مؤكدة، في بيان لها مساء الجمعة، أنها متجهة إلى بنغازي ضمن عملية أطلقت عليها مسمى "عملية العودة لبنغازي" لـ"لتحريرها وإعادة المهجرين".

وشكّل أمس السبت يوماً لمزيد من التصعيد، مع إعلان "سرايا الدفاع"، فجر أمس نيتها "تحرير منطقة الهلال النفطي"، مضيفة أن "وجهتها بنغازي ولا نية لها في البقاء في الهلال". وأوضحت في بيان لها أنه "بعد أن ظهر للجميع عبث الانقلابيين ومليشيات حفتر واتخاذ منطقة الهلال لإنشاء قواعد عسكرية وجعلها مرتعاً لمرتزقة الحركات التشادية والسودانية، كان لزاماً علينا تحريرها"، داعية الدولة إلى استلام الحقول النفطية بعد تحريرها.
في المقابل، بدت تصريحات مسؤولي قوات حفتر مرتبكة، فبعد نفي هؤلاء يوم الجمعة دخول قوات "سرايا الدفاع" إلى منطقة الهلال، عادوا أمس وأكدوا أن منطقتي السدرة ومطار راس لانوف تحت سيطرة السرايا. وبالتوازي مع ذلك، علمت "العربي الجديد" أن عملية اقتحام الهلال النفطي بدأت بتمرد داخلي في صفوف حفتر، وهو ما يبرر دعوة المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، إلى "تطهير قوات الجيش من الخونة"، في ما بدا إشارة إلى إحدى الفصائل المتمردة على حفتر داخل الهلال، والتي سهّلت عملية دخول "سرايا الدفاع" إلى السدرة وراس لانوف.
وأظهرت صور وصلت لـ"العربي الجديد" آمر "سرايا الدفاع" مصطفى الشركسي يتجول داخل مطار راس لانوف وإلى جانبه مروحية تمت السيطرة عليها وربما نقلها، تضاربت تصريحات قادة قوات حفتر بشأنها، ففيما قال بعضهم إنه تم قصفها، قال المسماري إنها خارج الخدمة وتعتريها أعطال فنية.

وتعكس تصريحات المسماري واقع اتساع رقعة القتال، بعد اعترافه في مؤتمر صحافي ليل الجمعة، بوجود قتال في منطقة بن جواد غرب الهلال النفطي لإخراج "سرايا الدفاع" التي سيطرت عليها. كما تشير تصريحاته إلى تفاوت في القوتين المتقاتلين، فإعلانه اقتصار مواجهة "السرايا" على القصف الجوي، كشف عن ضعف القوة القتالية الموالية لحفتر على الأرض، مما قد يعكس أيضاً تقاعس القوات القبلية المسيطرة على مواقع النفط في مناصرة حفتر وربما وجود تحوّل في موقفها. وعلى الطرف الآخر أظهرت تصريحات المسماري أن هجوم السرايا جاء أكثر تنظيماً وعدة، فقال إن السرايا تمتلك هذه المرة "منظومة تشويش على أنظمة الدفاع الجوي" بالإضافة لامتلاكها مدرعات وعربات حديثة وقوات تسير في ثلاثة محاور باتجاه موانئ النفط.

لكن مقابل ذلك، وفي مؤشر على تصعيد إضافي ينتظره المشهد، دلّت تصريحات لآمر غرفة عمليات القوات الجوية في المنطقة الوسطى التابعة لقوات حفتر، المقدّم طيار شريف العوامي، على إمكانية وصول دعم عسكري من شرق البلاد، إذ قال إن "خسارة معركة لا تعني نهاية الحرب، فالحرب الحقيقة في الهلال النفطي بدأت الآن"، ولا سيما أن قوات حفتر تمتلك ولاءً قبلياً مكّنها من الاستمرار في القتال لمدة تزيد على السنتين في بنغازي ودرنة، كما سمح لها بالاستيلاء على منطقة الهلال من دون عناء يذكر.

وترابط "سرايا الدفاع" في قاعدة الجفرة العسكرية وسط جنوب البلاد، والتي تضم خليطاً من القوات المناوئة لحراك حفتر العسكري، منها بقايا مسلحي حرس المنشآت النفطية السابقة بقيادة إبراهيم الجضران، الذي سبق أن طرده حفتر من منطقة الهلال النفطي في سبتمبر/أيلول الماضي بعد الاتفاق مع مجموعاته المسلحة القبلية بالانقلاب عليه وإعلان ولائها لحفتر، بالإضافة لمجموعات مسلحة أخرى تنحدر من مدينة مصراته. لكن المؤكد أن "سرايا الدفاع" المكوّنة من أكثر من كتيبة والتي أُعلن عن تأسيسها مطلع يونيو/حزيران من العام الماضي، ترابط في مقار تابعة لهذه القاعدة في مدينة هون تحديداً، أحد مدن الجفرة الثلاث (هون وسوكنة وودان). وسبق أن شن طيران تابع لحفتر العديد من الغارات الجوية على مواقع "سرايا الدفاع" في هون ومسلحين آخرين داخل قاعدة الجفرة التي انطلقت منها ثلاث محاولات عسكرية سابقة للسيطرة على منطقة الهلال، لكن مراقبين للوضع في منطقة الهلال اعتبروا أن الهجوم الحالي هو الأعنف والأكثر قوة.



وعلى الرغم من وضوح مكوّنات القوات المسيطرة على منطقة الهلال النفطي كونها مليشيات قبلية تنتمي لقبيلة المغاربة كان يقودها الجضران تحت مسمى "حرس المنشآت النفطية" وكانت موالية لحكومة الوفاق قبل أن تجري تفاهمات بين زعامات هذه القبيلة وحفتر لتُعلن ولاءها للأخير، إلا أن مكوّنات القوات المرابطة في الجفرة لا تزال محل تساؤلات عن انتماءاتها المناطقية، غير أن المؤكد أنهم من الثوار السابقين الذين شاركوا في الإطاحة بحكم معمر القذافي ويلتقون في هدف واحد وهو معارضة حراك حفتر العسكري.

لكن حكومة الوفاق التي أعلنت رعايتها لحرس المنشآت السابق الموجود حالياً في الجفرة، لم تظهر علاقة مباشرة وواضحة لها بـ"سرايا الدفاع" التي تتخذ من الجفرة الأخرى مقراً لها، إلا أن مناوئي حكومة الوفاق خصوصاً برلمان طبرق وحفتر، يتهمون حكومة الوفاق بدعم هذه القوات والوقوف وراءها، ولا سيما في الهجوم الحالي، مشيرين إلى مشاركة آمر السرايا مصطفى الشركسي في مؤتمر ضبط الجيش الذي رعته حكومة الوفاق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في طرابلس، الذي سبق زيارة رسمية لوزير الدفاع المهدي البرغثي لقاعدة الجفرة في نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي خضم الأحداث المسلحة الحالية، اتجهت تصريحات طرفي الأزمة في البلاد إلى التصعيد السياسي الموازي للتصعيد العسكري، فقد دان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ما وصفه بـ"التصعيد العسكري في المنطقة النفطية"، معلناً في بيان له ليل الجمعة، أنه لن "يقف مكتوف الأيدي إزاء استمرار التصعيد العسكري في منطقة الهلال"، نافياً صلته بالهجوم، لكنه قال إن "لديه من الخيارات ما يردع كل مستهتر" حسب تعبيره. وشكك المجلس الرئاسي في توقيت القتال الحالي "الذي يتزامن بطريقة مشبوهة مع ما يبذل من جهود مكثفة على مستويات داخلية وإقليمية ودولية لتحقيق المصالحة الوطنية وتحييد الصف لتجتاز البلاد ما تمر به من محنة". من جهتها، أعلنت وزارة دفاع حكومة الوفاق عن استعدادها لتشكيل قوة لفك الاشتباكات في حال استمرارها.
وجاء موقف المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع رداً على تهم أطلقها مسؤولو قوات حفتر والبرلمان بتورط المجلس والوزارة في الهجوم على منطقة الهلال، إذ اتهم النائب في برلمان طبرق، صالح فحيمة، المجلس الرئاسي بـ"خلط الأوراق من خلال دعمه للهجوم حتى لا تخنقه مبادرات الحل المطروحة". بينما اتهم البرلماني الموالي لحفتر، طارق الجروشي، المجلس الرئاسي بشكل مباشر بقوله إنه "هو من موّل ودعم وخطط للهجوم الحالي على الهلال"، وأن وزير دفاع الوفاق المهدي البرغثي متواجد حالياً في قاعدة الجفرة التي انطلقت منها "سرايا الدفاع" للتخطيط وقيادة الهجوم. لتنتهي التصريحات المواكبة للحدث بإعلان البرلمان بشكل رسمي إدانته للحدث، معتبراً أن "الهجوم شاركت فيه مليشيات تنظيم القاعدة الفارة من بنغازي مدعومة من مليشيات تمرد تشادية". ودعا في رسالة وجّهها إلى مجلس الأمن، "المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حاسم وسريع إزاء الاحداث الحالية ورفع حظر السلاح من أجل تسليح الجيش" متهماً المجلس الرئاسي بالوقوف وراء الهجوم. حتى أن البرلمان وجّه تهماً لأطراف خارجية بدعم الهجوم، قائلاً إن "الهجوم الجبان الذي نفذته جماعات إرهابية مدعوم من أطراف وفّرت المأوى والدعم المادي والعسكري له، وإن هذه الأطراف هي دول أجنبية وأطراف داخلية متواطئة".
وإثر موقف البرلمان، أعلن 35 نائباً عن مقاطعتهم لجلسات اختيار لجنة جديد للحوار السياسي، معتبرين، في بيان رسمي موقّع باسمهم، أن المجلس الرئاسي مسؤول عن الهجوم على الهلال النفطي وأنه لا حوار معه.

من جهته، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، في تغريدة له على "تويتر"، ضم صوته إلى المجلس الرئاسي في إدانة التصعيد في الهلال النفطي "والذي يشكل تهديداً خطيراً لمصدر معيشة الملايين من الليبيين". ودعا جميع الأطراف إلى "الامتناع عن المزيد من التصعيد وضمان حماية المدنيين والموارد الطبيعية في ليبيا والمنشآت النفطية".

المساهمون