معارض الكتب.. التنوع والتجدد دائماً

02 ديسمبر 2015
معرض الدوحة للكتاب 25 (العربي الجديد)
+ الخط -
مرّت شابة على جناح دار نشر بيروتية، في معرض الدوحة الدولي للكتاب، قبل عقدين. سألت مسؤوله عمّا إذا كان لديه "سيرة ابن هشام"، أجاب بالنفي، ثم سألت عمّا إذا كان لديه أيٌّ من دواوين نزار قباني، أجاب بالنفي. كانا سؤالين غريبين، فالمسافة بين المطلبين هائلة، وأنْ تفتش تلك الشابة عنهما، في وقت واحد، أمر يبعث على الدهشة، والإعجاب ربما، فمزاج القراءة هنا متنوع الميول، ورحب يتسع لكل ما بين كتاب تراثي، في سيرة النبي محمد وديوان شعري يحتفل بالمرأة جسداً وأنثى.

قد لا تؤشر تلك الواقعة إلى هوى فردي، يخص تلك الشابة وحدها، وهي التي لم تلحظ اندهاش صاحب دار النشر، ولا استغراب صديقه، كاتب هذه الكلمات، إذ مع صحة أن ثمّة جمهوراً عريضاً من زائري معارض الكتب محدّد الميول، وعارفاً ما يريد أن يقتني من كتب، أو ما يستطلع من جديد الإصدارات في حقولٍ يهتم بها، فإن هناك من يتقاطرون إلى معارض الكتب وأجنحتها، للتجوّل والتسرية عن النفس واللقاء بالناس وتزجية الوقت، من دون رغبة بشراء أي كتاب. وهناك من يستهويهم المكان نفسه، والتنقل بين فعاليات ومحاضرات وأمسيات تنعقد فيه.

وهناك من لديهم ولع بشراء الكتب وجمعها، مع الاكتفاء بتصفحها سريعاً، من دون قراءتها بالضرورة. والظاهر أن منظمي معارض الكتب صاروا حريصين على تنويع الأنشطة فيها، لاستقطاب هؤلاء، وغيرهم من أصحاب أمزجة أخرى، ويفردون، أيضاً، مساحات للأطفال يرسمون فيها، ويتدربون على مهاراتٍ في الخط والتلوين وحفظ الأناشيد. وتُصادف في بعض المعارض ركناً، أو أكثر، لطهو أكلات متنوعة المذاقات، وبإشراف مختصين، بدعوى تستحق الثناء، أن الطعام من مشتملات ثقافات الشعوب.

ولعله التنوع، ولو إلى أقصاه، صار استحقاقاً لازماً لنجاح معارض الكتب، إذ مع أهمية أن تتآخى ألفية ابن مالك مع أشعار نزار قباني، وتتزامل طبقات ابن خلكان مع حمار توفيق الحكيم، ويترافق الشيف رمزي مع طرفة بن العبد، وتتعايش روايات ربيع جابر مع بخلاء الجاحظ، ويلتقي محمد عابد الجابري مع فيكتور هوغو، مع أهمية هذا كله، وغيره كثير، صار من موجبات معارض الكتب أن يجد الناس، على تنوع مشاغلهم، فيها ما يستهويهم، ويصادف في نفوسهم انشراحاً، فالشغوفون بالجديد في عالم التواصل الاجتماعي ومواقعه، والمشتغلون بتحقيق مخطوطات مصنفات قديمة، والمهتمون بالفنون الشعبية، والمتابعون جديد جوائز مان بوكر وغونكور في الرواية وغيرهما، كل هؤلاء، وأترابهم في مناشط معرفية وثقافية وفكرية وترفيهية وتقنية عديدة، صارت معارض الكتب تفسح لهم، أو لبعضهم، على كل حال، مطارح تتيسر فيها لهم ما قد يلبي بعض حاجتهم من احتكاكٍ بأفكار جديدة وإصدارات ومنتوجات جديدة.

لهذا كله، ولغيره، إنْ تحتفظ معارض الكتب، الحديثة والمتجددة، في غير عاصمة ومدينة عربية، بصفتها معارض للكتب، فإن هذه التسمية لا تلغي ما صارت توفره هذه المعارض من تنويعاتٍ، مبهجة غالباً، تحتفي بالطعام اللذيذ، وبالتواصل الاجتماعي الفسيح، وبأحدث منتجات الحصول على المعرفة بكل صنوفها، في برامج كمبيوتر جديدة، وفي "سيديهات" تضم معاجم وموسوعات وأرطالاً من الكتب والدوريات. وإلى هذا الكثير الغني، هناك التسرية عن النفس بالإنصات، مثلاً، إلى أهل الأدب والثقافة والفكر والعلم والتاريخ، يحاضرون وينتدون مع جمهور يسمعهم، ويتداول معهم.

لك، إذن، أن تكتفي بالتجوّل في معرض الكتاب الذي تزوره، وتبتهج بمصادفتك أصدقاء وزملاء ومعارف، وبالتفرّج على الكتب، وبالثرثرة إنْ أردت، مع هذا الناشر أو ذاك، إن كان لديك الوقت والمزاج، عن أحوال البيع والشراء مثلاً، ستسمع الشكوى من قلة المشترين، ومن تكاليف طباعة الكتب وتوزيعها، ومحدودية المردود. لك أن تُنصت إلى هذا كله، ولو فضولاً منك، أو رغبةً بالمعرفة، غير أنك ستسأل نفسك، إنْ كانت الأحوال على هذا العسر، لماذا تتزايد دور النشر العربية، ومعارض الكتب لا تتوقف، وكل هؤلاء الناس الزوار المرتادين، قدّامك وحواليك في المعرض، ماذا يفعلون؟ تستطلع المكان الفسيح، وتجوب فيه، وتتواتر إليك خواطر كيفما اتفق، عن عالم يتنوع ويتجدد، وتلملمه بين يديك، في جهاز تلفون مثلاً، وتتذكّر الفتاة التي سألت عن سيرة ابن هشام وأشعار نزار قباني، في معرض الكتاب في الدوحة، وتستطيب السؤال، قادماً إليك من ذاكرتك قبل عشرين عاماً.

اقرأ أيضا
معرض الدوحة للكتاب
كتب وندوات ورقابة
كل هذه الكتب...

دلالات
المساهمون