وافق مجلس النواب المصري، اليوم الثلاثاء، بصفة نهائية، على تعديل المادة 200 من الدستور، لتنص على أن "القوات المسلحة مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة، ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد. ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية".
كما وافق البرلمان على تعديل المادة 204 من الدستور، لتنص على أنه "لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة، أو ما في حكمها أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية".
ووافق المجلس أيضاً على تعديل المادة 234 من الدستور، لتنص على "تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة". ورفض النائب مرتضى منصور انتقادات بعض أعضاء البرلمان المعارضين للتعديلات، ووصفهم لها بأنها "وصمة عار" و"عبث" و"تعود بمصر إلى عصر المماليك"، مطالباً بضرورة حذفها من مضبطة الجلسة، وهو ما استجاب له رئيس البرلمان، علي عبد العال.
وقال عبد العال: "إن التعديلات التي أدخلت على مواد القوات المسلحة في الدستور كاشفة، وليست ناشئة، ولا تعمل على إقحام القوات المسلحة في السياسة من قريب أو من بعيد كما يروج البعض... وأي قول بخلاف ذلك يعتبر مبالغاً وقراءة مغلوطة للنصوص، لأن المؤسسة العسكرية محترفة ومهنية ووطنية، وتعي دورها جيداً"، على حد تعبيره.
وأضاف عبد العال أن "موقف الجيش كان واضحاً في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، و30 يونيو/ حزيران 2013، ولم يطلق الرصاص على أفراد الشعب المصري، لأن القوات المسلحة نبت أصيل للوطنية، والشعب المصري، وتؤدي دورها بكل إتقان ووطنية، وتنحاز دائماً لاختيارات الشعب المصري... وكانت دائماً في ظهر الدولة المصرية في السراء والضراء".
ورداً على مطالبات حزب "النور" السلفي بحذف لفظة "مدنية الدولة"، قال:" أود التأكيد أنها لا تعني إطلاقاً الدولة العلمانية أو الدينية أو العسكرية، فالمدنية تعني أن تقوم الدولة على فكرة المواطنة، وسيادة القانون في معناه العام، واحترام الدستور".
واتفق معه، رئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان، أسامة العبد، قائلاً إن "إثبات مدنية الدولة لا تعني العلمانية"، ما عقب عليه ممثل حزب "النور" أحمد خليل، بالقول: "الحزب سيرفض التعديلات الدستورية بسبب النص على مدنية الدولة في التعديلات... رغم أن حزب النور هو أول من ركب مع سفينة الوطن، ولم يغادر شاطئه، ولا يحتكر رأياً أو يرفضه".
وشدد خليل على أن حزب "النور" يرفض "الدولة الثيوقراطية" و"الدولة البوليسية العسكرية"، متابعاً: "إذا كانت كلمة مدنية في التعديلات الدستورية تعني أنها ضد الدولة الدينية والعسكرية البوليسية، فنحن نوافق عليها، ولكن إذا كان معناها علمانية فنحن نرفضها".
وتمسك خليل باستبدال لفظة "الحكومة المدنية" في ديباجة الدستور، بكلمة "دولة حديثة"، مكرراً: "نرفض تعديل الدستور، لسبب واحد فقط، هو كلمة مدنية الدولة"، وهو ما رفض الاستجابة له رئيس البرلمان. غير أن اللافت هو إعلان خليل موافقة حزب "النور" على التعديلات الدستورية أثناء التصويت النهائي، ما رد عليه عبد العال بالقول "شكراً أيها الابن الغالي".
نسف استقلال القضاء
من جهته، قال النائب هيثم الحريري: "أرى أن هذه التعديلات ليست في مصلحة الوطن والمصريين، وخطيئة دستورية، ولا أقول إنها عبث كالآخرين خارج المجلس، ولكنه لا يجوز تولي رئيس الجمهورية أكثر من مدتين"، مستطرداً "فتح مدد الرئاسة بتغيير المادتين 140 و226 من الدستور وصمة عار لهذه التعديلات، باعتبار أن فُصلت على مقاس شخص بعينه (السيسي)، ونحن من المفترض أكبر من هذا".
وأضاف الحريري: "هذه التعديلات تنسف استقلال القضاء، وتدخل في عمل القضاء من خلال منح رئيس الجمهورية سلطة تشكيل مجلس أعلى للهيئات والجهات القضائية برئاسته، كما اشترطت أنها لا يصدر قرار المجلس إلا بموافقة رئيس الجمهورية، من دون النظر إلى أغلبية أعضائه، بما يعني أنه يملك حق الفيتو في عرف السياسة".
وزاد قائلاً: "لا يجب إدخال القوات المسلحة في سجال سياسي، لأن قوتها أن تكون مع الشعب المصري، لا مع الأغلبية أو المعارضة".
الاعتداء على الأقلية
كما أعلن رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "المحافظين" أكمل قرطام، رفض التعديلات الدستورية، قائلاً "نرى عدم اختصاص السلطة المنشأة باقتراح أي تعديلات تمس المقومات الأساسية للدستور، وأن ذلك يمثل اعتداءً على اختصاصات السلطة التأسيسية الأصلية، والتي يكون غرضها أن توفق بين المصالح المتعارضة، وبين القوى المتباينة، في مسألة توافقية لا أغلبية فيها ولا أقلية".
وأضاف: "لا يجوز للبرلمان، باعتباره سلطة منشأة تغيير اختصاصاته، فيقترح إضافة غرفة أخرى، ولا يجوز أيضاً لمجلس النواب أن يتدخل وهو سلطة منشأة، في السلطة التنفيذية برئاسة رئيس الجمهورية... وحماية الديمقراطية ومدنية الدولة هي مسؤولية الرأي العام، وليس القوات المسلحة".
وتابع قرطام: "المسألة ليست 4 أو 6 سنوات للمدة الرئاسية الواحدة، بل بين 8 و12 عاماً علمياً بموجب التعديلات، على الرغم أن هناك إجماعاً بأن مكوث شخص في منصبه لأكثر من 10 سنوات لا يعتبر وظيفة مؤقتة، ومن المفترض أن وظيفة رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، وظيفة مؤقتة، فتظل مدة الرئاسة 5 أعوام على فترتين، لو سمح الدستور من الأصل بالتعديل".
وواصل قائلاً: "كنا نرى تغيير الدستور من خلال سلطة تأسيسية، فلا يكون هناك طعن على مشروعية الأمر...وسيتحمل هذا المجلس منح الأغلبية السياسية هذا الحق، والاعتداء على حق الأقلية... ونحن أقسمنا على احترام الدستور، ونقيم له وزناً كبيراً، وأثبت التاريخ على مر العصور أن التجاوزات تظل حاضرة في كل كتب الفقه الدستوري... ولذا نرفض هذه التعديلات جملةً وتفصيلاً، شكلاً وموضوعاً".
تخاطب شخصاً بعينه
وقال النائب محمد عبد الغني: "حرصاً على الوطن، وخوفاً على مستقبله، نعلن رفض التعديلات الدستورية، خصوصاً وأن مقدمي التعديلات عجزوا عن تقديم أي مبررات حقيقية للترويج لها"، مضيفاً في تهكم: "طالما أن هناك تحسناً واضحاً اقتصادياً وأمنياً، والدنيا ربيع والجو بديع، وكل حاجة جميلة في مصر، كما تقول الأغلبية... ما هو المبرر لإجراء هذه التعديلات؟!".
وأضاف عبد الغني: "المادة 140 من الدستور، والمادة المستحدثة للرئيس الحالي، تتعرض للحظر الوارد في الدستور، وطلب مناقشتها وتعديلها هو والعدم سواء، لأن التعديل المقترح على المادة الانتقالية يخاطب شخصاً بعينه... والتاريخ يؤكد أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، والهدف الرئيس من التعديلات هو الإبقاء على الرئيس الحالي في الحكم حتى عام 2030".
وتابع: "هذه التعديلات لم تحترم النص الدستوري لفترتين فضلاً عن المساس باستقلال القضاء، كما أنها تمس جوهر الدستور الذي أقسم النواب على احترامه، وتخل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، خصوصاً وأن هناك حاجزاً واضحاً يتمثل في المادة 226 من الدستور، والتي تنص على أنه لا يجوز تعديل المواد المُتعلقة بفترات رئيس الجمهورية".
ورفض عبد العال بعض الكلمات والمصطلحات التي تضمنتها كلمة عبد الغني بشأن التعديلات الدستورية، ووجه بحذفها من مضبطة الجلسة العامة، بحجة أنها لا تتلاءم مع قاعة المجلس، وكذا لا تتوافق مع التقاليد البرلمانية مثل كلمة "نجاسة"، والتي وجه بحذفها من المضبطة.
وقال عبد العال: "من كتب إليك هذه الكلمة إذا كان قانونياً، فأنا أشك في الشهادة الحاصل عليها، لأنه خلط الكثير من المفاهيم القانونية التي تحتاج إلى إعادة نظر... والمفروض اللي كتب الكلام يبصرك لأنك مهندس، واستخدمت بعض الكلمات التي لا تليق بهذه القاعة نقلاً عن شاعر مثل كلمة (نجاسة)، وليس لدينا استنادات إنشائية لتعديل الدستور، بل هي أسباب موضوعية"، وفق قوله.