مظاهرة تونس.. جرد حساب

15 سبتمبر 2015

متظاهرون تونسيون في شارع الحبيب بورقيبة (12سبتمبر2015،Getty)

+ الخط -
كما توقعنا، اندلع صراع سياسي مفتوح بين القوى السياسة والمدنية في تونس حول مبادرة الرئيس الباجي قايد السبسي، المتعلقة بتسوية أوضاع رجال الأعمال الذين تورطوا في الفساد في مرحلة حكم بن علي. فالمسيرة التي نظمتها الأطراف المناهضة لتلك المبادرة، يوم السبت الماضي، كانت محاولة ميدانية نحو إسقاط المشروع المقترح، فما الدلالات والنتائج؟
نجح المعارضون لمبادرة السبسي في العودة إلى النزول إلى الشارع، للضغط على السلطة التنفيذية، والعمل على إحراجها أمام الرأي العام، الداخلي والخارجي. وقد شهدت الأيام التي سبقت المسيرة محاولات قوية لمنع المعارضة من ممارسة هذا الحق، حيث اعتبر وزير الداخلية أن التظاهر، في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، سيشكل تهديداً لأمنها واستقرارها، إلى جانب مخالفة ذلك قانون الطوارئ. مذكّراً التونسيين بأن بلدهم يواجه حرباً حقيقية ضد الجماعات الإرهابية، وأن المصالح المختصة في وزارة الداخلية تملك معلومات مؤكدة تفيد بأن الإرهابيين ينوون استغلال أجواء المظاهرة للاندساس في صفوفها، من أجل ارتكاب اعتداءات على الأفراد والمؤسسات.
اعتبرت أوساط المعارضة أن مواجهة الإرهاب تبقى أولوية وطنية، إلا أن ذلك يجب ألا يؤدي إلى مخالفة الدستور والحدّ من الحريات. وبناءً عليه، أصرت على ممارسة حقها في التظاهر، مع إبداء المرونة والتعاون مع الحكومة والمصالح الأمنية، لتنفيذ الإجراءات الاحتياطية الضرورية التي من شأنها أن تساعد على تفويت الفرصة أمام الإرهابيين، حتى لا يستغلوا هذه الأجواء، للمساس بالأمن القومي للبلاد.
كانت مجازفة، لكنها حافظت ليس فقط على حق دستوري، وجزء حيوي من الحريات التي كسبها التونسيون بعد الثورة، وإنما ساهمت المسيرة أيضا في الاحتفاظ بالنفس الاحتجاجي السلمي الذي تراجع إيقاعه بشكل ملحوظ، منذ تولى حزب نداء تونس قيادة البلاد.
وبذلك، يمكن القول إن المعارضة فرضت إرادتها على الحكومة، ونجحت في رفع صوت الشارع من جديد، وأحدثت ربكةً داخل الائتلاف الحاكم، بل وحتى في صلب حزب نداء تونس. ونظراً لخوف هذه الأطراف المشاركة في السلطة من اتهامها بالعمل على الالتفاف على الحريات، يدور نقاشٌ، حالياً، في صلب الحكومة حول إمكانية إلغاء حالة الطوارئ التي يعتبرها كثيرون من خبراء القانون الدستوري مخالفة لنص الدستور وروحه.
في المقابل، لم تكن مسيرة يوم السبت الماضي في مستوى التوقعات، فعدد المتظاهرين لم يتجاوز، في أحسن التقديرات، ألفي مشارك. وهو عدد هزيل، إذا أخذنا بالاعتبار عدد الأطراف التي دعت إلى التظاهر، ونظمته بين أحزاب وجمعيات.
يُضاف إلى ذلك أنه على الرغم من الوزن المحدود للمعارضة داخل البرلمان، وعلى الرغم من وجاهة القضية التي تدافع عنها هذه الأيام، فإنها نزلت إلى الشارع منقسمة على ذاتها لأسباب متعددة. لم توحّد صفوفها على الرغم من وحدة مطالبها، وهو ما زاد من إضفاء الشكوك بشأن قدرتها الحقيقية على بناء معارضة فاعلة ومتماسكة.
في ضوء هذه المعطيات، يمكننا أن نتوقع أن مشروع قانون السبسي مرشح لكي يخضع قريباً لمراجعة محتواه، خصوصاً وأن الحليف الرئيسي لحزب نداء تونس، وهو حركة النهضة، طالب، أخيراً، بضرورة إدخال تعديلات مهمة على محتوى القانون، على الرغم من اعتراضه على صيغة التظاهر في الشارع، فالحركة حريصة على حماية تحالفها مع الباجي قايد السبسي، وترى في ذلك شرطاً أساسياً لصيانة التوازنات السياسية الراهنة، إضافة إلى رغبة "النهضة" في تحجيم دور الجبهة الشعبية التي تعمل على تغيير موازين القوى، من أجل إخراج النهضويين من السلطة. وإذا ما استمر التنسيق والتفاهم بين "النهضة" و"نداء تونس"، فإن مشروع القانون سيمر بعد التعديل، وبذلك، تبقى المبادرة بيد من يمسكون بميزان القوى داخل البرلمان، لكن السؤال الكبير والأساسي: هل سيكون رجال الأعمال في مستوى رهان الأحزاب الحاكمة عليهم، أم أنهم سيكونون أشبه بالسمكة التي تلتقط الطعم، ثم تهرب من شبكة الصياد؟