مطالب بتحرك سعودي لحماية 750 مليار دولار في أميركا

19 سبتمبر 2016
مطالب بالتخلص من استثمارات عقارية بالولايات المتحدة (درو آنجرير/Getty)
+ الخط -

أكد محللون اقتصاديون ومستثمرون سعوديون، لـ"العربي الجديد"، على ضرورة تحرك الحكومة السعودية بشكل عاجل لمواجهة الآثار السلبية المرتقبة في حالة إقرار مشروع قانون في الكونغرس الأميركي، يسمح للمواطنين الأميركيين، المتضررين من أعمال إرهابية، بمقاضاة الحكومة السعودية، مما يهدّد نحو 750 مليار دولار استثمارات حكومية للسعودية في الولايات المتحدة، حسب تقديرات رسمية، إلا أن المحللين أوضحوا في نفس الوقت أن الاقتصاد السعودي سيتضرر في حال تسييل استثمارات ضخمة بشكل مفاجئ.

وأوضح المحللون أنه من الخطأ الاعتماد على إمكانية رفض القرار بـ"الفيتو" عبر الرئيس الأميركي، بارك أوباما، الذي توشك ولايته على الانتهاء، لأن الكونغرس يمكن أن يمرر القانون رغما عنه بموافقة ثلثي أعضائه، وطالبوا بسرعة التحرك قبل فوات الأوان.
وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد قال في شهر مارس/آذار الماضي، إن "السعودية ستجد نفسها مضطرة إلى بيع سندات خزانة وأصول أخرى في الولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار خشية أن تتعرض للتجميد بأوامر قضائية أميركية".

وحسب المحللين، فإن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة على شكل أسهم وعقارات، يمكن استرجاعها وتسييلها بسرعة، بعكس سندات الدين، ولكن سيحدث ذلك أضراراً بقطاعات اقتصادية سعودية، في الوقت الذي لن يتضرر فيه الاقتصاد الأميركي بشكل كبير، لأن أسواقها ستكون قادرة على تعويض الأموال السعودية.
وفي هذا السياق، أكد أستاذ الاقتصاد، ماجد الحقيل، لـ"العربي الجديد"، على أن الهدف من المطالبة بالتحرك هو حماية الأموال السعودية، وليس الإضرار بالاقتصاد الأميركي، وأضاف، "لن تجد السعودية صعوبة في إيجاد مشترين لمصفاة بحجم بورت آرثر، لكنها ستخسر استثمارًا كان سيدر دخلا كبيرا لها، كما أنها قد تفقد جزءاً من قيمتها في حال قررت البيع بشكل مستعجل، ولكني لا أتصور ذلك".
ويعتقد الحقيل أن هناك أماكن أكثر أمانا يمكن أن توجه السعودية لها استثماراتها، خاصة وأن القانون الأوروبي أكثر ثباتا، ولا يقع تحت طائلة الابتزاز السياسي للكونغرس الأميركي الذي يمكن أن يقع تحت تأثير مجموعات ضغط.
وقال: "إن ألمانيا وفرنسا، وحتى بريطانيا والصين، تبدو أماكن أكثر أمناً للاستثمار فيها، بعيدا عن السياسة، وتدخلات المصالح الخارجية في الاقتصاد".

ويتفق المستثمر السعودي، سعد العليان، مع تحذيرات الحقيل، ويشدد على أن المستثمرين السعوديين باتوا مطالبين بأن يعيدوا النظر في الأموال السعودية المستثمرة في أميركا عبر ضخها في الأسواق المحلية والدول الأخرى الأكثر أماناً.
وقال لـ"العربي الجديد": "تواجه تلك الأموال مخاطر جدية، حتى قبل إصدار القانون الأميركي الجديد، بسبب الأجواء والرسائل الإعلامية المشحونة التي تبثها وسائل إعلام أميركية منذ سنوات، فهناك أكثر من 70 مليار دولار لمستثمرين سعوديين في الأسواق الأميركية، وهي وإن كانت غير معنية بالقانون الأميركي، إلا أن هناك مخاوف من أن يجد المشرعون الأميركيون طريقة لتوريطهم في الأمر، تماما كما حدث للمستثمرين الإيرانيين والفيليبين".

وكان الكونغرس الأميركي قد أجاز، مؤخراً، مشروع قانون يسمح للمواطنين الأميركيين بمقاضاة السعودية وطلب تعويضات عن الأضرار، التي لحقت بهم جراء أعمال إرهابية قام بها سعوديون في 11 سبتمبر/أيلول عام 2001.
غير أن العليان لا يتوقع أن تكون استعادة الاستثمارات السعودية سواء الحكومية أو الخاصة سهلة، ويضيف: "ليس من السهل سحب الاستثمارات السعودية في أميركا، فهي في الغالب استثمارات استراتيجية، وتتعلق بسياسات طويلة الأمد، وسيكون من الصعب سحبها من الأسواق الأميركية، كما أنه لا توجد خيارات كافية لاستقطاب تلك الأموال في أسواق أخرى".

وحسب المحللين، يحمل مشروع القانون الأميركي مخاطر حقيقية أخرى، حيث سيغري في حالة إقراره دولاً أخرى لإدانة السعودية بالإرهاب في أميركا، كما فعلت فرنسا مع ليبيا حين دفعت لبريطانيا وأميركا تعويضات في قضية لوكيربي.
وفي هذا الإطار، أكد المحلل المالي ورئيس المكتب الاستشاري، ربيع سندي، لـ"العربي الجديد"، على ضرورة تحرك السعودية سريعا، لكي لا تجد نفسها في موقف مماثل لموقف ليبيا في كارثة لوكربي، مشددا على أن تبرئة القضاء الأميركي السعودية من أية علاقة بأحداث 11 سبتمبر/أيلول قد لا تكون كافية أمام قاض صغير في مقاطعة صغيرة يعتقد أنه يريد أن يلفت الانتباه إليه.

وقال "إنه في حال دخول هذا القانون حيز التنفيذ سيقود ذلك إلى مزيد من التصعيد وتأزم العلاقات بين البلدين، خاصة وأن السعودية لديها الكثير من أوراق الضغط الاقتصادي والسياسي، ولا بد من أن تستخدمها بشكل عاجل، ولا تنتظر حتى اللحظة الأخيرة، فمع أن القانون مخالف للحقيقة والمنطق، في وقت يتم التغاضي فيه عن جرائم إيران ودعمها للإرهاب في المنطقة والعالم علنا، هناك من يعتقد أن الأمر لا يعدو كونه محاولة ابتزاز صريحة".

وأكد سندي على أن التهديد السعودي لم يكن مجرد فرض عضلات بل جاء لإحساس السعودية بأن هناك لعبة تقوم بها جهات أميركية تهدف إلى ابتزاز البلاد، وقال: "لا يمكن أن تكون إيران والسعودية قد اتفقتا على تنفيذ الهجمات، وقاضي نيويورك أدان إيران، ولكن يبدو أن أصدقاء إيران الجدد في الكونغرس يريدون جر قدم السعودية بالقوة، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به السعودية".
وأضاف: "السعودية ثالث أكبر دائن للولايات المتحدة الأميركية بعد الصين والاتحاد الأوروبي، ولن يكون في مصلحة الولايات المتحدة أن تقوم السعودية بطرح هذه السندات للبيع".

وشدّد سندي على أن الاستثمار في أميركا لم يعد مجديا، وأردف: "على الرغم من أن أميركا لا تزال قادرة على المدى القصير والمتوسط على سداد ديونها، إلا أن العوائد من الاستثمارات فيه باتت أقل، والمخاطر أصبحت أكبر، وخاصة وأن التحركات الأميركية الأخيرة تؤكد على أنها لم تعد حليفا يمكن الوثوق به، للعديد من دول العالم، فعندما تتدخل السياسة في الاقتصاد، والتهديد بتجميد أموال المستثمرين بعيدا عن القانون الدولي، فلا يمكن الوثوق بها، والكل يشعر حاليا أن هناك لعبة سياسية اقتصادية تحاك ضد السعودية، لهذا لا بد من أن يكون التحرك السعودي سريعا وحازما، من أجل حماية أموالها وهذا حق مشروع لها".

وتتمتع السعودية وأميركا بعلاقات تجارية قوية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام ٢٠١٥ أكثر من ١٧٠ مليار دولار، وتعد السعودية الشريك التجاري الثاني عشر لأمريكا، بينما تعتبر الولايات المتحدة الشريك الثاني للسعودية، حسب تقارير رسمية.



المساهمون