مضايا في الهاوية مجدداً

09 يوليو 2016
منذ زمن لم تدخل المساعدات إلى مضايا (فرانس برس)
+ الخط -

تسبّب الحصار المفروض على بلدة مضايا السورية بمجاعة قتلت عشرات من أهالي البلدة في بداية العام الجاري، فيما انتشرت صور مؤلمة هزّت العالم. كلّ ما حدث من حراك سياسي وإعلامي حينها، لم يفضِ إلا إلى حلول آنيّة مبتورة، على شكل مساعدات محدودة طبيّة وغذائية.

من جديد، ها هو شبح الجوع والعطش يخيّم عليها وعلى بلدة الزبداني، بعد أكثر من شهرَين على آخر دفعة مساعدات إنسانية دخلت إليهما، واستمرار حصار النظام السوري المطبق.

يعيش في الزبداني التي تحوّلت إلى كتلة ركام ضخمة، مقاتلون من بينهم عديد من المصابين والجرحى، فيما نزح أهلها إلى مضايا المتاخمة حيث يعيش اليوم نحو 40 ألف مدني. والبلدتان اليوم، لا يدخلهما أي نوع من السلع، لعدم موافقة النظام السوري على إدخال المساعدات الأممية وتعطّل تنفيذ "اتفاق البلدات الأربع" وعدم توصّل الأطراف المتحاورة إلى نتيجة.

حسام عضو في المجلس المحلي لبلدة مضايا، يقول إنّ "الكارثة الكبرى اليوم هي انقطاع المياه. في مضايا ينابيع طبيعية، لكنّها لا تكفي حاجة عدد كبير من الناس. كان ثمّة مشروع للهيئة الإغاثية الموحّدة في مضايا والزبداني يقضي بالاستفادة من آبار إرتوازية عدّة وضخّ المياه إلى البيوت عن طريق مولدات وأنابيب، لكنّ كميات الوقود التي كانت مخزّنة نفدت". يضيف أنّ "في آخر مرّة دخل المازوت، كان بواسطة الأمم المتحدة. واليوم يبلغ سعر الليتر الواحد منه 14 ألف ليرة سورية (35 دولاراً أميركياً). كذلك، يُصنّع الوقود عن طريق إذابة البلاستيك. لكن، حتى البلاستيك نفد". ويشير حسام إلى أنّ "في العيد مثلاً، لم يحصل الأهالي على ثياب جديدة. بعدما كانت مضايا من أجمل أسوق الثياب في سورية، لا يجد أهلها اليوم ما يلبسونه".




الضغوط التي يعيشها أهالي البلدة تسبّبت بمشاكل نفسية كثيرة، بحسب حسام. ويقول إنّ "نقطة طبية مثلاً، استقبلت 12 حالة محاولة انتحار، معظمها لمراهقين فقدوا الأمل. كذلك، يسجَّل لدى كثيرين هذيان وتشنج وفقدان في التركيز وفقدان للسيطرة". إلى ذلك، يدفع فقدان الأمل عديداً من شبان البلدة إلى الهروب، فيسلكون طرقات خطرة مرصودة من قبل القناصة ومليئة بالألغام. وقد فقد عديدون منهم حياتهم خلال محاولات الهروب تلك، كان آخرهم شابان قضيا قنصاً في أوّل أيام العيد".

على خلفيّة عدم توفّر الإمكانيات الطبية، يعيش مصابون ومرضى كثر أوضاعاً ميؤوس منها، ومنهم مرضى السرطان الذين لا يتلقون أيّ نوع من العلاج". يقول عبد الله وهو ممرّض في مضايا، إنّ "الخميس الماضي توفي طفل بعد ولادته مباشرة، إذ كان في حاجة إلى إمداد بالأكسجين وحاضنة لا تتوفّر في النقاط الطبية في البلدة". يضيف أنّ "حالات الوفيات تتزايد بين كبار السنّ الذين تتدهور صحتهم، لعدم توفّر الأدوية التي يحتاجونها. إلى ذلك، من يتعرّض مثلاً إلى نوبة ربو أو أي أزمة صحية طارئة من قبيل احتشاء عضلة القلب، يمكن إسعافه في المستشفيات عادة. أمّا في مضايا وفي مدن أخرى محاصرة، فإنّه يموت".

في المقابل، نجد بلدتا الفوعة وكفريا اللتان تحاصرهما قوات المعارضة المسلحة في ريف إدلب. بالتزامن مع توقّف دخول المساعدات الأممية إلى مضايا والزبداني، لم تعد تدخل كذلك إلى هاتَين البلدتَين. سامر شاب سوري من الفوعة، يعيش اليوم في تركيا. يقول: "عائلات أقاربي وأبناء عمّي ما زالوا في الفوعة. لم يتمكّنوا من الخروج منها لأنّهم فقراء". يضيف أنّ "ثلاثة من أطفال أقاربي يسرقون كلّ يوم من مزروعات أناس آخرين حتى يأكلوا". ويتابع أنّ "المشكلة الكبرى هناك هي عدم توفّر المياه والوقود والأدوية، بالإضافة إلى التلوّث. هذا كله يدفع ثمنه مئات بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا ذنب لهم في كلّ ما يحدث".

خوخ مقابل الأرزّ

أبو عمار أب لثلاثة أطفال، من سكّان بلدة مضايا. هو من بين قليلين في البلدة يملكون أشجاراً مثمرة. لدى أبو عمار شجرة خوخ في فناء منزله، ويقول: "لقد زرعها جدّي. منذ ثلاث سنوات، لم نأكل منها إلا القليل. لكنّنا لا نضيّع حبة واحدة اليوم". يضيف أنّه "بعدما نفدت آخر حبّة أرزّ من المساعدات قبل ثلاثة أسابيع، قايضت كيلو خوخ بنصف كيلو من الأرزّ".