أكثر من أسبوع مرّ على انتهاء اجتماع باريس للمعارضة السورية، الذي ضم وفداً عن هيئة التنسيق الوطني، وآخر عن الائتلاف السوري، في إطار استكمال المفاوضات بين الطرفين حول مذكرة تفاهم خاصة بخارطة للحل السياسي السوري. وسرعان ما بدأت تظهر خلافات جدية بين أعضاء هيئة التنسيق نفسها حول مخرجات المؤتمر الذي انتهى بالاتفاق على مهلة وضعت لرد هيئة التنسيق. مهلة انتهت أمس الإثنين من دون أن ترد هيئة التنسيق بما يوضح موقفها، بحسب ما أكدته مصادر من داخل الائتلاف لـ"العربي الجديد". وكانت اجتماعات باريس قد عُقدت بين 22 و24 فبراير/شباط الماضي.
ولعل تأخر الهيئة في إيضاح موقفها مرده النقطة الخلافية التي أثيرت خلال الاجتماع، وهي مصير الرئيس بشار الأسد أثناء العملية الانتقالية المحتملة، إذ أصر وفد الائتلاف بقيادة الرئيس السابق للائتلاف، هادي البحرة، ونائب رئيس الائتلاف الحالي، هشام مروة، على إسقاط الأسد من أي تسوية سياسية. بينما ظهر تيار من ضمن وفد هيئة التنسيق تحفّظ على هذا البند خلال المرحلة الانتقالية. وبحسب ما يؤكده مصدر من داخل الائتلاف، فإن "هذا التيار بقيادة هيثم منّاع وأعضاء آخرين في الهيئة يرفضون إلى الآن مبدأ رحيل الأسد خلال المرحلة الانتقالية، ويعتبرون نتائج مؤتمر باريس ضربا في مخرجات اجتماع القاهرة، مقابل أعضاء كثر يتوافقون مع الائتلاف في هذه النقطة، ما سبّب شرخاً بين صفوف الهيئة".
أقرأ أيضاً: تدريب المعارضة السورية: تحركات محورها الأردن
من جهة أخرى، علمت "العربي الجديد" أن خلافاً جديداً يتفاعل داخل الهيئة على إثر توجيه مسؤولَين في الهيئة رسالة باسم المنسق العام للهيئة، حسن عبدالعظيم، من دون علم وموافقة الأخير أو المكتب التنفيذي.
وأكد مصدر مسؤول من داخل الهيئة لـ"العربي الجديد"، طلب عدم ذكر اسمه، أن "المبعوث الأميركي الخاص بسورية، دانييل روبنشتين، بعث برسالة إلى حسن عبدالعظيم، تتعلق بالاتصالات المثمرة مع الهيئة، الذي أعرب فيها عن سعادته لسماعه عن المناقشات والاتصالات بين الهيئة والائتلاف ومعارضين سوريين آخرين".
وأضاف المصدر أن "روبنشتين قال في رسالته ما حرفيته: يمكنك الاعتماد على دعمنا المتواصل لمثل هذه الجهود، كما يجب على المعارضة السياسية أن تعمل بالسرعة القصوى لتجاوز الخلافات الشخصية فيما بينها، للوصول إلى تفاهم مشترك والمضي قدماً".
وأكد المصدر أن القياديَين في الهيئة سارعا إلى إرسال رد إلى المبعوث الأميركي، باسم عبدالعظيم بدآه بـ"أطيب التحيات، والشكر على اهتمامكم بهيئة التنسيق وجهودها منذ تأسيسها على توحيد المعارضة"، واستعرضا بإيجاز محاولات الاتفاق مع الائتلاف وصولا إلى باريس، قائلين: "نظراً لأن الهيئة منشغلة هذه الأيام مع أطراف معارضة أخرى، ومنها بعض أطراف الائتلاف، بعقد مؤتمر جامع في أبريل/نيسان المقبل في القاهرة، فإننا نتطلع إلى مشاركة الائتلاف بصورة رسمية فيه، ونأمل مساعدتكم في هذا المجال". كما طلبا في الرسالة من الإدارة الأميركية العمل على إحياء مسار جنيف للتسوية السياسية. وذُيلت الرسالة باسم المنسق العام وبتاريخ 1-3-2015. وبحسب مصادر "العربي الجديد"، أثارت الرسالة غضب المنسق العام، حسن عبدالعظيم، ما دفع بالقياديين في الهيئة إلى سحب الرسالة من الموقع الإلكتروني لهيئة التنسيق.
وتضمنت الرسالة الثانية، التي تم توقيعها بذات التاريخ للرسالة الأساسية، مقدمة عن الواقع المأساوي في البلاد، و"تمسك الاستبداد بالسلطة كهدف" و"الجماعات المسلحة التكفيرية" وعدم تمييزها بين الأديان والطوائف، وكلاما عن دور مصر و"تضحيات جيشها"، مهاجمة في المقابل "الإخوان المسلمين". وجاء في الرسالة "البديلة" أن تجربة "الإخوان المسلمين تتبنى العنف والتطرف والاغتيال لمن خالفها الرأي والموقف، ما ساعد على نشوء حركات أكثر تطرفاً". وتضمنت الرسالة كلاما عن "دور الإدارات الأميركية المتعاقبة في دعم" نظم الاستبداد.
وعلى الرغم من اختيار باريس عقد الاجتماع بين هيئة التنسيق والائتلاف، لتجنب مقاربة المصريين لسياستهم الداخلية مع الأزمة السورية، وما ولدته من نتائج تجلت في اجتماع القاهرة الماضي، باشتراط عدم تمثيل الإخوان المسلمين ضمن المعارضة السورية فيه، إضافة إلى تحفظ الخارجية المصرية على أسماء بعض أعضاء الائتلاف وعدم توجيه دعوة رسمية إلى الائتلاف، إلا أنه يبدو من استعراض رسالتَي هيئة التنسيق أن هناك جناحاً في الهيئة، يذهب إلى التحالف مع "الإخوان المسلمين" السوريين، في مقابل آخر يحاول الابتعاد عن هذه الصبغة، محاولاً الاحتفاظ بالعلاقة مع القاهرة.
اللافت هو تزامن تلك الخلافات في صفوف الهيئة مع إعلان نائب المنسق العام لهيئة التنسيق هيثم مناع، يوم الأحد، عن تشكيله تياراً جديداً تحت اسم "تيار قمح" وشعاره "قيم مواطنة حقوق"، مستعرضاً توجهاته وأهدافه، في حين بيّن أن أسماء المؤسسين سيتم الإعلان عنها في بيان سينشر في وقت لاحق. ولم يتم الكشف عما إذا كان التيار الجديد سيكون أحد مكونات الهيئة أم سيكون خارجها، وخصوصاً أن مناع تقدم باستقالته من هيئة التنسيق منذ نحو الشهرين، إلا أن المكتب التنفيذي لم يعلن عن موافقته عليها.