يحصل أن تُجبر الحرب الناس على ترك بلادهم الأصليّة، والبحث عن حياة في بلاد أُخرى، إذْ يحاولون العيش فيها كيفما اتفق، وإيجاد طرق خاصة بهم تساعدهم على اختراع حياة جديدة، وعلى وجه الخصوص في البلاد العربية القريبة منهم. في الحالة اليمنية، ذهب أهل اليمن إلى الأردن. لكنّ كلفة العيش فيها مرتفعة كما لبنان، البلد الأغلى في المنطقة. الكثير منهم استقر في بيروت وعمّان وقتاً قصيراً، ثم اختاروا الذهاب إلى مصر، فهي الأكثر قرباً وسهولة في العيش وانخفاضاً في تكلفة المعيشة، وفوق ذلك، هي الأكثر قرباً لأهل اليمن.
شتاتٌ في الأرض
مع الوقت، صار اليمنيون جالية كبيرة في مصر، خصوصاً في منطقتي الدّقي والمنيل. مطاعم يمنية شعبية كثيرة، ومحلّات قهوة وأماكن استراحة، يجتمع فيها أبناء البلد "الحزين" في بلدهم الثاني مصر. لكن مِن شباب اليمن مَن اختاروا الهروب بعيداً. لقد وصل بعضهم إلى كوريا الجنوبية، وصارت لهم حياة هناك. وهناك من ذهب إلى ماليزيا وكوالالمبور تحديداً. هكذا انتشر شباب اليمن في أكثر من بلاد وصارت لهم حياتهم هناك، إذْ يحاولون التأقلم معها بأي شكل كان، محاولين اختراع طرق العيش بالطريقة التي تُناسب مواهبهم وقدراتهم أو الدراسة التي أكملوها.
الحافز وراء المشروع
اللافت هنا، أن نجد فتاة يمنية صارت تقيم في العاصمة الماليزية، وقد ابتكرت شغلاً على نحو مُختلف. شيء مُغاير للصورة السلبية المأخوذة عن المجتمع اليمني والفتاة اليمنية. لقد ابتكرت شغلاً في مشروع يهتم في تصميم الأزياء اليمنية، لكن بطريقة مُعاصرة مُغايرة للشكل التقليدي. وهذا على الرغم من كون مجال دراستها كان، وهي الحاصلة على ماجستير إدارة مشاريع، دبلوم هندسة معماريا داخليا، وبكالوريوس أدب إنكليزي. اسمها منى هلال، وفي حديثها مع "العربي الجديد"، قالت إن المشروع بدأ عبر التفكير في ابنتها. "إذا بحثت عن الكتاب الذي تريده ولم تجده، فقم أنت بتأليفه"، هذه المقولة تختصر فكرة مشروعها الحالي. "حين احتجت في تجهيز زفاف ابنتي لملابسنا التقليدية والإكسسوارات هنا في ماليزيا، وكان من الصعب الحصول على الأقمشة ونوع التصاميم والخياطة التقليدية التراثية. وإن وجدت، فهي قديمة وغير عملية أو مريحة في اللبس، ولا يُفضَّل ارتداؤها من قبل الفتيات الصغيرات في السن. وبالتالي، وجدت الحاجة الملّحة لتوفير الزي بطقوس ومراسم تعبر عن الهوية اليمنية الزاهية والباعثة على الفرح عبر الألوان المُبهجة والأشكال التطريزية التي تحتويها".
من هنا كانت فكرة المشروع الذي انطلق من هذه القاعدة ليصبح على ما هو عليه اليوم؛ الاشتغال على إعادة تظهير هويّة الزي اليمني التقليدي، بالتزامن مع انفتاحه على خطوط أزمنة العصر الحديثة. بغير المساس بالخطوط العريضة والشكل الأساسي الظاهر، مع الاكتفاء باللعب على التفاصيل الداخلية. في الوقت نفسه كانت مسألة أكثر صعوبة متمثلة في كيفية تلقي هذه البيئة الجديدة لزي يمني غريب عن المجال العام. "أنت تحرث في جغرافيا جديدة"، تقولُ صاحبة المشروع.
سلوى حسام
لكن بعد كل الذي حصل، بقيت مشكلة أكبر، ألا وهي كيفية العثور على "موديل" يمنيَّة، قادرة على ارتداء الأزياء والوقوف وعرضها . "كان لا بد من العثور على "موديل" عربية. تحمل ملامح أقرب للوجه الأنثوي اليمني، حتى لا يصير هناك حالة تنافر بين الوجه والزي المحلّي اليمني"، تقول منى هلال. والحال هذه، كانت سلوى حسام من الأردن. لقد تكفلت بمهمة العرض وارتداء الأزياء اليمنية. لقد ظهرت "الموديل" من خلال الصور التي ترتدي فيها الأزياء اليمنية بشكلها الأحدث، وكأنها متماهية معها إلى درجة تُظهر، وكأنها يمنية أصيلة. أو تحديداً ذلك الدلال الصنعاني المنتمي لمدينة صنعاء القديمة، ودلع فتياتها حين كنّ يرتدين الأزياء الخاصة بهن في ذلك الوقت الماضي. في وقت كانت مدينة صنعاء القديمة مساحة مفتوحة لكل أشكال المدنية، وقبل هبوب رياح التطرف على "اليمن الشمالي" سابقاً، وما تلاه من هجمات أتت على الحياة المدنية في نصفيّ اليمن شمالاً وجنوباً.
قيود المجتمع على المرأة اليمنية
من هنا تبدو الـ"موديل" سلوى حسام، وكأنها من تربية ذلك الزمن القديم الجميل وهي تتقمص تلك الروح الجميلة في طريقة عرضها وحركتها أمام الكاميرا، أو في طريقة مشيتها في منصة العرض. ولعلّها هنا قد قدّمت انفراجاً لهذا المشروع من حيث انعدام الموديلات اليمنيات القادرات على تلبس الدور بمعرفتهن الكاملة بتلك الأزياء طريقة التعامل معها. وعلى الرغم من كثرة الطالبات اليمنيات المُقيمات حالياً أو المُهاجرات إلى ماليزيا، كانت مسألة العثور على "موديل" يمنية في غاية الصعوبة والتعقيد. ولهذا الأمر أسباب ومبررات كثيرة، لعلّ أهمها عدم رغبة اليمنية دخولها في مُغامرة قد تضعها في مواجهة أهلها أو قبيلتها. في هذا السياق قد يبدو ممكناً التذكير ببعض المحاولات التي حصلت في الداخل اليمني، في صنعاء خصوصاً، من فعاليات عروض أزياء لكنها كانت تُقام في أمكنة وصالات خاصة بالنساء والعارضات كُن من جنسيات غير يمنية أو من أصول مختلطة من أصل يمني. وغالبية هؤلاء تركن اليمن الآن.