مصطفى بكري.. منتهى التهريج

15 يوليو 2016

مصطفى بكري يرفض إطلاق صفة "الدكتاتور" على القذافي (Getty)

+ الخط -
ما الذي يريده النائب المصري، مصطفى بكري، في دفاعه عن الطغاة، الأحياء منهم والأموات، فعلى الرغم من ترشيحه نفسه في الانتخابات البرلمانية نائباً مستقلاً في دورة 2012، ثم عضواً حالياً لمجلس النواب دورة 2016، إلّا أنّه لم يستطع إخفاء ميوله الناصرية مع زيادة تهريج وفرقعات هنا وهناك.
جديد صكوك الغفران التي تطوّع بكري بصرفها اعتباره أنّ الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي "شهيد"، لأنّ من قتله هو حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبرفضه إطلاق لفظ الدكتاتور على القذافي جاء تبريره أنّ من يتولى حماية الأوطان لا يمكن أن يُسمى دكتاتوراً. وجاءت التبرئة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، من حيث لا يدري، وذلك بصكٍّ آخر، هو أنّ مجرد ندم الشخص الذي أسقط تمثاله في بغداد عام 2003، كفيلٌ بتبرئته من كل ما ارتكبه بحق شعبه.
وإذا كان المثل القائل "كل فتاة بأبيها معجبة" انطبق على رغد صدام حسين وعائشة القذافي، اللتين خرجتا بعد أن احترقت روما لتدافعا عن صورة والديهما المحروقة، ففيم خروج مصطفى بكري اليوم؟
وصفت رغد والدها بالبطل والإنسان الوطني، وزعمت أنّه تعرض للغدر من مقربين إليه. وإن لم تفهم رغد طبيعة الجراح والآلام التي تسبب فيه والدها لأهل العراق، بفظائعه الكبيرة من مذابح وقمع ودفن للعزّل وهم أحياء وحرق القرى بأهلها، فقد رأت أن تتعالى على جراحها الشخصية، وأن تكبت لوعتها ودمعها، لأنّ أباها هو قاتل زوجها. لم تكتفِ رغد بفعل أبيها في زوجها، وإنّما قامت بتبريره بأنّ كل العائلات تحدث فيها خلافات.
جاء دور عائشة القذافي التي فرّت إلى الجزائر مع والدتها، وعدد من أفراد أسرتها، واستقبلتهم الجزائر لدواعٍ إنسانية. ومن مخبئها، أعلنت لأحد أفراد أسرة القذافي أن والدها "بخير ويقاتل". لم تكتفِ بهذا، بل اتهمت المجلس الانتقالي بالخيانة، ما دعا السلطة الجديدة في ليبيا إلى التصريح بأنّها بصدد توجيه طلب رسمي إلى الحكومة الجزائرية، لتسليمها عائشة، بسبب تطاولها المعلن على قيادات المجلس.
ومثلما فعلت رغد من قبل، فإنّ عائشة دافعت عن أبيها ضد قوات التحالف عند باب العزيزية، حيث مقر إقامته، ووصفته بأنّه هو "المجد والعزة والكرامة"، وواصلت مدح والدها الهارب: "يحق لليبيين أن يفخروا بقائدهم العظيم، فهو بخير والحمد لله، ومعنوياته مرتفعة، يحمل السلاح ويقاتل هو وأبناؤه".
الآن، يتحفنا مصطفى بكري بالحديث عن الرئيس عبد الفتاح السيسي والقذافي وصدام حسين على رقعة دفاع واحدة. ولا يذكّر هذا الأمر برمته إلا بنوعية معينة من الأفلام الأميركية التي يُعهد بمهامها إلى عملاء يسلكون طرقاً وعرة ووسائل قذرة، من أجل القيام بالمهمة الموكلة إليهم نظير ثمنٍ معيّن.
أما التغابي فيأتي من عدم إدراك أنّ العالم يرى ولا يحتاج لمن يأخذ عينيه من رأسه ليريه على مزاجه. فهذه الصور المشهودة لو دفع مقابلها ما دُفع لن يستطيع تغيير حقيقتها، كما لن يستطيع أحدٌ أيّاً كان تحويل أنظار العالم عما يجري تحت سماء مصر وعلى أرضها.
هذا أمرٌ يسير بالنسبة إلى شيء آخر، أخطر وأهمّ، ماذا ستستفيد حكومة ما تستعين بنائبٍ ما لتحسين صورتها، غير المستجيبة لعمليات التجميل اليومية، والتي يُدشّن لها الإعلام والخبراء الأجانب والمحليون، والتي يُدفع لها من مال الشعب المنكوب في الحالتين.
انتهى "منتهى الصراحة" كبرنامج، ويمكن أن تتحول التصريحات على نهجه إلى سلاح ذي حدين، حين يسخّرها النائب ليس للأخبار الكاذبة فحسب، وإنّما لتهويمات مدح الطغاة التي يتم التفنّن فيها بأساليب كثيرة تنوء بكلكل السلطة، وبعض النواب همّ همّ في رحلتهم الوعرة التي أصبحت نفسها مغامرة غير مضمونة العطايا.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.