ماسبيرو كانت أولى مذابح المجلس العسكري المصري، الذي تولّى مقاليد السلطة في أعقاب خلع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حينما خرج آلاف المواطنين، ومعظمهم أقباط، في مسيرة منددة بهدم كنيسة في محافظة أسوان في 9 أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، للمطالبة بقانون موحّد لبناء دور العبادة في مصر، فنشبت مشاحنات بين المتظاهرين وقوات الجيش، أسفرت عن مقتل حوالى 27 متظاهراً، وإصابة المئات.
وبعد ثلاث سنوات على المذبحة، جاءت الدعوات لإحياء الذكرى خجولة، فبحسب بيانات صادرة عن ائتلافات قبطية مصرية، أعلن اتحاد "أسر شهداء ماسبيرو"، إحياء الذكرى الثالثة للمذبحة، غداً الجمعة، في كنيسة الملاك ميخائيل في مدينة 6 أكتوبر، حيث مدافن أبنائهم الذين سقطوا ضحية لتلك المذبحة.
ويترأس الصلاة ممثل البابا تواضروس الثاني، سكرتير المجمع المقدّس الأنبا رافائيل، وأسقف أكتوبر وتوابعها الأنبا دماديوس، إضافة إلى لفيف من الكهنة والرهبان، بمشاركة شخصيات عامة. وستُقام مراسم تأبين بعد القداس، تتمثّل في إنشاد كورس لترانيم مع أوبريت، تُرفع خلالها صور "شهداء ماسبيرو"، على أن يقوم الأنبا رافائيل يرافقه الأنبا دماديوس، بتكريم أسر الشهداء وتسليمهم الهدايا التذكارية، كما سيقوم الأنبا رافائيل بإلقاء كلمة أثناء عظة القداس.
ودعا محامي الكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية، مسؤول ملف "كنيسة القديسين"، جوزيف ملاك، السلطات المصرية إلى إعادة فتح التحقيقات في الحادثتين. وأشار ملاك، الذي يشغل رئيس "المركز المصري للدراسات الإنمائية وحقوق الإنسان" المهتم بالشأن القبطي، إلى أن "مطالبته بتدخل رئيس الجمهورية تأتي تدعيماً لدولة القانون، حتى يشعر الأقباط بأنهم مواطنون من الدرجة الأولى، خصوصاً بعد أن رفضوا اللجوء إلى تدويل الواقعتين، والاتجار بهما من قبل البعض، في ظل عدم الاهتمام بقضاياهم ومحاولات بعض الدول استخدامها بصورة سيئة للإضرار بسمعة الوطن"، بحسب تعبيره.
وفي تأكيد على الإحياء الخجول للمناسبة، أعلن الاتحاد في بيان، أنه لن يشارك في أي فعاليات لإحياء ذكرى المذبحة، و"سيكتفي فقط بتأبين الشهداء في الكنيسة". كما شنّ هجوماً حاداً على ما يُسمّى بـ"اتحاد شباب ماسبيرو"، متهماً إياه بـ"أنهم تجار دم، يسعون لمكاسب سياسية من وراء المتاجرة بقضية شهداء ماسبيرو".
و"اتحاد شباب ماسبيرو"، كان قد أعلن عن تنظيم وقفة بالشموع والورود من الخامسة وحتى الثامنة من مساء اليوم الخميس، في منطقة شبرا في القاهرة، داعياً كافة الحركات القبطية إلى المشاركة في هذه الفعالية.
من جانبه أعلن "ائتلاف أقباط مصر"، مشاركته في قداس التأبين، وطالب السيسي بفتح التحقيق في ملفي ماسبيرو وكنيسة القديسين، لأنهما حدثا أثناء توليه رئاسة الاستخبارات الحربية.
"حركة الشهيد مينا دانيال"، هي وحدها التي دعت لإحياء الذكرى بوقفة بالشموع أمام نقابة الصحافيين المصرية، وسط القاهرة، مساء اليوم الخميس، للمطالبة بإعادة فتح التحقيق في تلك المذبحة، وتقديم الجناة إلى المحاكمة من دون أي حسابات أو توازنات.
وذكرت الحركة، في بيانها، أن "ثلاثة أعوام مرت على مذبحة ماسبيرو، من دون حساب أو قصاص لدماء من ماتوا من أبناء الوطن على أيدي المجلس العسكري، الذي ارتكب مذابح بشرية بين صفوف الثوار طيلة فترة قيادته للبلاد".
يُذكر أن مينا دانيال هو أحد أشهر "شهداء مذبحة ماسبيرو"، وكان ناشطاً في حركة "شباب من أجل العدالة والحرية"، ونجا من الموت مرتين، قبل أن يموت بقذيفة نارية اخترقت صدره ونفذت من ظهره، نُقل بعدها إلى المستشفى القبطي في محاولة لإنقاذه، إلا أنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة، عن عمر يناهز 23 عاماً.
عرف دانيال طريقه للسياسة عام 2009، بانضمامه لحركة "شباب من أجل العدالة والحرية"، واحدة من الحركات الشبابية التي نشأت قبل ثورة يناير ومهدت لها، وشارك في ثورة يناير، وكان أحد أبرز وأشهر وجوه اعتصام ميدان التحرير، حتى رحيل مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، وظل يشارك في كل الفعاليات السياسية المؤيدة للثورة، حتى توفي في أحداث ماسبيرو.
بعد وفاته، أنشأ رفاقه وأسرته "حركة الشهيد مينا دانيال"، والتي قادت المطالبات بالقصاص للشهداء، وشاركت في معظم الفعاليات السياسية اللاحقة، وصولاً إلى تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 الحاشدة التي أعقبها عزل أول رئيس مدني منتخب في مصر، محمد مرسي.
ارتبط اسم مينا دانيال بعدد كبير من الهتافات الحماسية في معظم الفعاليات التي أعقبت أحداث ماسبيرو، منها "مينا دانيال مات مقتول... والمجلس هو المسؤول"، في إشارة إلى المجلس العسكري، و"اقتل خالد اقتل مينا... كل رصاصة بتقوّينا"، والأول هو خالد سعيد، والثاني هو مينا دانيال، و"مينا دانيال يا ولد... دمك بيحرر بلد".