عندما بدأت شركة "زاد" للمنتجات الغذائية عملها في يوليو/تموز من عام 2012، حصل الشاب المصري عبد الهادي على وظيفة في أحد فروعها، ما جعله يعتبر محظوظا بين أقرانه، إذ كثيرا ما تحدث عن راحة في أجواء العمل، كما كان الزبائن يترددون باستمرار على الشركة لما كانت تقدمه من عروض أسعار وتخفيضات، ما جعل عبد الهادي يشعر بأن مستقبلا سعيدا ينتظره في مجال عمله، لكن سرعان ما انقلب الحال عندما تم التحفظ على أموال الشركة في يونيو/حزيران من عام 2014.
تم التحفظ على أموال الشركة بعدما قضت محكمة القضاء المستعجل فى سبتمبر/أيلول 2013 بالتحفظ على أموال قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها إرهابية، على الفور بدأ تنفيذ الحكم عن طريق لجنة تم تشكيلها من وزارة العدل المصرية.
اعتادت اللجنة الإعلان من وقت إلى آخر عن قرار بالتحفظ على عدد من الشخصيات والجمعيات والمستشفيات، ما أدى إلى أن يصل العدد الإجمالي لمن تحفظت اللجنة على أموالهم، إلى 1345 شخصا، 1117 جمعية أهلية، 103 مدارس، بالإضافة إلى 50 مستشفى. لكن إشكاليات قانونية عديدة تحيط بعمل اللجنة كما يكشف التحقيق.
اقرأ أيضا: "عقيدة الصدمة".. عصا السيسي السحرية لتمرير قوانينه وقراراته
كيف تميز اللجنة الإخوان من غيرهم؟
يؤكد المستشار محمد ياسر أبو الفتوح، المتحدث باسم اللجنة، أن تحريات الشرطة، طريقة أساسية، لتحديد من هم الإخوان، ومن ثم يتم تنفيذ قرار التحفظ على أموالهم، وهو ما طابق ما قاله المستشار عزت خميس رئيس اللجنة، في تصريحات صحافية، بأن "التحريات الأمنية عنصر مهم في هذا الشأن". أما عن طريقة تحديد الممتلكات، فيؤكد خميس، أن الأمر يتم بالاستعانة بالشهرالعقاري والجهات الرقابية للبت في حقيقة ملكية المتحفظ على أموالهم، وعلاقة هذه الملكيات بجماعة الإخوان.
لكن لماذا يتم التحفظ على أموال هؤلاء الأشخاص تحديدا، من دون باقي أعضاء الإخوان؟ يعود رئيس اللجنة للتأكيد أن الفيصل في التحفظ على أموال الأشخاص هو ثبوت تمويلهم الأنشطة الإرهابية (مثلا اعتصام رابعة العدوية)، لكنه عاد في المؤتمر الصحافي الذي عقد يوم 13 أغسطس/آب، ليرفض الإفصاح عن سبب التحفظ على أموال صفوان ثابت، أحد أكبر رجال الأعمال المصريين، وصاحب شركة جهينة، بحجة أن "الأسباب سرية".
يبرز هنا تساؤل عن كيفية اعتماد اللجنة، على تحريات الشرطة التي يحتمل ألا تكون دقيقة، كما ثبت في وقائع سابقة، يجيب الحقوقي ومؤسس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد قائلا لـ"العربي الجديد" :"لا يجب أن يستند التحفظ على أموال أي مصري إلى التحريات فقط، بل ينبغي وجود أدلة أخرى، كذلك يجب أن يكون الأمرموكلا إلى محكمة حتى يتسنى الطعن على أحكامها، وليس كما يحدث الآن عبر لجنة، لأنه من الوارد أن يتم الزج ببريء، ويتم التحفظ على أمواله، رغم أن الدستور يحمي الملكية الشخصية".
اقرأ أيضا: كل الطرق لم تكن تؤدي إلى 3 يوليو
هل تعامل كل الأموال المتحفظ عليها بنفس الطريقة؟
تنطوي الطريقة، التى تدير بها اللجنة، الأموال التي تحت تصرفها، على بعض الغموض، إذ تقول اللجنة أنها تمارس أعمالا رقابية على الشركات، دون تغيير إداراتها، في حين أنها فعلت عكس ذلك.
محام سابق لشركة زاد، المملوكة لنائب مرشد الإخوان، شهد عملية التحفظ على الشركة من قبل اللجنة، أكد لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة قامت بتغيير مجلس الإدارة بالكامل ولم يتم انتداب عضو من قبل اللجنة ليراقب الحسابات كما يحدث مع باقي الشركات. وهو ما اعتبره المحامي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، تمييزا ضد مالك الشركة المهندس خيرت الشاطر.
يطابق ما حدث مع زاد، مع ما أعلنه المستشار عزت خميس رئيس اللجنة، في مؤتمر صحافي يوم 13 أغسطس/آب الحالي، بأنه تم التحفظ على 14 شركة صرافة بفروعها الـ 66 على مستوى الجمهورية، قائلا: "تم تشكيل مجالس إدارة من المختصين، والاستعانة ببعض مديري البنوك المحالين إلى التقاعد بالاتفاق مع البنك المركزي والتعاون معه". وأضاف: "انتهت اللجنة إلى إدارة هذه الشركات حتى لا يتأثر سوق النقد بمصر أو استغلال بعض تجار العملة ضعاف النفوس ليرتفع سعر العملات الأجنبية". تتنافى التصريحات السابقة، لرئيس اللجنة عن آلية تغيير مجالس الإدارات، مع ما صرح به في حوار سابق مع صحيفة الوطن المصرية، إذ قال المستشار خميس "يهمنا أمران، الأول المراقبة المالية بحيث لا تخرج أي أموال إلا للنشاط المحدد والمخصص "مليم واحد يخرج بره هذا النشاط ممنوع"، الأمر الثاني هو عدم المساس بإدارة هذه المشروعات، بمعنى أن القائمين على إدارة هذه المشروعات وقت التحفظ ووقت تسلم لجنة الإدارة لها، هم أنفسهم القائمون على إدارتها".
ويضيف خميس: "جئنا بإدارة موازية تابعة للجنة، بحيث تشتركان فى الإدارة، وأعطتهم اللجنة حرية التصرف، مثلاً (شركة سرار للمفروشات)، قالو لنا إنهم يريدون استيراد بضائع تركية، ووافقنا، على أن يرسلوا لنا فاتورة بالمبالغ".
ووفق تصريحات خميس فإن اللجنة تركت مجالس الإدارات القديمة، تمارس أعمالها مع وضع إدارات موازية، هدفها المراقبة فقط. ما دفع "العربي الجديد" إلى سؤال المستشار عزت خميس رئيس اللجنة، عن تصريحاته المتناقضة وسبب تغيير مجالس إدارات شركات الصرافة التي تم التحفظ عليها مؤخرا، بالإضافة إلى تغيير مجلس إدارة شركة زاد، فأجاب، "الشركات من هذا النوع كثيرة، وشركات الصرافة تبلغ 14 شركة وبالتالي لا أتذكر أسماءها ولا تفاصيلها، لكن حجم الشركة ونشاطها هو الذي يحدد كيفية التعامل معها".
بالرجوع إلى حواره الصحافي يقول خميس، عن شركة زاد: "عندما تحفظنا عليها وتمت عملية الجرد، وجدناها محققة "خسارة" حجمها 22 مليون جنيه (قرابة 2.8 مليون دولار أميركي، خلال عام 2013 من واقع مستندات قمنا بالتحفظ عليها، ما جعلنا نسند إدارتها إلى الشركة المصرية لإدارة السلع الغذائية.
وينفي محامي زاد صحة تصريحات رئيس لجنة حصر أموال الإخوان، قائلا "عندما تم الجرد كانت الخسائر تتراوح بين 11 مليون جنيه مصري إلى 15 مليون جنيه (ما بين 1.4 إلى 1.9 مليون دولار أميركي)، وهي خسائر طبيعية لأن الشركة كانت جديدة وتفتح فروعا في كل مكان، وتقدم عروضا على المنتجات وتبيع بدون مكسب حتى تحقق مرحلة الانتشار في السوق، كانت الخسائر طبيعية، وليست ناتجة عن سوء إدارة، كما أنه يوم التحفظ على الشركة استولى بعض الموظفين ممن حضروا مع اللجنة على أجهزة كانت معروضة للبيع، ولا نعرف من هؤلاء، ولا مصير الأجهزة الكهربائية التي استولوا عليها، كما استولى عدد من عمال البناء على سيارات تخص الشركة كانت بحوزتهم أثناء تجهيز أحد الفروع، واستغلوا الفرصة وهربوا بها. وتم حساب هذه المسروقات ضمن الخسائر، وبغض النظر عن كل هذا فإنه تم تغيير مجلس الإدارة في اليوم التالي للتحفظ قبل أن تتم عملية الجرد أصلا".
ووفق ما وثقه كاتب التحقيق، فإن حالة التناقض السابقة، تعكس أن قرار اللجنة، في ما يخص عملية إدارة الشركات المتحفظ على أموال ملاكها، عملية تقديرية تخضع لهوى اللجنة من دون معايير دقيقة تنظم عملها، وهذا ما يدفع إلى التساؤل، هل اللجنة إدارية أم قضائية؟
اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟
حقيقة اللجنة
يعتبر القائمون على لجنة التحفظ على أموال الإخوان، أنها لجنة قضائية، لأن رئيسها هو مساعد وزير العدل، وقاضٍ، وتتعامل بـ"ضمير ومنطق القاضي" حسب تعبير المستشار خميس، لكن المستشار محمد أيوب، الرئيس السابق بمحكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة، يعتبرها لجنة إدارية، قائلا في تصريحات صحافية سابقة: "كان يجب أن يتم تشكيل اللجنة من جميع مديري إدارات التنفيذ بالمحاكم الابتدائية، وليس من عناصر حكومية لا علاقة لها بالتنفيذ كوزارة التضامن الاجتماعى، بالمخالفة للمادة 274 من قانون المرافعات، ما جعل بعضهم يراها لجنة إدارية، وقام بالطعن على قراراتها أمام القضاء الإدارى الذي تعامل معها كذلك".
كانت محكمة القضاء الإداري قد أصدرت حكما في يوينو/حزيران من عام 2014 برفع التحفظ عن 20 مدرسة سبق أن شملهم قرار اللجنة. واعتبرت حيثيات الحكم أن اللجنة إدارية، مشكلة بقرار وزاري ويترأسها مساعد وزير العدل، واعتمدت على تحريات الأمن الوطني، وأن "قرار اللجنة المشار إليها، صنيعة يديها وحدها وإن حاولت ستره خلف حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة على أنه عمل من أعمال تنفيذ الحكم على خلاف الحقيقة".
وقالت المحكمة: إن "اللجنة اغتصبت اختصاص القضاء في هذا الشأن؛ لأنه على فرض أن المدعي ارتكب سلوكًا يشكل جريمة جنائية، فإن ذلك لا يبرر لجهة الإدارة، حرمان المدعي من إدارة أمواله، والتصرف فيها، فالمنع من التصرف أو الإدارة ينبغي أن يصدر من المحكمة الجنائية المختصة، وفقًا للضوابط المقررة بقانون الإجراءات الجنائية".
يشي اعتبار القائمين على اللجنة بأنها قضائية، بأنهم لم يروا أي مشكلة قانونية، في الاعتماد على تحريات الشرطة على أساس أن قضاتها يفصلون في التحريات، كما جعلها تعامل بعض الشركات معاملة خاصة من حيث تغيير مجالس الإدارة استنادا لنفس السبب، دون معايير واضحة أو لائحة تنظم تعامل اللجنة مع الشركات المتحفظ عليها، ما أثر على أدائها، كما يقول محاسب يعمل في أحد فروع الشركة، رفض ذكر اسمه.
يكشف المحاسب في زاد، أن إيراد أحد فروع الشركة الصغيرة، قبل صدور قرار التحفظ، تراوح بين 15 ألف جنيه مصري، إلى 30 ألف جنيه (1900 دولار أميركي إلى 3800 دولار)، في حين لا يتجاوز حاجز ألف جنيه مصري في الوقت الحالي (قرابة 150 دولارا أميركيا).
بسبب تغيير الإدارة في شركة زاد، لم يتمكن عبد الهادي الذي كان متغيبا لظروف شخصية، من العودة إلى عمله، بسبب صرف العديد من الموظفين، إذ لم يعد الفرع الذي كان يعمل به، يشهد إقبالا من المتسوقين، كالسابق، بسبب رداءة البضاعة، وتراجع مستوى الجودة كما يقول، ما جعل أحلامه المستقبلية تنهار مع الشركة.
-------
اقرأ أيضا:
بانتظار المصالحة مع الرئيس المؤمن صدقي صبحي