مصر وتونس... رهانات الدستور والجيش ومعضلة الاستقرار

02 فبراير 2014
+ الخط -
تلقّت دول عربية وغربية تصديق المجلس الوطني التأسيسي في تونس على الدستور الجديد، مطلع الأسبوع الماضي، بترحيب وتفاؤل كبيرين، كخطوة مهمة نحو التحول الديموقراطي. لكن ذلك لم يمنع الكثيرين من توجيه انتقادات وتلميحات تحذّر من أن المرحلة التونسية المقبلة تحمل في طياتها رهانات أصعب بشأن ضمان تحقيق الاستقرار كاستحقاق أهم.

وبينما لا تزال التجربة المصرية تثبت أن الدساتير وحدها لا تؤمّن التوافق، ظلت الشكوك تساور بعض القوى السياسية التونسية بأن صفقات معيّنة عُقدت داخل أروقة المجلس التأسيسي، وساهمت في تأجيل انفجار الأزمة. كل ذلك وسط قناعة خبراء ومراقبون بأن مصر ليست تونس، وأن دوراً "تأزيمياً" للجيش وقوى إقليمية سيكون مستبعداً، ولن يكون أمام الأطراف السياسية التونسية سوى التوافق في نهاية المطاف.

وعندما كان الرؤساء الثلاثة يوقعون في تونس على وثيقة الدستور الجديد (عشرة أبواب و145 فصلا دون احكام انتقالية) صبيحة 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، بعدم تمت المصادقة عليه من قبل المجلس التأسيسي بـ200 صوت من أصل 217، خرجت أصوات من أحزاب المعارضة تشكك في إمكانية ان تجلب هذه الوثيقة حلاً للأزمات العميقة التي لحقت بتونس عقب "ثورة 14 جانفي"، إذ لا تزال قضايا الفقر والفساد ماثلة أمام أعين التونسيين، ومعضلة "الإرهاب" لا تزال مستفحلة.

وفي سياق هذا التخوّف، يرى المعارض، الهاشمي الحامدي، مؤسس "تيار المحبة"، الذي صوّتت كتلته ضد الدستور، أنه "لو عُرض على الشعب للاستفتاء العام لكان سقط". وبحسب القانون التونسي، فإنّ الدستور يُعرض على الاستفتاء العام فقط إذا لم يجتز عتبة ثلثي أصوات المجلس.

حتى في صفوف "الجبهة الشعبية"، التي رأت مكوّناتها الرئيسية أن الدستور الجديد "ضَمِن مروحة واسعة من الحريات"، وأشادت بخطوة "النهضة" في قبول تسويات بشأن حرية الاعتقاد وتجريم التكفير وإطلاق الحريات الفردية، فإنّ هذه المكونات نفسها أشارت إلى أن ذلك لا يعني أن "النهضة غيّرت من سلوكها نحو الرغبة في أسلمة المجتمع".

أما الأمين العام لحزب حركة الشعب، زهير المغزاوي، فاعتبر بدوره أنّ "ما ينقص الدستور الجديد جملة من الحقوق الاجتماعية المتعلّقة بالعمل والصحّة المجانية"، منتقداً قيام الغالبية الحاكمة بإسقاط المادة 27 من مسودة الدستور، وهي التي كانت تفيد بأنّ "كل أشكال التطبيع مع الصهيونية والكيان الصهيوني جريمة يعاقب عليها بقانون".

كما لفت نواب من حزب "الجبهة الشعبية" و"الحزب الديموقراطي التقدمي"، إلى أن الحكومة الجديدة تندرج ضمن صفقة بين ائتلاف الأغلبية الذي تتزعمه "النهضة" الإسلامية، مع "حزب نداء تونس" بزعامة الباجي قائد السبسي، والمحسوب ضمناً على نظام المخلوع زين العابدين بن علي. واتّهم عدد من النواب، "النهضة"، بالموافقة على إبقاء وزير الداخلية لطفي بن جدو في منصبه، كـ"صفقة لإخفاء تورط عناصر من النهضة ومن بينهم الحبيب اللوز في تسليح عناصر من السلفية الجهادية، وتغطية أنشطة حزب التحرير". كلام لا تجد "النهضة" في سبيل الرد عليه، إلا اتهام أحزاب اليسار والعلمانيين بالسعي إلى السيطرة على وزارة الداخلية من أجل تنفيذ انقلاب على "الشرعية الانتخابية".

وألمحت أصوات سياسية أخرى إلى أن "الأزمات التي مرت بها تونس اقتصادياً وأمنياً، ووصلت ذروتها العام الماضي باغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد البراهيمي، ما كان يمكن حلها في ظل سيطرة ائتلاف "الترويكا" (منصف المرزوقي وراشد الغنوشي ومصطفى بن جعفر). وتشير هذه الآراء إلى أن التركيبة الحالية للمجلس التأسيسي والحكومة "كان لا بد من اجتيازها عبر تسويات دستورية وحكومية، والتوجه إلى الشارع التونسي مجدداً عبر الانتخابات".

ويسود مزاج في أوساط المثقفين، كما الطبقات الشعبية، مفاده أن حالة الاحتقان السياسي لن تجلب إلا المزيد من الأزمات، وتتعالى أصوات نقابية في "الاتحاد العام التونسي للشغل"، وفي أوساط القضاء والإعلاميين، بأن فساداً قد ساد في ظل حكومة الوزير الأول علي العريض، بدليل أن جهات عمالية تونسية تطالب بفتح فاتورة حساب بشأن استحقاقات صناعة النفط والفوسفات طيلة السنوات الثلاث الماضية، في ظل رفض "النهضة" لذلك. أكثر من ذلك، تشدّد أوساط تونسية عديدة على أنّ اتهامات كثيرة بالارتباط بنظام بن علي، استُخدمت لمجرّد إرهاب المعارضين.

وعلى الرغم الاختلاف الكبير بين الثورتين التونسية والمصرية، فإنّ المقارنة بينهما لا تزال تثير شهية بعض المتابعين والمراقبين. وعن هذا الموضوع، يقول الخبير القانوني الألماني، لوتز روغلر، إن "التوافق حول الدستور التونسي جاء نتيجة وعي القوى العلمانية والإسلاميين بمخاطر الفشل"، بينما استدعت الحالة المصرية "تدخلاً من الجيش المصري بسبب التشاحن بين القوى السياسية وغياب الحوار، وهو ما تسبب في اقحام قوى إقليمية بالنقاش السياسي المصري، بعكس تونس التي أبقت خلافاتها داخل المجلس التأسيسي، وسعت إلى عدم الزج بالشارع او قوى إقليمية في خلافاتها السياسية" على حد تعبيره.

كلام يفتح الباب بالضرورة أمام الحديث عن دور الجيش المصري تاريخياً، سياسياً واقتصادياً، بعكس تونس التي ارتبطت منذ استقلالها في العام 1956 بحزب "التجمع الدستوري"، وبالمؤسسة المدنية التي ظل الجيش فيها محايداً وبعيداً عن السياسة. ويرى معظم الفرقاء التونسيين أن مؤسسة الأمن وليس الجيش، هي اللاعب الأبرز في البلاد، لكنها ظلت متحفظة لغاية الآن، تاركةً أمام السياسيين الفرصة للتوافق. 

المساهمون