مصر والجزائر صلة قرابة... بدماء حكم العسكر

04 مارس 2020
+ الخط -
مصر والجزائر تعتبران قوتين سياسيتين وعسكريتين وقاطرتين تجران خلفهما باقي الدول العربية والإسلامية، وكلتاهما تمتلك الرغبة في السطوة على المشهد القاري والإقليمي.

تترابطان في الدماء، فقد شاركت مصر في حرب الرمال دفاعاً عن الجزائر ضد المغرب، الذي أراد آنذاك أخذ تراب الجزائر المستقلة حديثاً، والضعيفة عدة وعتاداً.

تتوالى السنوات وتشارك الجزائر مصر في الحرب العربية، مرسلة أبرز أبنائها ومعظم عتادها لنصرة الإخوان ضد العدوان، وكان من بين المشاركين الفريق الراحل أحمد قايد صالح..

أما سياسياً فتكفلت الجزائر بشراء السلاح السوفييتي يومها، واهبة إياه لمصر، بعد أن رفض الاتحاد السوفييتي أن يبيعها الأسلحة نتيجة الضغط الذي مورس عليه من طرف اللوبي الصهيوني.

قصة بمفارقات غريبة تجمع البلدين، فمن قاهرة المعز لراديو صوت العرب الذي كان صوت ثورة الجزائر من القاهرة، وما زال الشعب يتذكر مقولة "هنا صوت الجزائر المستقلة من قلب القاهرة"، وكانت أول جملة سمعناها وهللنا لخروج صداها من بلد كبلدنا قاوم كل أشكال العدوان ليحافظ على أرضه وعرضه ودينه ولغته.


أما في اللغة وقد كنت الآن أخط آخر السطور، في نهاية هذا الحديث، قبل أن أتذكر ما أنا بصدد كتابته.

الآن أعود لصدر المقال، فيليق بما سأقول أن يتوسط السرد، فاللغة التي أحدثكم بها الآن وأكتب بها إليكم لم نكن نحن الجزائريين من متقنيها بحكم الاستعمار الفرنسي، الذي مارس سياسة طمس الهوية لدمج الجزائر بفرنسا، وهو ما فشل فيه كما هو معلوم نتيجة للعمل الذي قامت به الزوايا والمدارس القرآنية وما قام به الإخوان المصرون بعد الاستقلال من إرسال بعثات أساتذة لتدريس الجزائريين.

لكن ما حال الجزائر ومصر اليوم؟
سؤال يطرح فيسيل معه كثير من الحبر وتكتب معه عديد من مقالات الفلسفة والجدل في السياسة والأمن والاقتصاد وعلم الاجتماع.

مصر من الحكم الملكي للحكم العسكري الذي دام لعقود طويلة قبل أن تقوم قائمة شعب ثائر خلع حسني مبارك، وأقام انتخابات، كانت الغلبة فيها لصوت الشعب، صوت لم يدم طويلا، قبل أن يخفت نهائيا بقوة السلاح.

انقلاب عسكري تلته أحداث رابعة فاستشهد العديد وجرح الآلاف وانقاد الناس كرهاً لا طوعاً إلى بيوتهم مخافة تفاقم الأوضاع وإزهاق كم أكبر من الأرواح، فقد كان جيشا لا يرحم وكأنه من بلاد أخرى ومن جنسيات غير التي يحملها المتظاهرون، لقد لعب الجيش المصري آنذاك دور المرتزقة عوض دور حامي المواطن والوطن الموكل إليه.

حكاية تعود بنا لسنوات التسعينيات وأولى حملات التغييرات السياسية التي دخلت العالم العربي من بوابة الجزائر، التي فتحت التعددية الحزبية، مقبلة على ديمقراطية كانت تبدو من النظرة الأولى أنها ستقود البلاد للرسو على شاطئ الدول الديمقراطية الحقيقية، فتأسست الأحزاب وفتح الإعلام العمومي للجميع دون إقصاء ودون مقص رقابة، قبل أن يأتي الحزب الإسلامي -المحظور حاليا في الجزائر- الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت بالانتخابات التشريعية، كما فاز الإخوان بكل شيء في مصر، فما كان للجيش الجزائري إلا التدخل لإيقاف المسار الانتخابي، مدخلاً الجزائر حرباً أهلية ضروساً، نتيجة تطور الصراع بين قيادة الحزب المنحل وقيادة الجيش، ليدفع الشعب ثمن عناد المعسكرين المتصارعين على السلطة في البلاد، فراح من الضحايا قرابة الـ 250 ألف وفقد مثلها أو يزيد.

كان من الممكن اجتناب ما حدث، لكن الجزائري معروف في تكوينه الاجتماعي أنه لا يعود للوراء، فإما يأخذ ما يريد أو ينكسر، وهو ما نشهده حاليا في زماننا الحاضر من تواصل للمظاهرات السلمية التي تدخل عامها الثاني منادية لا للحكم العسكري ونعم للحكم المدني.

حكم عسكري شهدته مصر، فما أخذت شيئا وأعطت الكثير. في مقاربة تاريخية منذ توفي حسني مبارك، فأقيمت له جنازة عسكرية مهيبة، وفي الجزائر توفي القايد صالح فكانت له جنازة عسكرية تشابه جنازة هواري بومدين رحمه الله إلى حد قريب - رغم أن الجزائريين منقسمون فيما بينهم، فهناك من يرى القايد صالح بطلاً وهناك من يراه معطلاً للمطالب الشعبية ومماطلاً.

أما في وفاة الرئيس المدني محمد مرسي رحمه الله فلم يحدث شيء، وعام الجميع في العتمة من إعلام مرئي وسمعي ومقروء وأقلام حرة إلا قليلاً، فما زال العسكر سيد القرار رغم التضحيات الجسام المقدمة في سبيل تمدين البلدان وتطوير السياسات لتتماشى وما يتطلبه العالم اليوم.

وفي الجزائر الأمثلة كثيرة عن رجال دفنوا، منهم قامات عظيمة، ولم نر لجنازتهم فيديو أو وثائقياً ولا حتى احتراماً، ولكم في مصالي الحاج وفرحات عباس عبرة، فالعديد من الجزائريين يجهلون حتى في أي مقبرة قد دفنا، رغم كونهما من عرابي الثورة الجزائرية، وتوفيا بعد الاستقلال بسنين طويلة.

وهنا يظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن الأبطال الحقيقيين يوارون الثرى في غير علم، حتى لا يصنع منهم العامة قدوة، في حين تصدح الحناجر بأسماء بعض من خان الشعب والوطن والأمانة حتى يزين للعامة أن ما كان مقدماً عليه هذا الشخص هو الحكمة بعينها، رغم أن العاقل يدرك أنها الخيانة في أبهى حللها.

يطول الحديث وتكثر الأمثلة عن الماضي والحاضر المتشابهين لحد بعيد، بين مصر والجزائر، عن قساوة المعيشة ولؤم الظروف، عن معاناة الشعوب وترف الحاكم. فيحز في نفس القاطن في هذين البلدين ما آلا إليه، رغم ما يزخران به من موارد باطنية وبشرية، ولو استثمر البشر في عقول البشر لكان حال الجزائر ومصر مغايراً للذي هما عليه اليوم، لكن شاءت الأقدار أن تعيش الشعوب الظلم والذل والهوان..

شاءت الأقدار أن تنتهي كل صحوة بغفوة، وكل انتصار بخيبة وكل إقلاع بارتطام وكل ركضة بكبوة، لكن لا يمكن لأي قوة فوق الأرض أن تقف في وجه فكرة حان وقتها. إن حبل الكذب قصير، وما طال يوماً، ولو طال! وإن الحقيقة لآتية ولو بعد حين.

فعندما تركب الكذبة المصعد تأخذ الحقيقة السلالم، لكنها تنتهي بالوصول. سيستفيق الشعب وتنقلب الآية وينتصر الحق على الباطل. فمن ثار أمس ضد أمم، سيثور اليوم ضد بقايا قمم.