لكن السؤال المطروح الآن: هل تفتح أحكام البراءة للنظام السابق ورموزه الفاسدين الباب أمام توحد الصف الثوري من جديد؟ أم أن مصر ستواجه سيناريو آخر يتمثل في يأس المصريين من إنصاف القضاء، وتوجههم إلى القصاص بأنفسهم من قتلة أبنائهم؟
في البداية يقول مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد لـ"العربي الجديد"، يجب أن نحدد في الأساس مفهوم كلمة "توحّد"، فكل الأطراف السياسية الموجودة في الشارع الآن لها أهداف مختلفة عن الأخرى. ولا يعني أن يكون خصمنا واحدا وهو مبارك ونظامه أن أهدافنا مشتركة، فجماعة الإخوان المسلمين تنادي بعودة الرئيس الأسبق محمد مرسي وترغب في تأسيس دولة دينية، وبعض القوى السياسية لا تمانع في تأسيس دولة مدنية بخلفية عسكرية يحكمها الجيش من وراء الستار، وكلاهما مرفوض، فلا أمان للعسكر، ولم تعد هناك ثقة بالإخوان، على حد قوله.
ويضيف عيد، أما إن توحدت المطالب على تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية، فحينها يمكن أن يجتمع شمل الأطراف المعارضة للحكم العسكري ولنظام مبارك من جديد. ويشير إلى أن الجهة التي تحقق تلك الأهداف في الوقت الحالي هي "جبهة طريق الثورة"، والتي لا تزال تطالب بنفس مطالب ثورة 25 يناير "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية".
فيما يقول أمين شباب "الحرية والعدالة" في الجيزة علي خفاجي لـ"العربي الجديد": إن ما حدث من حكم ببراءة مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي من التهم الموجهة لهم، يمثل أرضا خصبة يمكن
العمل عليها من أجل توحيد صف المصريين المعارضين لنظام مبارك، في حال أرادت القوى الثورية التعاون مع شباب الإخوان والنزول في الميادين بشعارات موحدة مثل "يسقط يسقط حكم العسكر"، و"الشعب يريد إسقاط النظام".
لكنه أشار إلى أنه لا مؤشرات في الأفق تدل على حدوث توافق قريب، لأن هناك فجوة كبيرة بين الطرفين ولا تزال لغة الفرقة منتشرة، وخطابات التخوين بين الطرفين، وعبارات مثل "الإخوان باعونا في محمد محمود"، و"شباب الثورة باعونا في رابعة العدوية" لا تزال موجودة.
وأضاف خفاجي، أنه لكي يكون هناك وحدة لا بد وأن تختفي تلك الأصوات، ويظهر صوت العقلاء من الطرفين، ليجدوا أرضية مشتركة بين شباب الإخوان الذي كان ولا يزال يشارك في التظاهرات منذ 17 شهرا، وبين الشباب الثوري الذي ينادي بسقوط حكم العسكر، فالأمر في النهاية يتوقف على إرادة الطرفين.
ومن منظور إيجابي يرى خفاجي أنه حتى وإن لم يحدث اتفاق بين الطرفين، سيظل شباب جماعة الإخوان في الشارع ينددون بالانقلاب العسكري، وكذلك شباب القوى السياسية الأخرى يطالبون برحيل النظام، وهو أمر يصب في اتجاه واحد وهو إسقاط النظام وإن اختلفت التوجهات السياسية.
غياب السلمية عن المشهد المصري
ومع حالة الصدمة التي أصابت الكثير من المصريين، ممن كانوا يحلمون بوطن أكثر عدلا بعد الحكم ببراءة مبارك، ظهرت بعض الأصوات بين الشباب تدعو إلى التخلي عن سلمية الثورة المصرية، والانتقال إلى مرحلة المواجهة المسلحة مع الدولة لانتزاع الحقوق المسلوبة التي لم يردها القانون إلى أصحابها.
"براءة نظام مبارك قد تفتح المجال لأن يقتص المصريون لأنفسهم من القتلة والناس ستأخذ حقها بأيديها"، هكذا قال أمين شباب الحرية والعدالة علي خفاجي، مضيفا أن الشباب الذي يعرف من قتل المتظاهرين خلال ثورة يناير ومن المسؤول عن قتل 1500 إنسان في مذبحتي رابعة العدوية والنهضة، سيرى أن ثورته السلمية لم تأت بنتيجة، فكل المدانين خارج السجون الآن، في الوقت الذي يتم فيه تجريم من يخرج للتظاهر والتعبير عن رأيه بالسجن 15 عاما، وتجريم من يملك دبوسا عليه علامة رابعة بالسجن 17 عاما.
من ناحيته يأمل جمال عيد الناشط الحقوقي ألا يحدث حراك مسلح بعد الحكم ببراءة حسني مبارك، رغم أن هذا الحل قد يكون واردا لدى بعض الشباب ممن فقدوا زملاءهم أو من ذوي شهداء الثورة، الذين قد يدافعون عن حقوقهم بأيديهم بعد غياب القصاص لدماء أبنائهم، موضحا أن الحل لن يكون من خلال مواجهة مسلحة مع الدولة، ولكن من خلال الوسائل القانونية والقنوات المشروعة كالتظاهر والاستمرار في المطالبة بمحاكمة الفاسدين والمتورطين بقتل شباب الثورة.
طلاب الجامعات
ومنذ النطق بحكم البراءة خرج طلاب الجامعات في مدن مصر المختلفة وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية، للتظاهر ضد عودة نظام مبارك وضد الانقلاب العسكري، وقبلها بأكثر من عام كان طلبة الجامعة هم المحرك للشارع المصري بتظاهراتهم التي خسروا فيها كثيرا بين شهيد ومعتقل ومفصول من الجامعة.
ويرى نائب رئيس اتحاد طلاب مصر، أحمد البقري، أن حمل السلاح أمر غير وارد، فطلبة الجامعات سيلتزمون السلمية دائما في مواجهة قوات الأمن وقمع النظام الحاكم، لكن غضب الشباب، بحسب رأيه، سيزيد. متوقعا نزول المصريين في جمعة غضب ثانية كالتي حدثت في 28 يناير 2011 وأدت إلى انكسار وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية.
وأضاف البقري أن حكم البراءة سيوحّد الصف الثوري من جديد تحت شعار واحد "الشعب يريد إسقاط النظام"، وأن براءة مبارك جاءت في وقت يحتاجه الثوار حتى يجتمعوا من جديد، مضيفا أن القضاء المصري لم يكن يجرؤ على ما فعله ويفعله كل يومٍ لولا ثقته بوجود الحامي في ظل الحكم العسكري الذي جيَّش الجيوش واحتل الميادين وترك الحدود استعداداً لهذا الحكم الجائر.
مؤكدا: الحراك الثوري مستمر والشباب الذي سُرق حلمه سيسترده مرة أخرى، وستصبح مصر دولة ديمقراطية حديثة، قانونها العدالة الاجتماعية بين كل الفئات.