انتهت، مساء أمس، المهلة التي فرضتها الحكومة المصرية، على منظمات المجتمع المدني في مصر، لتوفيق أوضاعها، وتسجيل أوراقها طبقاً لقانون 82 لسنة 2002 الذي أعدته وزارة التضامن الاجتماعي المصرية.
وكانت الحكومة المصرية، قد حددت العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني موعداً نهائيّاً لتسجيل جميع المنظمات غير الحكومية، بموجب قانون "شديد التقييد" بحسب المنظمات، يرجع إلى عام 2002، أو مواجهة اتهامات جنائية.
كما عدّل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قانون العقوبات بمرسوم صادر في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، يغلظ العقوبة على تلقي تمويل أجنبي بقصد "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية" إلى السجن المؤبد وغرامة قدرها 500 ألف جنيه مصري (70 ألف دولار أميركي)، واحتمال الإعدام إذا كان متلقي التمويل موظفاً عاماً.
وفيما التزمت منظمات المجتمع المصري الصمت حيال انتهاء المهلة، غير مبالين بالإجراءات التي تتحرك فيها الحكومة المصرية، في "حملتها الشرسة ضدهم"، على حد تعبيرهم.
وحدها خرجت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومديرها، حافظ أبو سعدة، الذي هو أيضاً عضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان الحكومي، في بيان صادر عن منظمته يطالب الحكومة المصرية بمدّ المهلة التي أقرتها.
وقال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان "الحكومي" في بيانه: "إن صدور قرار على هذا النحو يعني إهداراً للحق في التجمع السلمي، وبالتالي لا بد من الانتظار حتى يتمّ سن قانون جديد للجمعيات الأهلية، يكون بديلاً من القانون رقم 84، ولا سيما أنه قد تم تشكيل لجنة للعمل الأهلي من وزير التضامن الأسبق، والتي أسفرت عن طرح مشروع قانون جديد، وتم الحوار المجتمعي على هذا القانون من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وحصل مشروع القانون على توافق العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، ومندهشاً حول المانع من سن هذا القانون في البداية، ثم يلي ذلك بالتبعية توفيق أوضاع المؤسسات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان وفقاً للقانون الجديد وإعطاؤها مهلة محددة بالقانون لتوفيق أوضاعها".
إدانات دولية
وكانت كل من منظمتي هيومان رايتس ووتش والشفافية الدولية، قد أدانتا قرار الحكومة بإعطاء مهلة للمنظمات لتوفيق أوضاعها، وانتقدت الشفافية الدولية في بيانها، صدر الأحد الماضي "القيود التي تفرضها السلطات المصرية على المجتمع المدني في البلاد"، مضيفة "تنتهي غداً المهلة النهائية المعطاة لمنظمات المجتمع المدني، لكي تُسجل بموجب قانون الجمعيات لسنة 2002، وهو القانون الذي يمنح الحكومة سلطة منع التمويل الوارد من الخارج وتجميد الأصول، بل وحتى إغلاق المنظمات التي لا تُسجل"، داعية الحكومة المصرية إلى "إلغاء الموعد النهائي والالتزام بالمبادئ الدولية المعتمدة الخاصة بحرية تكوين الجمعيات، فيما يتعلق بإصدار أي قوانين للمجتمع المدني".
العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، كانت قد أغلقت مكاتبها وجمدت أنشطتها على خلفية "هذه الحملة القمعية ضد منظمات المجتمع المدني في مصر"، بسحب ما قالته المنظمات، مثل المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، التي أعلنت تجميد نشاطها بسبب التضييق على المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وكذلك مركز كارتر لمراقبة الديمقراطية الذي أعلن إغلاق مكتبه في مصر لأن البيئة الحالية في مصر لا تساعد على تنمية المشاركة المدنية الديمقراطية.
الوزيرة تهدد
فيما خرجت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، غادة الولي، أمس الاثنين، بتصريحات صحافية، قالت فيها: إن 9 منظمات مجتمع مدني أجنبية و8 مصرية، تقدموا إلى الوزارة لتوفيق أوضاعهم مع انتهاء المهلة التي تم تحديدها، وأن الوزارة لا تنتوي المدّ لمنظمات المجتمع المدني مرة أخرى، وأنه جارٍ حصر عدد المنظمات التي لم توفق أوضاعها حتى الآن والتعامل مع كل حالة وفقاً لظروفها.
مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، كان قد حاول تسجيل نفسه منذ عام 2003 وفقاً للقانون الحالي، وذلك بتسجيل مؤسسة جديدة باسم "الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب"، لكن وزارة التضامن رفضت تسجيلها، فلجأ المركز إلى القضاء، وما زالت القضية منظورة.
ورفض مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان التسجيل بموجب القانون. وأعلنت الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان أنها ترفض القانون لأنه يعطي صلاحيات واسعة للجهات الإدارية للتدخل في إدارة المنظمات، ورأى مركز هشام مبارك للقانون أن القانون لا يتيح حق التنظيم، ويتحكم في مصادر الدخل والأنشطة.
يذكر أن بعض منظمات المجتمع المدني في مصر، قد بادرت باتخاذ خطوات احترازية، مثل تخفيض أعداد العاملين فيها أو منحهم إجازة، إلى حين تسلمهم مخاطبة وزارة التضامن الاجتماعي بشكل رسمي.
فيما أصر البعض الآخر على مواصلة عمله بشكل طبيعي دون اكتراث بما تروجه الوزارة من مخاوف في شأن الإجراءات التي من المقرر اتخاذها، معلنين رفضهم القاطع للقانون، والبعض الآخر آثر تسجيل منظمته وفقاً للقانون الجديد، بل بدأ في إصدار بيانات له تحمل الرقم المشهر به في الوزارة.