مصر: كواليس وأسرار تقارير أمنية ومخابراتية لاختيار رؤساء للهيئات القضائية

06 يوليو 2017
التعديلات منحت السيسي صلاحيات الاختيار (محمد جميل/ الأناضول)
+ الخط -
كشفت مصادر قضائية بارزة في تصريحات، لـ "العربي الجديد"، عن كواليس وتفاصيل اختيار أول رؤساء للهيئات القضائية المصرية في ظل تفعيل التعديلات الجديدة على قانون السلطة القضائية، التي منحت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صلاحيات الاختيار، بدلا من مبدأ الأقدمية المطلقة الذي كان مطبقاً.



البداية عند محكمة النقض، والتي يتولى رئيسها بالتبعية رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وكان من المفترض وفقا لمبدأ الأقدمية المطلقة، قبل إجراء التعديلات الجديدة على قانون السلطة القضائية، أن يتولى أقدم نواب رئيس محكمة النقض، المستشار أنس عمارة رئاستها.


وبالفعل جاءت التقارير الأمنية الأولية التي تسلمتها رئاسة الجمهورية، لتؤكد عدم وجود مانع أمني لتولي عمارة رئاسة محكمة النقض و"الأعلى للقضاء"، بل وبدأت الترتيبات الأمنية لذلك، بعد إخطاره بوقوع الاختيار عليه بشكل مبدئي، حتى أنه صدرت تعليمات بتكثيف الحراسة الأمنية الخاصة عليه، بل ورفع درجتها لتكون على درجة الحراسة المخصصة للمنصب الجديد.


كما تم إجراء عدة ترتيبات أمنية، أبرزها هدم سور "الفيلا" الخاص به، التي يقيم بها في أحد المجمعات الشهيرة بالقاهرة الجديدة، وبناء سور آخر ضخم مزود بكاميرات مراقبة أمنية ومنظومة أمنية أكثر حداثة من التي كانت متواجدة، وتكثيف الحراسة الأمنية عليه.


المصادر أكدت أنه قبل اعتماد القرار بشكل رسمي من قبل رئاسة الجمهورية، واختيار عمارة رئيسا لمحكمة النقض، بأيام قليلة، ورد تقرير من جهة سيادية (المخابرات الحربية) يشير إلى ضرورة استبعاده، وتجاوز الأقدمية، واختيار من يليه.


وجاء تبرير ذلك لكون عمارة هو أحد أعضاء "تيار استقلال القضاة"، وخشية من تكرار تجربة تولي المستشار حسام الغرياني رئاسة محكمة النقض، كما حدث عقب ثورة 25 يناير، خاصة وأن الاثنين - الغرياني وعمارة - تربطهما علاقة عمل سابقة في إحدى دوائر محكمة النقض، وصداقة، ومن ذات التيار - استقلال القضاة - الذي خرجت منه حركة "قضاة من أجل مصر"، التي تم عزل أعضائها من القضاء بدعوى ممارسة السياسة ومناصرة فصيل سياسي معين، كان حينها هو جماعة الإخوان المسلمين، وإعلان رفضهم الانقلاب على شرعية الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي.


ومن ثم أخذت رئاسة الجمهورية بتقرير الجهة السيادية، رغم التقارير الأمنية التي أكدت عدم انتماء عمارة لجماعة الإخوان، أو المشاركة معهم في أي محافل سياسية، وقررت تخطي أقدميته وتعيين المستشار، مجدي أبو العلا، اللاحق له في الأقدمية، بدلا منه، رئيسا لمحكمة النقض.



أما المستشار، مجدي أبو العلا، نائب رئيس محكمة النقض الذي تولى رئاستها بدءا من السبت الماضي، ويستمر فيها لمدة سنتين، وهو ثاني الاختيارات في الأقدمية، الذي وقع الاختيار عليه، فمعروف عنه إصداره أحكامه النهائية الشديدة في القضايا المتعلقة بجماعة الإخوان ورافضي الانقلاب العسكري، حيث أيد أغلب هذه القضايا.


وكان أبو العلا قد أصدر عدة أحكام نهائية وباتة في هذه القضايا، كان آخرها الشهر الماضي، بتأييد حكم إعدام 6 شباب من طلبة كليات الطب والصيدلة والهندسة، ليكون حكماً نهائياً باتاً واجب النفاذ، وذلك على خلفية اتهامهم باغتيال رقيب شرطة من القوة المكلفة بتأمين منزل المستشار، حسين قنديل، عضو اليمين في محاكمة الرئيس، محمد مرسي، بقضية أحداث الاتحادية، التي حكم فيها على مرسي بالسجن 20 سنة.


وسبق له في 4 مايو/ أيار 2016 أن أصدر حكماً نهائياً باتاً، بإلغاء حكم إدانة رئيس الوزراء الأسبق، أحمد نظيف، بالسجن 5 سنوات بقضية الكسب غير المشروع، وبراءته من التهم المسندة إليه.


وقد جاءت التقارير الأمنية جميعها لتخلو من أي موانع أمنية لاختيار أبو العلا المرشح الثاني، ليكون الرجل الأول لمحكمة النقض و"الأعلى للقضاء"، وكان هناك إجماع عليه رغم أن المرشح الثالث كان المستشار إبراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية الأسبق، ومقرب من دوائر اتخاذ القرار.


إلا أن المشاورات وتقارير الجهات الأمنية ودوائر اتخاذ القرار وجدت أن تجاوز أبو العلا قد يثير غضب القضاة واحتقانهم تجاه تعديلات قانون السلطة القضائية، وهي الحالة المتواجدة بالفعل، خاصة في ظل عدم وجود سبب أمني لاستبعاده، وليظهر الأمر بأن الاستبعاد يكون فقط بسبب البعد الأمني.


أما بالنسبة لهيئة قضايا الدولة، فقد تم تجاوز أقدمية المرشح الأول، المستشار محمد ماضي، والمرشح الثاني، المستشار منير مصطفى، واختيار المرشح الثالث، المستشار حسين خليل، ليتولى منصب رئيس الهيئة.


وعقب تولي خليل منصبه واختياره بشكل رسمي، أقامت قبائل السودان والنوبة وأسوان، احتفاليات بمناسبة توليه المنصب، وهنأته الصفحات الخاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وذلك لكون خليل هو "ابن النوبة" وله أصول سودانية، ومن عائلة مقربة لعائلة وزير الدفاع الأسبق، المشير محمد حسين طنطاوي، وبينهما مصاهرة.


أما عن استبعاد المرشح الأول المستشار محمد ماضي، فجاء بدعوى أنه كان عضوا في الهيئة الاستشارية القانونية التي شكلها الرئيس مرسي، في 5 مايو/ أيار 2013 لتتولى دراسة المسائل القانونية والدستورية، التي يختص بها رئيس الجمهورية، وهي الهيئة التي كانت تضم 16 عضواً، وكان يترأسها وقتها المستشار محمد مسعود الرئيس الحالي لمجلس الدولة، وجاء الرجل الثاني مباشرة في الهيئة هو المستشار محمد ماضي، المرشح الأول الذي استبعد لهذا السبب بناء على التقارير الأمنية التي تلقتها الرئاسة، وأدت إلى اتخاذ هذا القرار "درءا للشبهات"، على حد ادعائها، خاصة بعد أن كانت هناك لقاءات جمعت وقتها بين مرسي وأعضاء الهيئة.


وعن استبعاد المرشح الثاني، المستشار منير مصطفى، فكان بدعوى زواجه من سيدة أجنبية، وأشارت التقارير الأمنية – بحسب المصادر – إلى أن زوجته الأجنبية هذه لها أنشطة ومشاركات في بلدها، وأنه سبق أن سافر معها مرات عديدة هناك، ومن ثم وقع الاختيار على المرشح الثالث، "ابن النوبة".


أما بالنسبة لهيئة النيابة الإدارية، فلم يتم تجاوز الأقدمية فيها، حيث وقع الاختيار على المرشحة الأولى والأقدم بين نواب رئيس الهيئة، وهي المستشارة، رشيدة فتح الله، حيث جاءت التقارير الأمنية لتؤكد عدم وجود أي مانع أمني من توليها رئاسة الهيئة، وعدم مشاركتها في أي أحداث وليست لها اتجاهات سياسية مؤيدة أو معارضة، وذلك رغم أنها ستحال للتقاعد خلال شهرين فقط من الآن.