يتخوّف المرشحون المحتملون لانتخابات الرئاسة المصرية من انحياز مؤسسات الدولة على اختلافها، للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قرر الترشح لفترة رئاسية ثانية. واستغل السيسي مؤسسات الدولة، وعقد مؤتمراً لمدة 3 أيام، من أجل استعراض ما اعتبره "إنجازات" نفذها خلال السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية منذ وصوله إلى الحكم في عام 2014، بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي.
وخلّف المؤتمر انتقادات واسعة لناحية استغلال السيسي أجهزة الدولة في الترويج له بشكل فجّ، بالشكل الذي يعطي انطباعاً للشعب بتأييد واسع له ودعم مؤسسات الدولة، بحسب مراقبين. وهذه الصورة، التي تصدرت كل وسائل الإعلام الموالية للنظام، دفعت للتساؤل حول حيادية مؤسسات الدولة حيال المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية، في ظل أحاديث عن ضرورة وجود ضمانات حقيقية للحياد والنزاهة، كما دفعت بعدد من القوى المعارضة للسيسي للمطالبة بضرورة اتخاذ خطوات باتجاه الضغط لإعلان ضمانات حقيقية للانتخابات الرئاسية، وأهمها الإشراف الدولي.
وقبل أيام، طالب رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، علاء عابد، باستبعاد المنظمات المشبوهة من مراقبة الانتخابات الرئاسية. وقال عابد، وهو ضابط شرطة سابق متهم في قضايا تعذيب، في تصريحات صحافية، إن "على الجميع أن يعلم أن عصر التزوير عفا عليه الزمن، بقيام الثورة، ولكن وجود هذه المنظمات المشبوهة في انتخابات الرئاسة سيؤدي إلى إصدار تقارير مغلوطة، تدين الحكومة والمواطنين والمرشحين". وأثارت تصريحات رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية حالة من اللغط داخل الأوساط السياسية، لناحية استبعاد النظام عدداً من المنظمات، بدعوى أنها "مشبوهة"، والاعتماد على منظمات مصرية تحت سيطرة الأجهزة الأمنية للتحكم في التقارير الخاصة بالعملية الانتخابية.
وقالت مصادر مقربة من المرشح الرئاسي رئيس أركان الجيش السابق، سامي عنان، إن معركة الضمانات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، مؤجلة حتى الآن، إلى حين استكمال التوكيلات الشعبية اللازمة لتقديم أوراق ترشحه. وأضافت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الأهم خلال الأيام القليلة الماضية، استكمال التوكيلات فضلًا عن استيفاء كل الاشتراطات القانونية، ومن ثم يبدأ الحديث عن الضمانات الانتخابية. وتابعت أن عنان تطرق في إعلان ترشحه لأحد أهم ضمانات العملية الانتخابية، وهو حيادية كل مؤسسات الدولة على اختلافها خلال فترة الانتخابات، وعدم الانحياز إلى أي مرشح. ولفتت إلى أن المؤسسة العسكرية تحديداً يجب ألا تكون مع طرف على حساب آخر، لأن السيسي وعنان من أبناء تلك المؤسسة، وهذا الأمر سيتضح خلال الفترة المقبلة. وأشارت المصادر إلى أن المستشار هشام جنينة سيكون له دور كبير في مسألة الضمانات الانتخابية، وسيتحرك في هذا الملف، ولكن عقب استكمال كل التوكيلات. وأكدت أن عملية جمع التوكيلات تسير بشكل جيد للغاية، خصوصاً بعد إعلان عنان ترشحه رسمياً، وهو ما شجع كثيرين على تأييده بعد اتخاذه موقفاً محدداً.
من جانبها، قالت عضو حملة المرشح الرئاسي خالد علي، هالة فودة، إن ضمانات انتخابات الرئاسة أمر ضروري ومُلحّ، ولا غنى عنه في كل مراحل العملية الانتخابية. وأضافت فودة، في تصريحات خاصة، إن حملة خالد علي لن تتراجع عن ضمانات الانتخابات الرئاسية، لأنها أساس وصلب العملية الانتخابية، وهي ليست مطلب خالد علي فقط، ولكن كل القوى السياسية والوطنية. وتابعت أن الهدف من هذه الضمانات هو التأكد من عدم انحياز مؤسسات الدولة والوزارات للسيسي، لتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين كل المرشحين. وحدد خالد علي عدة ضمانات أساسية للانتخابات الرئاسية، وهي فتح المجال العام لكافة المصريين للتعبير عن إرادتهم باختيار حاكمهم ومحاسبته، وحرية الصحافة والتعبير، وإنهاء حالة الطوارئ منذ الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات. وكان طالب الهيئة الوطنية للانتخابات بالتدخل لوقف الدعاية الصريحة والمباشرة للسيسي، والتي تطالبه بالترشح للانتخابات مرة ثانية. من جانبه، وجّه المحامي الحقوقي، جمال عيد، انتقادات إلى عابد لترويجه لمسألة التحكم بالمنظمات التي تراقب الانتخابات الرئاسية، ما يعني أن ثمة توجهاً للتضييق على أعمال منظمات المجتمع المدني. ولم يستبعد عيد أن يتم إقصاء عدد كبير من المنظمات التي تتقدم للحصول على تراخيص لمراقبة الانتخابات في جميع مراحلها، بدعوى أن بعضها "مشبوه" مثلما قال عابد. واعتبر أن المناخ الحالي في مصر لا يصلح لعمل ديمقراطي حقيقي، وبالتالي فإن اختيار المنظمات التي تراقب سيكون بمعرفة جهات في الدولة.
وتسبب إعلان عنان ترشحه للانتخابات الرئاسية في حالة من الارتباك داخل أروقة النظام. واختار عنان رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، نائباً له لشؤون حقوق الإنسان والشفافية وتطبيق الدستور، وأستاذ العلوم السياسية، الدكتور حازم حسني، نائباً له لشؤون التمكين السياسي ومتحدثاً باسمه. وقالت مصادر مقربة من دوائر اتخاذ القرار إن ترشح عنان للانتخابات أثار حالة من الارتباك داخل مؤسسة الرئاسة وأجهزة الدولة المختلفة، وصلت إلى حد ارتباك كثير من الشخصيات القريبة من مؤسسة الرئاسة. وأضافت المصادر أن حالة القلق بدت واضحة على قيادات في جهات سيادية، على الرغم من أن هذه الخطوة لم تكن مفاجِئة لهم، أو على الأقل لم يحسبوا أن عنان جاد في عملية الترشح. واعتبرت أن السيسي بات في مأزق حقيقي الآن، خصوصاً أن عنان كان رئيساً للأركان، وتحدث بشكل واضح وصريح عن دعم مؤسسات الدولة المختلفة للرئيس الحالي. ولفتت إلى أن "الكتائب الإلكترونية"، التابعة للسيسي، بدأت بالترويج لعدم قدرة عنان على الترشح للرئاسة من دون موافقة المؤسسة العسكرية، كرد فعل أوّلي على خطوة الترشح. وأكدت أن عنان تلقى اتصالات منذ بداية طرح اسمه للترشح للرئاسة، لإثنائه عن الترشح لمنافسة السيسي، وكان أقرب لاتخاذ موقف مؤيد لعدم الترشح.
واعتبرت أن خطوة اختيار عنان لجنينة وحسني في حملته الرئاسية أربكت الحسابات أكثر وأكثر، خصوصاً أنهما شخصيتان لديهما قبول في الأوساط السياسية والشبابية، مع إمكانية أن يكونا جسراً لتواصل عنان مع كل أطراف المعارضة. وحول ما إذا كان ترشح عنان بشكل رسمي يعد احتمالاً ضعيفاً، وسط تروّيج "الكتائب الإلكترونية" لعدم ترشحه إلا بموافقة وزير الدفاع الحالي الفريق أول، صدقي صبحي، أشارت المصادر إلى أن رفض المؤسسة العسكرية لترشح عنان ليست مسألة بسيطة، إذ إنها ستظهر وكأنها تنحاز إلى طرف في الانتخابات، وهو السيسي، وهذا الأمر سيدخل الجيش في أزمة كبيرة.
وبغض النظر عن موافقة المؤسسة العسكرية من عدمها، فإن القلق والخوف من ترشح عنان، يعكس الضعف الذي بات عليه السيسي حالياً، وعدم ثقته بتحقيق الفوز في الانتخابات. ولا يمكن في هذا الإطار، تجاهُل إقالة السيسي لرئيس جهاز الاستخبارات، خالد فوزي، من منصبه، قبل يومين، وتكليف مدير مكتبه عباس كامل بإدارة الاستخبارات لحين اختيار رئيس جديد، وما تردد حول أن أحد أسباب هذه الإقالة هو تواصل عدد من وكلاء الجهاز مع عنان ودعم ترشحه. والارتباك الذي خيّم على النظام كان واضحاً داخل وسائل الإعلام القريبة منه، لناحية عدم وجود تعليمات محددة حول كيفية التعامل مع ترشح عنان، وذلك حتى ظهر أول من أمس، أي بعد ساعات على إعلان ترشحه. وقالت مصادر إعلامية إن تعليمات صدرت بضرورة تشويه صورة عنان، لناحية إمكانية دعمه من قبل جماعة الإخوان المسلمين، من دون توجيه سهام الهجوم لشخصه، خصوصاً مع الرغبة في إظهار وجود حياد مع كل المرشحين في الانتخابات.