مصر: ذكرى ثورة يناير تربك النظام أمنياً وسياسياً

29 يناير 2015
تحاصر التحرّكات الشعبية الأخيرة النظام (أحمد اسماعيل/الأناضول)
+ الخط -

يعيش النظام المصري الحالي، حالة من الارتباك والخلل وعدم التوازن، على خلفيّة الحراك الذي شهدته البلاد على مدار الأيام القليلة الماضية، في إطار إحياء فعاليات ذكرى ثورة 25 يناير الرابعة. وتمثّل الارتباك على المستويين الأمني والسياسي، مع تكرار حوادث تفجير واستهداف نقاط للشرطة، فضلاً عن إحداث مزيد من الشروخ بين النظام ومؤيديه من بعض الأحزاب، على خلفية مقتل الناشطة اليسارية شيماء الصباغ، عشية ذكرى الثورة، على مشارف ميدان التحرير.
وعلى الصعيد الأمني، تسبّبت التظاهرات الحاشدة التي انطلقت مع ذكرى الثورة الرابعة في إرباك الأجهزة الأمنية. وبدا للمدقّق في سير التظاهرات والفعاليات الرافضة والمعارضة للنظام الحالي، عدم قدرة أجهزة الأمن وقوات الأمن المركزي السيطرة على الفعاليات وفضّها فور انطلاقها، كما جرت العادة خلال التظاهرات التي اندلعت فور الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي من الحكم.

ويبدو أنّ قوات الأمن فقدت قدرتها على السيطرة على الاشتباكات مع المتظاهرين، على الرغم من استخدام وزارة الداخليّة الأساليب القمعية ذاتها لوأد الحراك الثوري. ولم تتوان أجهزة الأمن عن استخدام الرصاص الحي والخرطوش بكثافة شديدة على مدار اليومين الماضيين، في محاولة للسيطرة على التظاهرات، لكنّ جميع محاولاتها باءت بالفشل، على الرغم من سقوط نحو 30 قتيلاً في صفوف المتظاهرين. واستهدف مجهولون، أطلقوا على أنفسهم اسم "العقاب الثوري" أو "المقاومة الشعبية"، سيارات للشرطة ومراكز تابعة لهم، فضلاً عن مؤسّسات حكوميّة، على مدار يومين، عدا عن مشاركتهم في التصدي لقوات الأمن التي تعتدي على التظاهرات. ودعت هذه الحركات الشعب المصري إلى "الحذر"، نظراً لأنّها ستبدأ "عملية التحرير من العسكر".

وتترجم تصريحات المتحدث الإعلامي باسم وزارة الداخلية، اللواء هاني عبد اللطيف، خطورة المشهد على الصعيد الأمني وفشل حلول وزارة الداخلية لوقف الحراك الثوري، بإشارته إلى "إن الإرهابيين يحاولون جرّ الشرطة إلى حرب شوارع في العشوائيات"، على حدّ قوله. ولم يتردد في القول لإحدى القنوات المصرية الداعمة للنظام، صباح أمس الأربعاء، إنّ "أحداث الشغب في المطرية لم يقم بها سكانها، وأن المتهمين المقبوض عليهم اعترفوا على آخرين، وسيتم القبض عليهم"، مشيراً إلى "حملات أمنية مكثفة تقوم بها الداخليّة لضبط المسجلين خطراً والإرهابيين، وتتم الآن متابعة المواقع التحريضية، والقبض على من يديرونها بعد إذن النيابة".

ويرى الخبير الأمني، العميد حسن حمودة، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أنّ "الأوضاع الأمنية في مصر الآن متردية لأقصى درجة"، معتبراً أنّ "أجهزة الأمن فشلت في مواجهة الحراك الذي بدأ مع ذكرى الثورة، فضلاً عن عدم القدرة على مواجهة التفجيرات واستهداف النقاط التابعة للشرطة". ويوضح أنّ "العمليات التي تنفذها مجموعات مجهولة، ليست مؤثرة بشكل كبير، لناحية الخسائر البشرية، مقارنة بعمليات تنظيم ولاية سيناء، بيد أنها تربك أي جهاز أمني"، لافتاً إلى أنّ "العمليات العنيفة انتشرت في محافظات عدة وليست قاصرة على القاهرة الكبرى فقط، وهو ما يصعب مواجهتها".

ويؤكّد أنّ "أغلب القائمين على استهداف قوات الشرطة والمقرات الأمنية والكمائن والممتلكات الخاصة للضباط، ليسوا مسجلين لدى الأجهزة الأمنية"، مشيراً إلى أن "أجهزة الأمن باتت متأهبة لأي خبر عن تفجير أو تحرك لوقف تفجير عبوة ناسفة، إضافة إلى مواجهة تظاهرات، وهو يعد استنزافاً لتلك الأجهزة بشكل ملحوظ".
وكان للمشهد السياسي المصري نصيبه من حالة الارتباك التي يمر بها النظام الحالي على مستويات عدة، خصوصاً بعدما صعّدت حادثة قتل أجهزة "الداخلية" لأمينة المرأة في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي "تحت التأسيس"، شيماء الصباغ، خلال تظاهرة، مساء السبت الماضي، في ميدان طلعت حرب على مشارف ميدان التحرير، من حدة الاحتقان ضدّ النظام القائم، من أحد الأجنحة المؤيدة للسيسي.

ولم يأت مقتل الصباغ بمعزل عن حالة الغضب في الأوساط الشبابيّة والثوريّة من سياسات وممارسات النظام الحالي القمعيّة، خصوصاً مع دعوتهم للمشاركة في ذكرى الثورة بشكل كبير. ولعلّ أبرز مظاهر هذا الغضب ورفض النظام الحالي، تمثّل في دعوة حركة "6 أبريل" الثوار للمشاركة في تظاهرات معارضة في ميدان المطرية مساء الأحد، عقب مقتل ما يزيد عن عشرة متظاهرين.
من جهته، يلوّح تحالف التيار الديمقراطي، بعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، والانسحاب من خارطة الطريق، على خلفيّة مقتل الصباغ. ويُعدّ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحد الأحزاب المكونة للتحالف المشار إليه، ولكن الموقف من النظام كان شاملاً ليجمع أحزاب التحالف كافة.

وكان قادة التحالف، قد اجتمعوا عقب مقتل الصباغ، وانتهوا إلى المطالبة بعزل وزير الداخلية الحالي اللواء محمد إبراهيم، والقصاص من قاتلها، وهو أمر لم يجد استجابة لدى النظام الحالي.
وحلّت تصريحات نائب رئيس الجمهورية السابق، الدكتور محمد البرادعي، حول خبايا الفترة الانتقالية، عقب الإطاحة بمرسي، والتي اعتبرها البعض كشفاً للنظام الحالي في ذكرى الثورة، كصاعقة على النظام المصري، الذي أطلق أذرعه الإعلاميّة لمهاجمة البرادعي. وكشف الأخير صراحة عن تورّط الجيش في قتل المتظاهرين على الرغم من تواجد حلول سلميّة سياسيّة كانت في طريق حلّ الأزمة.

ويقول الخبير السياسي، مختار غباشي، لـ "العربي الجديد"، إنّه "لا شكّ بأن مقتل شيماء وتزايد أعداد القتلى خلال التظاهرات، أربك النظام الحالي بشكل كبير، وهو أمر يظهر في تحركات وتصريحات مسؤولين مصريين". ويشير إلى أنّ "النظام بقتل شيماء دفع إلى توحيد المعارضين ضدّه بشكل كبير، حتى إذا لم يكن هناك اتفاق بين التيار الإسلامي وباقي معارضي السيسي، لكنّ جبهة المعارضة تتّسع بشكل كبير".
ولا يستبعد غباشي أن تؤدّي هذه الأزمات، في ظلّ إرباك المشهد السياسي، إلى خلق أزمة للنظام، حال انسحاب بعض الأحزاب من خارطة الطريق. ويؤكد أنّ "ثمّة شعوراً عاماً بعدم تحقيق أهداف الثورة من قبل النظام الحالي، ويواكب ذلك إنهاك الأجهزة الأمنية في حوادث متفرقة في مناطق عدّة"، مشدداً على "إمكانيّة اتساع جبهة المعارضة، ما قد يواجهه النظام الحالي بالرفض خلال الفترة المقبلة، لما يشكله ذلك من خطر عليه".

ويتفق الخبير السياسي أمجد الجباس مع غباشي، بقوله لـ "العربي الجديد"، إنّ "النظام الحالي تلقى خلال الأيام القليلة الماضية ضربات عدّة، يمكن أن تسهم في زعزعة وضعه"، لافتاً إلى أنّ "هذه الضربات أسهمت في توجيه انتقادات دولية لنظام السيسي عقب حوادث قتل المتظاهرين".
ويعرب الجباس عن اعتقاده بأنّ "أصداء تصريحات البرادعي كان لها أثر في التحفظ الدولي تجاه نظام السيسي"، مؤكداً أنّ "الحراك الثوري إذا استمر سيؤدي إلى خسائر كبيرة للنظام، ويمكن في نهاية المطاف إسقاط هذا النظام". ويشير إلى "التحركات النوعيّة لرافضي الانقلاب خلال اليومين الماضيين، والصمود في وجه الآلة الأمنيّة والقمعيّة، رغم سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين والمعتقلين".

المساهمون