مصر: حملة شعبية لتقييد مدة الحبس الاحتياطي

24 فبراير 2020
وقف نزيف الحبس الاحتياطي (Getty)
+ الخط -
"طالبوا بتقييد مدة الحبس الاحتياطي.. طالبوا بتمكين المحبوس احتياطياً من كافة حقوقه القانونية والإنسانية"، بهذا الشعار، أطلقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان- منظمة مجتمع مدني مصرية- حملة توقيعات شعبية لمطالبة السلطات القضائية المصرية بوقف نزيف الحبس الاحتياطي للسجناء السياسيين في مصر.

وأكدت الشبكة، مطالبتها المجلس الأعلى للهيئات القضائية ومجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب المصريين، بأن يتقدموا للمحكمة الدستورية لتفسير المادتين 143 و380 من قانون الإجراءات الجنائية، لوجود تعارض بينهما جعل الحبس الاحتياطي عقوبة.

وقالت الشبكة "الحبس الاحتياطي يقيّد حرية المواطن ويغيّبه عن عمله وأسرته وحياته. ورغم أن الدستور المصري قرر بوضوح أن الحبس الاحتياطي يكون محدد المدة، إلا أن هناك آلاف المواطنين محبوسون احتياطياً منذ سنوات. ليس هذا فحسب، بل إنهم مجردون من أغلب حقوقهم التي قررها لهم المشرّع والقانون".

الحملة انطلقت بدوافع "البرد القارس دون غطاء أو مياه ساخنة، والوحدة والعزلة دون كتاب يُقرأ أو ورقة وقلم، وأحيانا يكون الحبس انفرادياً منعزلاً عن البشر حتى يكاد الكلام أن يُنسى"، لذا انطلقت الحملة لتطالب بـ"تقييد مدة الحبس الاحتياطي وتمكين أي مواطن يطاوله هذا الإجراء البغيض من كل حقوقه الإنسانية، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. فاليوم هم محبوسون لمجرد شبهة، وممنوعون من حقوقهم، وغدا قد يكون أنا أو أنت".

التشريع المصري لم يضع تعريفاً محدداً للحبس الاحتياطي، وإنما اكتفى بإيراد قواعد تعالج موضوع الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية.

وتسير القوانين المصرية على أن مدة الحبس الاحتياطي في أحوال الجنايات يجب ألا تزيد عن سنتين.

ومن جانب آخر، فقد تعددت التعريفات التي تناولت الحبس الاحتياطي في الفقه المصري وفي كتابات الباحثين القانونيين، فهناك من وضع تعريفا للحبس الاحتياطي بأنه "سلب حرية المتهم مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها القانون". كما عرّفه آخرون بأنه "إجراء من إجراءات التحقيق الجنائي يصدر عمن منحه المشرّع هذا الحق، ويتضمن أمراً لمدير السجن بقبول المتهم وحبسه به، ويبقى محبوساً مدة قد تطول أو تقصر حسب ظروف كل دعوى حتى ينتهي إما بالإفراج عن المتهم أثناء التحقيق الابتدائي أو أثناء المحاكمة، وإما بصدور حكم في الدعوى ببراءة المتهم أو بالعقوبة وبدء تنفيذها عليه".

كما تضمنتها التعليمات العامة للنيابات وفي المادة رقم 381، وذلك على النحو التالي "الحبس الاحتياطي إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرّف المحقق، وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد الضحية، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة".

لكن الحبس الاحتياطي تحوّل من أداة من أدوات إجراءات التحقيق، إلى عقوبة في حد ذاته.

وكانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قد رصدت استمرار الحبس على ذمة قضايا أمن دولة خلال عام 2019، تجاوز عددها 1500 قضية، والتي في الغالب لا يتم إحالتها للقضاء، لكن يستمر تجديد الحبس احتياطياً خلال المدة القانونية -عامان- كتقنين للاعتقال السياسي، وفي بعض الحالات تجاوز الحبس الاحتياطي المدة القانونية.

ويقدّر رئيس لجنة حقوق اﻹنسان في مجلس النواب المصري، علاء عابد، عدد المحبوسين احتياطًا في مصر حتى يناير/كانون الثاني 2018 من 25 إلى 30 ألف سجين، من إجمالي عدد السجناء الذي يقارب 65 ألفًا.

وتشير تقارير وإحصاءات المنظمات الحقوقية المصرية والدولية إلى أن حالات الحبس الاحتياطي وصلت إلى عددٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر.

وقد أصبحت مسألة الحبس الاحتياطي "ذات أهمية لخطورته على حرية الأفراد، خاصة بعد إفراط القضاء المصري في استخدام الحبس الاحتياطي من بعد 30 يونيو/حزيران 2013، ليتحول إلى ما يشبه نوعاً من العقوبة"، بحسب بحث صادر عن مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان –منظمة مجتمع مدني مصرية- في يونيو/حزيران 2018.

وبحسب البحث الصادر عن مركز دعم "تغصّ السجون المصرية بالمحبوسين احتياطيا على ذمة تحقيقات أو محاكمات دون صدور أحكام ضدهم، وقد تطول فترة الحبس الاحتياطي إلى سنوات قبل أن يعرض أمر المحبوس أمام قاضٍ موضوعي، على الرغم من أن أقصى مدة حبس احتياطي يسمح بها القانون لغير المحكوم عليهم هي 24 شهرا".

وأشار البحث إلى أن الأصل في الحبس الاحتياطي هو أنه إجراء قانوني تتخذه سلطة التحقيق أو المحكمة المختصة، لضمان التحفظ على المتهم في مكان آمن لحين الفصل في الدعوى والاتهامات المنسوبة إليه من جهة، وضمان عدم العبث بأدلة القضية أو التأثير على شهود الواقعة أو الإضرار بالمجتمع من جهة أخرى.



لكنه أكد أنه في ظل الممارسات الأخيرة "تحوّل الحبس الاحتياطي من إجراء تحفّظي إلى عقوبة سياسية، وهو ما يعكس فشل المؤسسات الأمنية في بناء قضايا تستحق نظرها أمام قاض موضوعي، ويعكس من جانب آخر استسهال انتهاك القانون من دون أي رادع".

وأكد البحث أن الحبس الاحتياطي يعد "أحد أخطر الإجراءات القانونية باعتباره يمس الحرية الشخصية للفرد، وعندما تطرق إليه فقه القضاء وصفه بأنه أبغض الإجراءات القانونية. لأنه إجراء يميل إلى قرينة الإدانة عن البراءة، والأصل في الإنسان البراءة حتى إثبات التهمة".