مصر تُسند منظومة الخبز والتموين للجيش

17 اغسطس 2016
الجيش يزيد نفوذه في الاقتصاد المصري (فرانس برس)
+ الخط -



يتوسع النظام الحاكم في مصر في سياسة "العسكرة"، التي أعاد إحياءها بقوة عقب الانقلاب العسكري، الذي جرى في يوليو/تموز 2013، عبر إسناد مهام ومشروعات مدنية إلى هيئات تابعة للجيش.
وأعلن وزير التموين والتجارة الداخلية في مصر، خالد حنفي، أمس الثلاثاء، انتقال مسؤولية منظومة بطاقات التموين الذكية وبطاقات الخبز من وزارة "التخطيط" إلى "وزارة الإنتاج الحربي"، مبررا القرار، برغبة الحكومة في سرعة استخراج البطاقات التموينية الجديدة.

وقال حنفي، في بيان صحافي عقب لقاء أمس مع وزير التخطيط، أشرف العربي، ووزير الإنتاج الحربي، اللواء محمد العصار: "إن عملية الانتقال هدفها تجويد العمل بالمنظومة ورفع كفاءتها وتوفير الماكينات الخاصة بالمخابز والبقالين الجدد، في إطار التيسير على المواطنين وتحسين جودة البطاقات التموينية".
الاتفاق يتضمن قيام وزارة الإنتاج الحربي بالإشراف الكامل على إدارة وتطوير منظومة البطاقات التموينية وبطاقات الخبز، وحماية البيانات الخاصة بالمنظومة ومتابعة أدائها ورصد أية اختراقات تحدث والتغلب عليها.

وسبق أن اعترف وزير التموين بأن منظومة الخبز كاملة تفتقر إلى الحوكمة، وتحتاج إلى هيكلة واضحة، نظراً لاستشراء الفساد، مشيراً إلى أنه من غير المنطقي أن يحتوي برنامج الحكومة على 83 مليون مستفيد من نقاط الخبز، مما يظهر أن الأرقام "غير مدققة"، وتتسبب في إهدار مليارات من الجنيهات.
ويشهد الملف الغذائي أزمات عدة، منها أزمة تهريب الأرز المصري للخارج ثم استيراد نوعيات أقل جودة، وأزمة في إنتاج السكر وزيوت الطعام، بجانب الفساد في توريد القمح الوهمي إلى الصوامع، والذي تسبب في خسارة مصر مليارات الجنيهات، لصالح متنفذين حكوميين وأعضاء باتحاد الغرف التجارية.
ومنذ الانقلاب الذي قاده الجيش على الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، زاد الجيش من مساحات توغله في اقتصاد البلاد، فتوسع في السيطرة على معظم المشروعات القائمة في مجالات الإسكان والطرق والكباري والأراضي والكهرباء والاتصالات والصوامع والملاعب والموانئ، إضافة إلى مشروع قناة السويس وانتهاء بمجال الطب، بحسب دراسة للمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤخراً.
وصاحب تزايد نفوذ الجيش تعديلات في البنية التشريعية المنظمة للقرارات الاقتصادية الحكومية، بحيث تسمح للجيش بالتوغل في المشروعات الاقتصادية، بشكل قانوني وبدون منافسات.

ومهّد لذلك الرئيس المؤقت، عدلي منصور، الذي أصدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، قرارا يسمح للحكومة بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات لأية شركة في الحالات العاجلة، وهي خطوة عادت بالفائدة على شركات تابعة للجيش، إذ استطاعت الحكومة إسناد عدد من المشروعات الكبرى في مجال البنية التحتية لشركات تابعة للجيش، بناء على هذا القانون.

وقد سمحت التعديلات التشريعية بتمكين شركات الجيش من التعامل المباشر والتعاقد مع جهات أجنبية، لتنفيذ مشروعات. ففي النصف الأول من عام 2014، وقّع الجيش المصري عقداً لإقامة مشروعين إسكانيين مع شركات إماراتية، حيث وقّعت شركة إعمار مصر، وهي شركة تابعة لشركة إعمار العقارية في الإمارات، اتفاقاً مع وزارات الدفاع والإسكان والتنمية المحلية لبناء مشروع "إعمار سكوير"، كجزء من المشروع الإسكاني "أب تاون كايرو". وتتضمن صفقة "إعمار سكوير" نقل معسكرات تابعة للجيش إلى أماكن جديدة وتطوير مستوى البنية التحتية في المنطقة.

وأعقب هذا الاتفاق، توقيع عقد مشروع إسكاني آخر لذوي الدخل المنخفض بقيمة 40 مليار دولار، في مارس/آذار 2014، مع شركة بناء إماراتية أخرى هي "أرابتك". ورغم أن وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية هي المنوطة بهذا المجال، إلا أن العقد تم توقيعه مع الهيئة الهندسية بالجيش.
كما بدأت هيئات الجيش تنافس المؤسسات والهيئات الحكومية الأخرى في تنفيذ مشروعاتها الخاصة، فقد أعلنت وزارة الكهرباء تولّي هيئة التسليح بالقوات المسلحة تنفيذ وتشغيل الخطة الإسعافية الثالثة لوزارة الكهرباء لعام 2015، والتي تقدر تكلفتها بنحو 16 مليار جنيه.
وطالت سياسات العسكرة في الفترة الأخيرة، مشاريع حراسة المستشفيات والمؤسسات المدنية، عبر شركة "كير سيرفس".

ويرى مراقبون أن خطورة عسكرة الاقتصاد في مصر، تكمن في حرمان خزينة الدولة من الضرائب والرسوم التي تعفى منها جميع الشركات التابعة للجيش، وتدمير الحياة الاقتصادية في مصر بضياع التنافسية، فلا تستطيع أية شركة أو مستثمر منافسة شركات الجيش، لما تتمتع به من مزايا مالية بجانب الأيدي العاملة بالمجان، من الجنود الذين يؤدون الخدمة الوطنية، ما يؤدي إلى هروب الاستثمارات وإغلاق المصانع والشركات.



المساهمون