مصر: توجّه للقضاء الدولي لمواجهة "أحكام الإعدام"... واستنكار واسع

28 ابريل 2014
رد فعل أسر المحكومين في المنيا (getty)
+ الخط -

حطّمت الدائرة السابعة في محكمة جنايات المنيا في صعيد مصر، برئاسة المستشار سعيد يوسف، رقمها القياسي السابق لعدد أحكام الإعدام في جلسة واحدة، اذ قضت اليوم الإثنين، بإحالة أوراق المرشد العام لجماعة اﻹخوان محمد بديع و682 آخرين، بينهم أعضاء في الجماعة ومواطنون، إلى مفتي الجمهورية تمهيداً ﻹصدار حكمٍ بإعدامهم في جلسة 21 يونيو/حزيران، في القضية المعروفة باسم اقتحام قسم شرطة العدوة في المنيا.

ونسبت المحكمة إلى المتهمين، المحالين إلى المفتي، تهم التحريض على اقتحام وحرق مركز شرطة العدوة، وقتل رقيب الشرطة ممدوح قطب محمد، عمداً مع سبق الإصرار والترصد. كما اتهمتهم بالشروع في القتل، واستخدام القوة والعنف مع موظفين عموميين.

أما حول القضية الخاصة بالرقم القياسي السابق للمحكمة ذاتها، والمتعلقة باقتحام قسم شرطة مطاي في المنيا، فقد أعلنت المحكمة، اليوم، حكمها بإعدام 37 شخصاً وبالسجن المؤبد لـ491 آخرين، يمثلون جميعاً 528 متهماً سبق للمحكمة إحالة أوراقهم إلى المفتي، بينهم أعضاء في حزب الحرية والعدالة ونائب سابق ومواطنون آخرون.

مهزلة قضائية

لكن المحاكمة الصورية لهذا العدد الكبير من المتهمين، لم يكن من الممكن أن تخلو من الخطايا القضائية، وهو ما كشفه عضو هيئة الدفاع عن المتهمين، المحامي مصطفى عبد العظيم، اذ شملت أحكام الإعدام شخصاً تـُوفـِّيَ منذ 3 سنوات، ويدعى إبراهيم محمود عبد المجيد، وهو ما يثبت أن المحكمة "لم تقرأ أوراق القضية من الأساس"، وأنها قامت بإصدار "أحكام سياسية على الورق"، بحسب عبد العظيم.

وأكد أن الحكم صدر دون تمكين الدفاع من تقديم مرافعته، وهي أبسط حقوق الدفاع. كما أن القاضي رفض تسليم الدفاع صورة من حيثيات الحكم للاطلاع عليها، مؤكداً أن فريق المحامين يعدّون مذكرة للطعن بالحكم، ويدرسون تقديم شكوى إلى المجلس الأعلى للقضاء ضد القاضي.

بدوره، أكد العضو الآخر في هيئة الدفاع عن المتهمين، المحامي محمد الدماطي، أن الحكم الصادر غيابي ومخالف للقانون، لأن المتهمين محبوسين على ذمة القضية. وأشار إلى أن في مقدمة هؤلاء، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، الذي صدر عليه الحكم وهو محبوس على ذمة القضية، وكان يفترض إحضاره إلى مقر المحكمة لصدور الحكم ضده، وإلا وجب التأجيل لحين إحضاره.

وأوضح أن بديع لديه جلسة تُنظر حالياً في أكاديمية الشرطة، ضمن قضية التخابر المتهم فيها الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهو ما يشكل مخالفة للإجراءات القانونية للمحاكمة، ويبطلها.

بدوره، أكد الناشط السياسي والحقوقي، صالح حسب الله، أن ما يحدث في القضاء المصري أصبح "عبثاً"، وأن القاضي دان نفسه اليوم بعد أن أصدر قراراً بإحالة هيئة الدفاع عن المتهمين إلى المحاكمة التأديبية بحجة تقاعسهم عن أداء واجبهم المهني، في الدفاع عن المتهمين.

وأضاف أن الجميع يعلم أن هذا الادعاء أولاً باطل، إذ أن جميع الحاضرين ووسائل الإعلام شهدوا منع عدد كبير من أعضاء هيئة الدفاع عن حضور الجلسة.

أمام هذه الأخطاء القضائية الجسيمة، كشف عضو هيئة الدفاع عن المتهمين، علي كمال، لـ"العربي الجديد"، أن فريق الدفاع يدرس اللجوء إلى القضاء الدولي بعد ما أسماه بالمهزلة التي يقوم بها القضاء المصري.

وأضاف: "مبدئياً سنتقدم بالطعن على الحكم، وهذا هو الإجراء الوحيد الذي نستطيع أن نقوم به في الوقت الراهن".

 وأردف أن "مفوضية حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأفريقي أرسلت طلباً للرئيس المؤقت، عدلي منصور، بضرورة وقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق المتهمين".

أما جماعة الإخوان المسلمين، المعني الأول بالأحكام غير المسبوقة التي طالت عدداً كبيراً من أنصارها من رافضي الانقلاب، فاجتاح الغضب صفوف شبابها وأعضاءها بعد سماع الأحكام.

إلى القضاء الدولي دُر

وقال أمين العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، محمد سودان، إن الفريق القانوني الدولي سيتحرك لضم أسماء القاضيين، سعيد صبري وطلعت جودة، اللذين قاما بإصدار أحكام الإعدام بحق المئات من رافضي الانقلاب، إلى ملف القضية المطروحة أمام محكمة الجنايات الدولية. وأضاف سودان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "ستتم ملاحقة هؤلاء القضاة أمام محاكم الدول الأوروبية قضائياً حتى يتم تضييق الخناق عليهم، ويكونوا ملاحقين قانونياً في تلك الدول، خاصة بعد أن قاما بتشويه سمعة القضاء المصري".

من جهته، قال القيادي الإخواني وأحد المتحدثين باسم حزب الحرية والعدالة، أحمد رامي، لـ"العربي الجديد" إن "صدور حكم في هذا التوقيت كان مقصوداً"، مرجعا ذلك إلى سعي "قادة الانقلاب إلى جرّ البلاد إلى حرب وأعمال عنف واسعة".

ورفض رامي التعويل على الخارج بشأن وقف تلك الأحكام، قائلاً: "رغم صدور أحكام بالإعدام ضد 529 من أبناء محافظة المنيا لم يتحرك الخارج، بل استمر على دعمه للانقلاب". وشدد على أن الجماعة متمسكة بالسلمية، قائلاً: "لن ننزلق تحت أي ظرف في مستنقع الدم الذي يريد الآخرون دفعنا إليه"، إلا أنه حذر من رد الفعل من آخرين من خارج الإخوان، قائلاً إن "رد فعل أهالي الآخرين من غير الإخوان هو الذي قد يكون الأخطر".
وفي السياق، شنّ حزب "البناء والتنمية"، أحد الأحزاب المكونة لـ"تحالف دعم الشرعية"، هجوماً حاداً على القضاء المصري. وقال المتحدث باسم الحزب، طه الشريف، إن "القضاء صار الآن ليس عنوان الحقيقة، ولكنه أصبح عنوان الزيف والتلفيق والخداع".

موقف مشابه أصدره حزب "مصر القوية"، الذي يترأسه المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، الذي أكد أن الأحكام القضائية "تخالف جميع القوانين المصرية والمواثيق الدولية وقيم العدالة والحقوق الإنسانية الطبيعية، وتهدم فكرة الدولة من أساسها وتعيد مصر إلى عصور الغاب، فتدفع الناس إلى الكفر بكافة السلطات وعدم احترامها بما يجر مصر إلى دوامة لا نهائية من الفوضى الشاملة".

ذريعة للتدخل الخارجي

في المقابل، توقع المتحدث السابق لـ"جبهة الإنقاذ"، وحيد عبد المجيد، أن تُنقض قرارات الاعدام أمام محكمة النقض، "لأنه لم يتوافر فيها شرط رئيسي في شروط المحاكمة، وهو إعطاء دفاع المتهمين فرصته أمام هيئة المحكمة".
إلى ذلك، طالب "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، وهو مجلس حكومي، الرئيس منصور بإصدار قانون مُعدّل لقانون الإجراءات الجنائية يقضي بجواز استئناف الأحكام الصادرة من محاكم الجنايات، لافتاً إلى أن "القضاء ليس دوره حفظ الأمن أو محاربة الإرهاب، أو إصدار أحكام سياسية لاسترضاء السلطة الحالية".

قضائياً، حذّر مصدر قضائي فضل عدم الكشف عن هويته، من مغبة الأحكام الصادرة، قائلاً إنه "إذا استمر هذا الوضع السيئ بالنسبة للأحكام القضائية، سيكون المقبل أسوأ بكثير، وسيتحول المجتمع إلى غابة"، منبهاً من أن "انهيار القضاء يقابله انهيار الدولة". وختم بأنه "يجب على مجلس القضاء الأعلى أن يتدخل لإنقاذ ما تبقى من سمعة القضاء المصري، لأنه لا يوجد قاضٍ عادل يصدر حكما في يومين". وكشف القاضي عن محاولات قام بها بعض "العقلاء" داخل سلك القضاء المصري لوقف "المهزلة" على حد تعبيره، إلا أن هذه المحاولات "فشلت بعد تراجع هؤلاء العقلاء نتيجة توجيه اتهامات لهم بأنهم خلايا إخوانية نائمة".
تحذير من نوع آخر صدر عن "حركة تحرر"، المعروفة إعلاميا باسم "تمرد2"، مفاده أن الأحكام "ستشكل ذريعة للتدخل الخارجي في شئون مصر وقد يتطور الأمر لتدخلات عسكرية مباشرة كما حدث في ليبيا".

تأتي هذه المواقف بينما تشهد محافظة المنيا حالة من الاستنفار الأمني الشديد، عقب صدور الأحكام.

وانتشرت العشرات من المدرعات والجنود المدججين بالسلاح في محيط مديرية الأمن وأقسام الشرطة في المحافظة، تحسبا لغضب أهالي المتهمين.

وقال أحد قيادات الجماعة في المنيا، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، رافضاً ذكر اسمه، إن "الانقلاب يريد أن يدفع شبابنا إلى أتون معركة يستغلها قادة الانقلاب في تشويه صورة قضيتنا العادلة، وهو ما نحاول جاهدين تجنبه وتأكيد التزامنا بنهج الجماعة وموقفها الرسمي برفض العنف.

وتابع القيادي: "إلا أن الكثير من الغاضبين ليسوا من أبناء الجماعة، لكون الصادر ضدهم أحكام بالإعدام كثير منهم لا ينتمون إلى الجماعة، إضافة إلى كونهم ينتمون إلى كبار عائلات وقبائل الصعيد، والمعروف عنها الاعتزاز بأبنائها والدفاع عنهم".

وفي السياق نفسه، طالب "المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة"، السلطات المصرية بالوقف الفوري لعقوبة الإعدام،  وحثّ الرئيسَ المؤقت، عدلي منصور، بعدم التصديق على أحكام الإعدام.

على صعيد متصل، أثارت الأحكام جملة من الانتقادات والإدانات للمنظومة القضائية المصرية. ورأى الخبير السياسي ومنسق "حركة مصريون حول العالم"، حسام الشاذلي، أن الأحكام "لعب بالنار لما تمثله من عمليات قتل جماعي وتصفية للمعارضين تستوجب الملاحقة أمام الجنائية الدولية". وكشف الشاذلي، لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف من جنيف، عن أن حركته "ستقوم برفع قضايا مباشرة أمام المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، معتمدة على تقرير الخبراء الذي صدر الشهر الماضي".

كما ستنظم "مصريون حول العالم" خلال الأيام المقبلة، وقفات أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف والمجموعة الأوروبية في بروكسل، إضافة إلى تشكيل وفد رسمي لمخاطبة عدد من الدول المؤثرة لوقف قرارات الإعدام، على حد تعبير الشاذلي. واعتبر أن التراجع عن تلك الأحكام هو "الفرصة الأخيرة أمام النظام الحاكم في مصر قبل ملاحقته أمام المحكمة الجنائية الدولية". وحذّر من أن تلك الأحكام "أثارت الفزع في قلوب 23 ألف أسرة لها معتقلون داخل السجون المصرية وهو ما ينذر بكارثة".

بدوره، أوضح المتحدث باسم "حركة قضاة من أجل مصر"، وليد شرابي، أن أحكام الاعدام "ليست أحكاماً نهائية، وهي قابلة للطعن بها أمام محكمة النقض". ووصف شرابي الأحكام بـ"السياسية" على خلفية "دورها في تحقيق الانتقام من الخصوم السياسيين للنظام الحالي". وشدد شرابي على وجود "حرب عالمية ضد المعارضين للانقلاب العسكري".

وفي السياق نفسه، دان "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الأحكام "القضائية"، معرباً، في بيان، عن "قلقه إزاء الحالة التي وصلت إليها الحريات العامة في مصر". وجاء في البيان أن "تلك الأحكام غير القائمة على أية تحقيقات نزيهة ولا أجواء سياسية مستقرة في ظل سلطة الانقلاب الحالية في مصر، تحجب أي مصداقية عنها، وتؤكد أنها بمثابة نيل من المعارضين".