بينما تحتدم الخلافات داخل مكونات الحكومة الإيطالية حول شروط تعزيز التعاون العسكري مع النظام المصري، ومدى إمكانية المضي قدماً في تصدير الأسلحة بمئات الملايين في ظل فشل التعاون القضائي والأمني لتحقيق تقدم في قضية مقتل الطالب جوليو ريجيني، حصلت "العربي الجديد" على وثيقة رسمية تكشف للمرة الأولى أن قيمة مشتريات مصر من الشركات الإيطالية لتصنيع الأسلحة والذخائر وقطع الغيار والبرمجيات العسكرية لعام 2019 تضاعفت ثلاث مرات عن قيمة المشتريات في 2018، لتكون الأعلى في تاريخ العلاقات بين البلدين، وتجاوز بعشرات الملايين القيمة الإجمالية للمشتريات خلال العقد الأخير كاملاً.
وأظهرت الوثيقة أن مصر أنفقت في شراء الأسلحة الإيطالية عام 2019 مبلغاً إجمالياً قدره 238 مليون و55 ألفا و472 يورو، مقابل 69.1 مليون يورو تقريباً في 2018، حيث تنوعت المشتريات بين أسلحة جديدة بقيمة تجاوز 97 مليون يورو، وقطع غيار للمعدات وبرمجيات وتراكيب، وإضافات بقيمة 141 مليون يورو.
تزامنت قفزات التسليح الإيطالي لمصر مع مقتل ريجيني
وبالنظر للأعوام السابقة، تبرز القفزات الكبيرة في التسليح الإيطالي لمصر، وتزامنه مع مقتل ريجيني والتحقيقات الفاشلة. ففي 2013 استوردت مصر أسلحة من إيطاليا بمبلغ 17.2 مليون يورو. وفي عام 2014 استوردت بمبلغ 31.8 مليون يورو. وفي عام 2015 بلغ ثمن الواردات 37.6 مليون يورو. ثم انخفضت الواردات بشكل ملحوظ عام 2016 ليبلغ سعرها 7.1 ملايين يورو. وفي 2017 ازدادت بصورة طفيفة إلى 7.4 ملايين يورو، قبل أن تصل لمستويات قياسية في 2018 ثم 2019.
وأوضحت الوثيقة أن مصر حلّت في المركز الرابع عالمياً بين مستوردي الأسلحة الإيطالية، خلف الكويت وقطر وألمانيا، حيث تعددت مشترياتها بين مجموعة من أكبر شركات التصنيع الإيطالية، على رأسها شركة "ليوناردو" التي تم الاتفاق معها أخيراً على شراء 24 طائرة تدريب من طراز "إم-346" بقيمة إجمالية تتراوح بين 370 و400 مليون يورو. كما أن الشركة ذاتها ستورد لمصر 32 مروحية من طراز "أغوستا-ويستلاند149"، والتي لم تحصل عليها مصر حتى الآن رغم طلبها في إبريل/نيسان الماضي بقيمة 400 مليون يورو، وكذلك شركات "بينيللي" و"إلكترونيكا" و"بيريتا" و"سيميل ديفيسا" و"أڤيو" و"فيرتيللي".
وتعليقاً على فحوى الوثيقة، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنه بات واضحاً أن رهان مصر الوحيد لإبقاء العلاقات طبيعية مع إيطاليا هو زيادة معدلات استيراد الأسلحة، إلى الحد الذي جعل بعض المصنعين الكبار، مثل شركة "فيركانتيري" المصنعة للفرقاطات متعددة المهام "فريم" تفضل أن تبيع للقاهرة قطعتين كانت قد أنتجتهما في الأساس لصالح البحرية الإيطالية. ويبلغ سعر القطعتين 1.1 مليار يورو، ويمثل شراؤهما المرحلة الأولى من صفقة تسليح قياسية بدأ التفاوض بشأنها مطلع العام الحالي، ربما تصل قيمتها الإجمالية إلى 11 مليار يورو.
وزير الدفاع الإيطالي من داعمي استمرار توريد الأسلحة لمصر
وأضافت المصادر أن التواصل المصري مع دوائر وأحزاب مختلفة من مكونات حكومة جوزيبي كونتي يوضح وجود خلاف بين الحزب الديمقراطي وحركة الخمسة نجوم حول تطوير التعاون العسكري بين البلدين. لكن وزيري الدفاع والمالية وعضوي الحزب الديمقراطي لورينزو جيريني وروبرتو جالتييري يدعمان بشدة استمرار اعتماد صفقات التسليح لضمان إرضاء المصنعين وزيادة الدخل القومي، من دون الاعتناء بالملاحظات الحقوقية والإنسانية والقانونية والأمنية التي يبديها وزراء آخرون، وكذلك رئيس مجلس النواب روبرتو فيكو، الذي جدد منذ أيام تهديداته باتخاذ إجراءات ضد مصر بسبب جمود التحقيقات في قضية ريجيني.
وأوضحت المصادر أن وزير الدفاع لورينزو جيريني ليس فقط من الداعمين الأساسيين حالياً لاستمرار توريد الأسلحة لمصر، بل هو من المتحمسين لتوسيع التعاون بالتدريب والاستضافة وإرسال البعثات. وهو داعم أيضاً للأفكار المطروحة حديثاً لتحقيق شراكة طويلة الأمد بين الجيش المصري وبعض الشركات الإيطالية الكبرى لإنشاء مصانع بخطوط إنتاج جاهزة لصالح الشركات في مصر.
وسبق وقال مصدر مصري، لـ"العربي الجديد" في يونيو/حزيران الماضي، إن شركة فيركانتيري كانت قد أجرت مباحثات سرية مبدئية مع وزارة الدفاع المصرية حول هذه الفكرة في العام 2018، لكن الأجواء المتوترة بين البلدين آنذاك على خلفية قضية ريجيني عرقلت استمرار المفاوضات. وأشار المصدر إلى أن التوقيت الآن أصبح مؤاتياً، بسبب التحسن الواضح في العلاقات بين الجانبين بسبب شراء مصر المكثف والمتصاعد للأسلحة الإيطالية، والمضيّ قدماً في إبرام الصفقة القياسية الجاري النقاش حول باقي بنودها الآن ما سيجعل القاهرة على رأس قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم في السنوات الأربع الأخيرة.