الوقود يربك أسواق مصر... تسعير جديد للسلع و"غول الغلاء" يلاحق الأسر

19 يونيو 2018
الزيادات المتلاحقة في الأسعار تفاقم معيشة المصريين (Getty)
+ الخط -


أربكت الزيادات الحكومية المتلاحقة في أسعار المياه والكهرباء والوقود على مدار الأيام القليلة الماضية، حركة الأسواق بشكل كبير، ما دفع العديد من الشركات لا سيما في قطاعات الأغذية ومواد البناء، إلى إعادة تسعير منتجاتها ورفع قيمتها، الأمر الذي يفاقم الأعباء المعيشية لملايين الأسر التي تئن من تلاحق موجات الغلاء.

واستفاق المصريون، يوم السبت، ثاني أيام عيد الفطر على زيادة كبيرة في أسعار الوقود وصلت إلى 66.6%، لتضاف إلى الزيادات الحادة التي طاولت أسعار الكهرباء والتي وصلت إلى 70% للاستهلاك المنزلي و41% للمصانع، ومياه الشرب بنسبة تصل إلى 46.5% في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري.

وجاءت زيادة أسعار الوقود، الأكثر إزعاجاً للأسواق، حيث يؤكد مستثمرون وخبراء اقتصاد أنها عنصر فاعل في تحديد كلف الإنتاج وأسعار السلع النهائية، وكذلك تكاليف النقل داخل البلاد.

وقال مسؤول في شركة جهينة، إحدى أكبر شركات الصناعات الغذائية في مصر، في تصريح لـ"العربي الجديد": "حتما تكاليف النقل ستتأثر بزيادة أسعار المنتجات البترولية الأخيرة، ونتوقع زيادة أسعار المنتجات بنسبة تتراوح بين 8% و10%، وهذه الزيادة لا تشمل تأثيرات زيادة أسعار الكهرباء، لأن لدينا وحدات خاصة لإنتاج الكهرباء".

غير أن الكثير من المصانع الأخرى التي تعتمد على شبكات الكهرباء الحكومية، والتي تعد من الأكثر استهلاكا للطاقة ومنها مصانع مواد البناء لا سيما الحديد والإسمنت، لم تخف نيتها لزيادة الأسعار بنسب أكبر.

وقال موظف كبير في إدارة المبيعات بإحدى أكبر شركات الحديد، إن الشركات ستضيف الزيادات في أسعار الكهرباء والوقود إلى الإنتاج النهائي، مرجحا زيادة الأسعار بنسبة تتراوح بين 10% و12%.

وقال الموظف الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "لسنا قلقين من زيادة الأسعار، فهناك زيادة في الطلب في ظل المشروعات الإنشائية الكبرى التي يجري تنفيذها، سواء في العاصمة الإدارية الجديدة أو الكبارى وغيرها من المشروعات العقارية للشركات الخاصة التي تم تسويقها".

ويصل سعر طن حديد التسليح في شركة حديد عز، التي تستحوذ على الحصة الأكبر من السوق إلى 12600 (704 دولارات) تسليم أرض المصنع، بينما يتراوح السعر في باقي الشركات بين 12250 و12550 جنيها للطن.

وقال أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء في غرفة القاهرة التجارية لـ"العربي الجديد"، إنه لا بد من وجود رقابة حكومية صارمة خلال الأيام المقبلة لعدم انفلات الأسعار.

وبدأت أسعار الخضروات والفاكهة تشهد زيادات في الأسواق خلال اليومين الماضيين، بنسبة وصلت في بعض المناطق إلى 30%، الأمر الذي أرجعه تجار إلى ارتفاع تكاليف النقل.

كما قال عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة في غرفة القاهرة التجارية، إن ارتفاع أسعار الدواجن سيتراوح بين 10% و20%، خاصة أن أغلب المزارع متواجدة في مناطق بعيدة عن التجمعات السكنية، حيث ستزيد تكلفة النقل من الأسعار حتما.

وفي مقابلات متفرقة في العاصمة القاهرة، يسيطر القلق على الكثير من المواطنين، لا سيما من أرباب الأسر الذين أعرب بعضهم عن خوفه من عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم خلال الفترة المقبلة.

وقال أحمد عادل الذي يعمل في مجال إصلاح الأجهزة الكهربائية: "نحن صنيعية (عاملون) على باب الله يأتينا رزقنا يوم بيوم، فقد أتحصل في يوم على 100 جنيه (5.5 دولارات) وأكثر قليلا، وأيام عدة لا يدخل جيبي جنيه واحد، وأصبح الكثيرون من أصحاب المهن الحرة يخشون الغد أكثر من أي وقت مضي، فالزيادات المستمرة في الأسعار أصبحت مفزعة ولا أحد يستطيع أن يتفوه بكلمة واحدة".

وشهدت الميادين في مختلف المحافظات، إجراءات أمنية مشددة، فور تطبيق زيادة أسعار الوقود قبل يومين، حيث انتشرت قوات الأمن المركزي والمدرعات في الميادين الرئيسية، تحسبا لأي احتجاجات، كما قالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن العديد من محطات تموين الوقود لا سيما على الطرق السريعة شهدت تواجدا أمنيا.

ويحذّر العديد من الخبراء من تطبيق سياسة صارمة جدا قد تؤثر بشكل أساسي على الطبقات متوسطة الدخل. وقال إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إن الحكومة لن تتراجع عن قرارات رفع الدعم عن الوقود وزيادة أسعار الخدمات الرئيسية، خاصة أن هذه القرارات تأتي ضمن البرنامج الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي نهاية 2016.

وأضاف الدسوقي في تصريح خاص أن معدل التضخم سيرتفع حتما مع الزيادات الأخيرة، خاصة السلع الغذائية بسبب رسوم النقل بين المحافظات المنتجة والمستهلكة.

واتخذت الحكومة العديد من القرارات المؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل، منذ إبرام اتفاقها مع صندوق النقد الدولي الذي يقضي بإقراض الحكومة 12 مليار دولار، مقابل تنفيذ برنامج اقتصادي يتضمن إلغاء دعم الطاقة وتحرير سعر صرف الجنيه وزيادة الضرائب وتقليص عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة.

وتسبب تعويم العملة في تضخم بلغ ذروته في يوليو/تموز 2017 حين سجّل المؤشر السنوي 34.2%، إلا أنه أخذ في الانخفاض وفق البيانات الحكومية وصولا إلى 11.5% مع نهاية مايو/أيار، بينما يشكك خبراء الاقتصاد في شفافية هذه البيانات.

وتعد زيادة أسعار الوقود مطلع الأسبوع الجاري، هي الرابعة منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في يونيو/ حزيران 2014، والثالثة من اتفاق صندوق النقد، إذ كانت الأولى في يوليو/ تموز من ذلك العام، بنسب اقتربت من الضعف، والثانية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بنسب تراوحت بين 30% و47%، ثم جاءت الزيادة الأخيرة في الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي بنسب تصل إلى 55%.

ويتزامن رفع سعر الوقود، مع زيادات في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري منذ عدة أسابيع، ما يشير إلى صعود أكبر في أسعار مختلف السلع لاعتماد البلاد على الاستيراد بشكل كبير، وفق ما يتوقعه المحلل الاقتصادي أحمد إبراهيم في تصريح لـ"العربي الجديد".

وتظهر المعاملات الرسمية في المصارف ارتفاع سعر الدولار من 17.59 جنيهاً مطلع مايو/ أيار الماضي إلى 17.90 جنيهاً في الوقت الحالي.

ومن المتوقع أن تستفيد الحكومة بشكل كبير من زيادة أسعار المنتجات النهائية، إذ تفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات بنسبة 14%.

وتشير بيانات موازنة العام المالي الجديد 2018/2019، الذي يحل في الأول من يوليو/تموز، إلى أن الحكومة تستهدف زيادة إيرادات ضريبة القيمة المضافة بقيمة 70 مليار جنيه (3.9 مليارات دولار)، لتصل إلى نحو 320 مليار جنيه، وهو ما يقرب من نصف إجمالي الإيرادات الضريبية المستهدفة لهذا العام والبالغة 770.2 مليار جنيه.

كما أظهرت البيانات، أن الحكومة تستهدف أيضا زيادة حصيلة الجمارك إلى 45.3 مليار جنيه (2.5 مليار دولار) خلال العام المالي المقبل 2018/2019 الذي يحل في الأول من يوليو/تموز المقبل، مقابل 36.4 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري، بزيادة تبلغ نسبتها 25%.

ومن المتوقع أن تتسبب زيادة الأسعار في ضغوط على القطاع الخاص، الذي قد يجد نفسه مجبراً على زيادة أسعار خدماته أو الأجور لضمان استمرار أعماله، وهو ما يصب أيضا في صالح الحكومة وفق المحلل الاقتصادي أحمد إبراهيم، مشيرا إلى أن زيادة الأجور ستصب حتما في زيادة الإيرادات الحكومية من ضريبة الدخل، وغيرها من الرسوم التي تحصل عليها.

وتستهدف الحكومة تحصيل 253.1 مليار جنيه (14.1 مليار دولار) من ضريبة الدخل، منها 49.9 مليار جنيه ضريبة على المرتبات من الموظفين في الحكومة، مقابل 37.3 مليارا خلال العام المالي الحالي، فيما سيتم تحصيل 31.8 مليار جنيه ضريبة على دخول الأفراد من المهنيين والنشاط التجاري والصناعي.

وقال فخري الفقي الخبير الاقتصادي، ونائب الرئيس التنفيذي لصندوق النقد سابقاً، إن "رفع أسعار المنتجات البترولية شر لا بد منه، ولكن على الحكومة إعداد برنامج اجتماعي لحماية الفقراء من عودة غول التضخم مجدداً"، مشيرا إلى أن موجة غلاء جديدة على الأبواب بعد زيادات الأسعار الأخيرة.

المساهمون