أعلنت مصر، مساء الجمعة، أنها تقدمت بطلب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول سد النهضة الإثيوبي تدعو فيه المجلس إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، التفاوض بحسن نية تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية السد.
وطلبت مصر إلزام إثيوبيا بعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق.
واستند خطاب مصر لمجلس الأمن إلى المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين.
وقالت مصر في بيانها، إنها اتخذت هذا القرار على ضوء تعثر المفاوضات التي جرت أخيراً حول سد النهضة نتيجة للمواقف الاإثيوبية غير الإيجابية والتي تأتي في إطار النهج المستمر في هذا الصدد على مدار عقد من المفاوضات المضنية، مروراً بالعديد من جولات التفاوض الثلاثية وكذلك المفاوضات التي عقدت في واشنطن برعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولي والتي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث والذي قوبل بالرفض من إثيوبيا، ووصولاً إلى جولة المفاوضات الأخيرة التي دعا إليها السودان وبذل خلالها جهوداً مقدرة من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يراعي مصالح كافة الأطراف، إلا أن جميع تلك الجهود قد تعثرت بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا، وإصرارها على المضي في ملء سد النهضة بشكل أحادي في مخالفة لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015 والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم إثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب.
وأكدت مصر حرصها على التوصل إلى اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث ولا يفتئت على أي منها، وهو ما دعا مصر للانخراط في جولات المفاوضات المتعاقبة بحسن نية وبإرادة سياسية مُخلِصة. ومن هذا المنطلق، ونظراً لما تمثله مياه النيل من قضية وجودية لشعب مصر، فقد طالبت مصر مجلس الأمن بالتدخل وتحمل مسؤولياته لتجنب أي شكل من أشكال التوتر وحفظ السلم والأمن الدوليين.
من جانبه، أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، على استبعاد أي حلول عسكرية من خلال تشديده على أن الهدف الأساسي من لجوء مصر إلى مجلس الأمن هو البعد عن أي تصعيد، واصفاً تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي الأخيرة التي قال فيها إن بلاده ماضية في ملء السد وفق الجدول المعلن، بغير المقبولة وغير اللائقة.
وتابع شكري أن مصر أكدت مرارا استعدادها للوصول إلى اتفاق، وعلى المجتمع الدولي أن يشجع الدول ويطالبها، وأن قرارات مجلس الأمن يجب أن تحترم، وأن خرقها يؤدي إلى تصعيد الإجراءات من المجتمع الدولي ضد الدول التي تخرق تلك القرارات، موضحا أن مصر بذلت مجهوداً كبيراً في تلك المفاوضات، وقدمت مرونة في المفاوضات.
ومساء الأربعاء، وبعد فشل المفاوضات، قالت إثيوبيا إن اجتماع وزراء الري "انتهى باتفاق على استمرار التفاوض على أن يستشير الوفد السوداني رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حول مدى إمكانية تدخل رؤساء الحكومات لحل المشاكل القانونية العالقة التي تعيق التوصل إلى اتفاق" وبذلك، قدمت إثيوبيا نتيجةً للاجتماع تختلف عن النتيجتين اللتين أعلنت عنهما كل من مصر والسودان.
فقد أعلن وزير الري المصري أن "الاجتماعات لم تحقق تقدما يذكر" وأنه تم "إنهاء المفاوضات" نتيجة التعنت الإثيوبي، وأن أديس أبابا رفضت إحالة الأمر إلى رؤساء الحكومات. بينما قال نظيره السوداني ياسر عباس سابق إن "المفاوضات توقفت" وأن بلاده اقترحت إحالة الملف القانوني إلى رؤساء الحكومات باعتبار أن حلحلته تتطلب إرادة سياسية عليا بالدول الثلاث.
وعبر البيان الرسمي عادت أديس أبابا إلى التصعيد في مواجهة مصر والسودان الرافضتين لملء السد لأول مرة دون التوصل إلى اتفاق نهائي على جميع قواعد الملء والتشغيل، فقالت: "تملك إثيوبيا الحق في الملء والتشغيل بناء على اتفاق المبادئ. ومع ذلك، فإننا على اعتقاد بإمكانية توصل الدول الثلاث إلى حل يحمل المكاسب للجميع".
وأرسلت مصر، مطلع الشهر الماضي، خطابا لمجلس الأمن بلهجة لا تخلو من الرجاء لاتخاذ ما يلزم لاستئناف مفاوضات ملء وتشغيل السد، وتضمن وصف الخطر الاستراتيجي الذي قد تشهده المنطقة جراء الممارسات الإثيوبية بأنه "تطور محتمل"، وهو التحرك الذي يستحيل أن يصاحبه -بحسب مراقبين- تحضير لتحرك عسكري مصري سيكون بالتأكيد غير مرغوب من القوى العظمى ولا مرحبا به من المنظومة الأممية.
وفي خطابها لمجلس الأمن، كشفت مصر أن إثيوبيا عرضت أن يتم الاتفاق فقط بين الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل لأول عامين فقط، وهو ما اعترضت عليه مصر والسودان، ليس فقط لأنه يتجاهل تنظيم فترة الملء كاملة، ويتناقض مع القواعد التي سبق الاتفاق عليها، ولكن أيضاً لأنه يتناقض مع اتفاق المبادئ الذي يؤكد عدم الملء قبل التوصل إلى اتفاق شامل.
وقدمت إثيوبيا ردا على الخطاب المصري لمجلس الأمن، تضمن التشديد على أن الملء الأول لن يضر بدولتي المصب نظرا لأنه يتزامن مع الفيضان، وأنه لا ينتهك اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015 وأنه يمكن فصل قواعد الملء والتشغيل في السنوات التالية عن فترة الملء الأول.
ومطلع الشهر الجاري، أرسل السودان خطابا إلى مجلس الأمن أيد فيه المخاوف المصرية من الملء الأحادي للسد من جانب إثيوبيا، وشرح بالتفصيل المبادرة التي تبناها السودان أخيرا للتقريب بين البلدين، وطالبت الخطاب مجلس الأمن بـ"تشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي".