وكانت نيابة أمن الدولة العليا "طوارئ" قد ادّعت في تحقيقاتها أن "عبد المنعم أبو الفتوح قام بنشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية لمصر، وتولّي قيادة جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنْع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وشرعية الخروج على الحاكم، وتغيير نظام الحكم بالقوة، والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر".
وسبق لأجهزة الأمن في وزارة الداخلية أن اعتقلت أبو الفتوح وعدداً آخر من أعضاء حزبه، في ضوء إذن قضائي صادر بهذا الشأن من نيابة أمن الدولة العليا التي كانت قد تسلمت تحريات أجراها قطاع الأمن الوطني (أمن الدولة)، تدّعي تخطيطهم لاعتداءات مسلحة على منشآت الدولة ومؤسساتها، على نحو من شأنه إشاعة الفوضى في البلاد، الأمر الذي يستوجب التحقيق معهم بمعرفة النيابة.
يشار إلى أن محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار مصطفى محمود عبد الغفار، كانت قد أصدرت في وقت سابق، قراراً بإدراج أبو الفتوح و15 آخرين في قوائم الإرهابيين، بناء على الطلب المقدم بهذا الشأن من النائب العام إلى المحكمة، إلى جانب إصدار النائب العام لقرارٍ بالتحفظ على أموال هؤلاء المعتقلين جميعاً، وعلى رأسهم أبو الفتوح.
نظام السيسي: مرحلة قمع متقدمة
"ترك مصر أعتبره خيانة في حق وطني، ولن أترك مصر... وأن أعيش في أبو زعبل (سجن مصري) خير لي من أن أعيش في قصور لندن". بهذه الكلمات، اكتسب رئيس حزب "مصر القوية"، عبد المنعم أبو الفتوح، تعاطف المئات من النشطاء في مصر، الذين تداولوها على نطاق واسع على مواقع التواصل، عقب إعلان الأمن اعتقاله، ثم حبسه على ذمة التحقيق. هكذا، يكون نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد قفز في سياساته القمعية إلى مراحل جديدة لم يكن أشد خصومه ربما يتوقعون أن يصل إليها، من دون أي ضغط خارجي جدي يمارس عليه في هذا المجال لوقف هذه الممارسات الديكتاتورية التي لم تبقِ فعلياً معارضين كثر خارج السجون، عشية انتخابات يجمع العالم على وصفها بالاستفتاء وبالهزلية.
ويرى مراقبون أن "أبو الفتوح سياسي محنّك، كونه انخرط في العمل الجماهيري بسن مبكرة، وعمد في مقابلاته الصحافية، إلى ترديد العبارات نفسها، وكأنه يوصل رسائل محددة، إلى بعض مؤسسات الداخل، كالجيش والكنيسة، أو قوى إقليمية ودولية، في محاولة لإظهار نفسه كرجل دولة".
وحصل أبو الفتوح على المركز الرابع في أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها مصر، عقب ثورة 25 يناير 2011، إذ استطاع الحصول على أكثر من أربعة ملايين صوت، بنسبة بلغت 17.5 في المئة من إجمالي المقترعين في انتخابات 2012، بعدما حظي بدعم من قطاعات متباينة، من حزب "النور" السلفي يميناً، إلى دعم شخصيات عامة في أقصى اليسار.
بدأ أبو الفتوح العمل السياسي مبكراً، بشغله منصب رئيس اتحاد طلاب كلية طب قصر العيني، فرئيس لاتحاد طلاب جامعة القاهرة. وتصدى في واقعة شهيرة داخل الجامعة، للرئيس أنور السادات، متهماً من يعمل حوله بأنهم "مجموعة من المنافقين"، الأمر الذي أغضب الرئيس الراحل، وقال منفعلاً حينها: "قف مكانك يا ولد... أنت تخاطب رئيس الدولة".
انضم أبو الفتوح، ومعه كوادر الجماعة الإسلامية في الجامعات، إلى جماعة "الإخوان المسلمين" في سبعينيات القرن الماضي، بعد مفاوضات قادها القيادي التاريخي في الجماعة، عباس السيسي، وشغل عضوية مكتب الإرشاد فيها ما بين العامين 1987 و2009، وكان من ضمن قوائم المعتقلين في سبتمبر/ أيلول 1981، لموقفه الرافض لمعاهدة "كامب ديفيد".
دفع أبو الفتوح ضريبة معارضته لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالسجن لمدة خمسة أعوام في قضية عسكرية منتصف التسعينيات. وقبل النطق بالحكم، ظلّ يهتف هتافه داخل قفص الاتهام: "يسقط الحزب الوطني الفاسد"، ولم ينصَع لأمر ضابط المحكمة له بالسكوت، وتأكد الحاضرون آنذاك من أنه سيحصل على أقصى عقوبة.