أعلنت 3 دول خليجية (السعودية، الإمارات، الكويت) عن دعمها الاقتصادي للانقلاب العسكري بمصر، وكانت الخطوة الأولى لهذا الدعم حزمة المساعدات التي أعلن عنها بقيمة 12 مليار دولار. لكن السيسي بين في حواراته الإعلامية أن هذا الدعم وصل إلى ما يزيد عن 20 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن الدول الخليجية قد أعلنت أن حزمة مساعداتها لمصر خلال عام 2014 ستكون بحدود 5.4 مليار دولار، إلا أن تصريحات بعض مسؤولي هذه الدول ذهبت إلى تعدد صور دعمها للاقتصاد المصري.
فتصريحات الملك السعودي، دعت لعقد مؤتمر مانحين لمصر، وتصريحات وزير الخارجية الإماراتي، تضمنت أن لديهم خطة لإنعاش الاقتصاد المصري، وأنهم سوف يستعينون في ذلك بالدول القوية مثل ألمانيا، والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
مخاوف
الدلالة الأولى السريعة للتصريحات السابقة، هي أن كلاً من السعودية والإمارات يقومان بدور المسوق لعلاج مشكلات الاقتصاد المصري، وأن الدعم المنتظر منهما خلال الفترة القادمة، سيكون في هذا الإطار، الوساطة لدى دول قوية، وكذلك الوساطة لدى المؤسسات الدولية.
لكن هذه الوساطة لن تكون مجردة، وربما تحتمي بضمانات من قبل السعودية والإمارات، لما سيقدم من استثمارات أو منح أو قروض لمصر خلال المرحلة المقبلة.
وهذا من شأنه أن يضع العديد من علامات الاستفهام؟ فمصر دفعت ثمناً غالياً خلال العقود الماضية لهرولتها على جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية، فكانت النتيجة المزيد من الصناعات الملوثة، مثل الإسمنت والأسمدة، أو الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، والتي تعهدت الدولة بمدها بالطاقة الرخيصة.
ومصر تدفع اليوم الثمن بارتفاع معدلات التلوث، كما تعاني من وضع مأسوي في تدبير الطاقة اللازمة لمعدلات النمو، والتي بدونها ستزيد معدلات الفقر والبطالة لمعدلات قياسية مقارنة بما هي عليه الآن للمؤشرين على التوالي 26%، و13.5 %.
وينتظر في ظل التدخل الإماراتي أن تتم تنازلات في مجال العمالة، حيث سيتم استقدام عمالة من الدول الآسيوية بحجة الخبرة أو انخفاض الأجر، وهو ما سيكرس لمزيد من معدلات البطالة.
وليس هذا فحسب، ففي ضوء قراءة أداء الاستثمارات الخليجية في مصر، نجد أنها تركز بشكل كبير في مجالات العقارات والمنتجعات السياحية، ومجال الخدمات المتعلقة بالنقل والموانئ، والمطارات.
وثمة ملاحظة مهمة في هذا الشأن، أن الكثير من هذه الاستثمارات استفادت من تجربة الاستثمارات الغربية والأمريكية، حيث تستجلب فقط نسبة ضئيلة من رؤوس الأموال من الخارج، بما لا يزيد عن 15%، ثم يتم تقنين وضع الأراضي التي تم الحصول عليها، وتقدم كضمانه للبنوك المصرية، لتقوم بدفع بقية تمويل هذه المشروعات. وسيتي ستار وإعمار وداماك ومطار مرسى علم، مجرد أمثلة على سلوك الاستثمارات الخليجية في مصر، واستخدام تمويل البنوك المصرية.
فهذه الاستثمارات الخليجية لا تتواجد في مجالات الاستثمار الإنتاجي التي تحتاجه مصر، لأسباب كثيرة، منها خلق فرص عمل مستقرة ومنتجة، والعمل على توسيع القاعدة الإنتاجية المحلية، التي تساهم في دعم التنمية الذاتية، وتقليل مخاطر الاعتماد على الخارج، وبخاصة في إنتاج سلع استراتيجية تتعلق بإنتاج الغذاء والدواء والسلاح.
إلا أن السؤال المهم هو، أين أموال الصناديق السيادية السعودية والإماراتية؟
وإذا كانت السعودية والإمارات تريدان مساعدة مصر بصورة جادة، فلا داعي لمؤتمر المانحين، ولتدفعا بأموال الصناديق السيادية للاستثمار المباشر في احتياجات مصر الأساسية.
واقع الاستثمارات الخليجية في مصر
تظهر بيانات النشرة الاقتصادية للبنك المركزي المصري لشهر مايو 2014 أن إجمالي صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للدول الخليجية الثلاث (السعودية، الإمارات، الكويت) خلال الربع الأول من العام المالي 2013/2014 بلغت 125 مليون دولار، وأتت الإمارات في المقدمة بمبلغ 56 مليون دولار، ثم السعودية بمبلغ 51 مليون دولار، ثم الكويت بمبلغ 15 مليون دولار.
ومثّل هذا المبلغ خلال الفترة المذكورة نسبة 10% من إجمالي صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي في مصر، البالغ 1246.4 مليون دولار، ويلاحظ كذلك أن مساهمة الدول الثلاث لا تمثل سوى 22% من الاستثمارات الأمريكية التي دخلت مصر خلال نفس الفترة، والتي بلغت 562.2 مليون دولار.
أما إذا ذهبنا إلى بيانات الربع الثاني، فسنجد أن إجمالي ما ضخته دول الخليج الثلاث لمصر وفق مؤشر صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وصل إلى 238 مليون دولار، أي أنه وصل لما يقل عن ضعف الأداء في الربع الأول.
ومثلت هذه الاستثمارات الخليجية نسبة 15%، من إجمالي صافي التدفقات للاستثمار الأجنبي في مصر، خلال الربع الثاني من العام المالي 2013/2014.
فإذا جمعنا أداء الربيعين الأول والثاني لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للدول الخليجية الثلاث، (أي خلال الفترة من يوليو/تموز - ديسمبر/كانون الأول 2013 ) فسنجد أنه قد بلغ نسبة 13% فقط لا غير من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي لمصر، في حين تستحوذ استثمارات أميركا والاتحاد الأوروبي على نصيب الأسد وفق هذا المؤشر.
نخلص من تلك البيانات، أن أداء الاستثمارات المباشرة لدول الخليج الثلاث في مصر لا زال ضعيفاً، ولا يتجاوز نسبة 13%، وأن هيكل الاستثمارات الأجنبية، لازالت تستحوذ عليه الاستثمارات في قطاع البترول التي تسيطر عليها أمريكا والاتحاد الأوروبي.
مؤتمر المانحين
لابد أن نستحضر تجربتين في هذا المضمار، الأولى تجربة مصر في مؤتمر المانحين في عام 2002، حيث تمت الدعوة لمؤتمر مانحين في مدينة شرم الشيخ، عقب أزمة 11 سبتمبر الأميركية، لتعويض مصر عما لحق بها من خسائر اقتصادية، وكان رئيس الوزراء آن ذاك الدكتور عاطف عبيد.
انتهى المؤتمر إلى الإعلان عن حصول مصر على تعهدات بنحو 10 مليارات دولار، والحقيقة أن مصر لم تحصل على دولار واحد، وأن الدول المانحة أخرجت لمصر اتفاقيات المساعدات والمنح التي وقعت عليها ولم تستفد منها، خلال سنوات ماضية، وقد بلغ إجمالي هذه الاتفاقيات المبلغ المعلن عنه 10 مليارات دولار.
ولم يكن لمصر من مخرج في أزمتها التمويلية آن ذاك، إلا من خلال دورها في التسهيلات المقدمة لقوات الاحتلال الأميركية في أبريل/نيسان 2003، حينما قامت أميركا باحتلال العراق.
إذاً، التعويل على مؤتمر المانحين وأنه سيدر على مصر نحو 25 مليار دولار، كما نشرت جريدة الشروق في عدد يوم الجمعة 6 يونيو/حزيران 2014، أمر تعوزه الدقة، وهو إفراط في التفاؤل، وبخاصة أن غالبية الدول المانحة لها تجارب سلبية في مصر.
وثمة تجربة أخرى لمصر، لابد من أخذها في الاعتبار على ضوء ما هو منشور في جريدة الشروق في العدد المذكور، أن ثمة مشروعات تخص قطاعات الطاقة والعقارات والبنية الأساسية، سوف تطرح في مؤتمر المانحين، وأن وزارة الاستثمار تعد تلك المشروعات لعرضها بالمؤتمر.
وقد سبق لمصر عبر مشاركتها الطويلة في مؤتمرات منتدى دافوس الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كانت تعرض قائمة طويلة من المشروعات من قبل مصر، وتكون المحصلة، مجرد دعاية من التقاء الوفود، والوعد بدراسة المشروعات المطروحة.
الخلاصة
نتوقع أن تكون هناك مساهمات ومساعدات من قبل دول الخليج في ضوء تجربتها خلال الشهور الماضية، بعد يوليو/تموز 2013، ولكنها ستتجه للتقلص، بينما المساعدات الغربية ستكون مشروطة بوصول مصر لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، كما كان الوضع قبل وقوع الانقلاب العسكري.
ويلاحظ أن حكومة محلب اتخذت العديد من الإجراءات التي دخلت حيز التنفيذ، والتي تمهد لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مثل رفع أسعار الغاز للمنازل والمحال التجارية، أو ارتفاع أسعار استهلاك الغاز، أو تخفيض قيمة الجنيه المصري في السوق الرسمية، أو تلك الإجراءات الأخرى التي تضمنها مشروع الموازنة والمتعلقة بتخفيض دعم الطاقة بنحو 30 مليار دولار، ومن ثم رفع أسعار الطاقة خلال الفترة القادمة، أو فرض ضرائب جديدة، كالضرائب العقارية، وضريبة الدخل.
كما تسعى مصر لتأهيل ملفها لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي من خلال الاستعانة بخبراء غربيين، وأن هذه الخطوة اتخذت بموافقة السيسي، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
ونؤكد على أن الاستثمارات الخليجية وبخاصة الإماراتية والكويتية منها، سوف تتجه لأنشطة عقارية وسياحية، ويتوقع إذا دخلت الاستثمارات الخليجية في مجال العقارات، أن تكون هناك موجة كبيرة من التضخم نتيجة المضاربة على الأراضي، كما حدث في عامي 2006 و2008.
وتراهن دول الخليج الداعمة للانقلاب وكذلك الدول الغربية، على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية، بغض النظر عن البعد الديمقراطي وشرعية النظام القائم، بغية الوصول إلى معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي، تمكنه من العودة إلى ما قبل ثورة 25 يناير.
بحيث تظل المشكلات الاقتصادية لمصر أقل حدة مما هي عليه الآن، وألا تكون سبباً في انهيار الانقلاب العسكري في مصر، أما تحقيق نجاح في مشروع تنموي لمصر، فذاك شأن آخر، له حساباته في أجندة المشروع الدولي والإقليمي.
ولابد من أن نأخذ مناخ الاستثمار في مصر في الاعتبار، فتقرير البنك الدولي لأنشطة الأعمال لعام 2014، أشار إلى تراجع مصر من ترتيب 108 إلى ترتيب 128 من بين 189 دولة، وأنه توجد العديد من المشكلات الخاصة بالعقود والضرائب وغيرها، يعاني منها مناخ الاستثمار في مصر.
وحتى لو أخذنا باحتمالات التفاؤل، وأن ثمة استثمارات ستتجه لمصر، فإنها لن تكون في الأجل القصير، أو على الأقل خلال العام المالي 2014/2015. فالأمر لن يكون سوى الحصول بعض المنح والمساعدات.
ولكن سيبقى الوضع الاقتصادي متأزماً، فالمساعدات والمنح، وبعض الاستثمارات المباشرة المتوقع أن تزيد، ستؤدي إلى تحسن في ميزان المدفوعات، ولكنها لن تؤدي إلى وجود تحسن في الميزان التجاري، الذي يُعد بيت الداء في مكونات ميزان المدفوعات المصري.
إن الفجوة التمويلية لمصر فاقت الـ30 مليار دولار، وفي أحسن الأحوال سوف يساعد مؤتمر المانحين في سد جزء منها، وهو ما يعني حاجة الاقتصاد المصري للدعم والمساندة الخارجية لسنوات قادمة لا تقل عن 5 سنوات.
ولابد أن نأخذ في الاعتبار تكلفة هذه المساعدات والقروض، في ظل تجاوز الدين العام لمصر نسبة الـ100 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن هنا فالنظام الحالي، في حالة تطبيقه لما هو معلن من إجراءات بمشروع الموازنة، وما ينتويه من تنفيذ إجراءات أخرى، من أجل الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، سوف يكون لها أضرارها، ففي حالة التطبيق العاجل سوف تثير الشارع، وتأجيلها يعني مزيداً من أعباء الأزمة التمويلية.