مصر تتجه شرقاً لتطوير إمكاناتها التقنية الفضائية

20 مايو 2015
استثمارات مصر في قمرها الصناعي "نايل سات"(جودي أميات/فرانس برس)
+ الخط -
"طموحات مشروعة وتحديات صعبة"، هذا هو الوصف الأدق لبرنامج الفضاء المصري الذي تم تدشينه منذ عقود. فترتيبات إطلاق أول قمر صناعي استغرقت فعلياً 38 عاماً، إذ أعلنت مصر عن برنامجها الفضائي في 1960، لكنه تعطل نتيجة الحروب، لتطلق القمر الصناعي "نايل سات 101" في 1998 بالتعاون مع الشركة الفرنسية "ماترا ماركوني سبيس"، بغرض تقديم خدمات الاتصالات والإعلام.

بعد مرور عامين، عززت مصر موقعها في نادي الفضاء العالمي بإطلاق القمر الصناعي الثاني "نايل سات 102" بالتعاون مع الشركة الفرنسية عينها. ولم تقتصر الأهداف على أغراض الاتصالات فحسب، بل قطعت خطوات فعلية نحو الاستثمار في الفضاء لغايات بحثية وتنموية في مجالات متعددة، مثل الزراعة والتخطيط العمراني والاستكشافات المعدنية والنفطية.


فشهد أبريل/نيسان 2007 إطلاق صاروخ "إيجيبت سات 1" بالتعاون مع أوكرانيا بكُلفة 21 مليون دولار، عدا 35 مليون دولار سنوياً تكلفة التشغيل وتدريب 60 مهندساً مصرياً في مجال الفضاء. إلا إنه بعد مرور أقل من عامين ونصف على إطلاق الصاروخ كشفت الهيئة القومية المصرية للاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء في أكتوبر/تشرين الأول 2010 عن فُقدان السيطرة على القمر الصناعي، وهو ما أرجعه خبراء إلى كثرة الأوامر المُتتالية التي تلقاها القمر.

ويبدو أن التجربة ذاتها يعيشها الآن القمر الصناعي "إيجيبت سات 2"، الذي أطلقته مصر بالتعاون مع روسيا في أبريل/نيسان 2014 بكُلفة 40 مليون دولار بغرض تحقيق أهداف بحثية.

غير أن صحيفة "إزفيستا" الروسية، نقلت عن مصادر لم تكشف عن هويتها بوكالة "إنيرجيا" الفضائية الروسية أن هيئة الاستشعار عن بُعد فقدت سيطرتها على القمر الصناعي، قبل أن تؤكد الهيئة أنها رصدت القمر في مداره وتمكنت من السيطرة عليه. والحال أن الغموض ما زال يكتنف الموضوع، نظراً لغياب الأدلة المرئية على تحكم الخبراء المصريين في مسار القمر.

"نعلم أن هناك تحديات تحيط بتكنولوجيا الفضاء، وتحديداً في ما يتعلق بإدارة هذه التكنولوجيا، ولكن البلاد تعمل على تأهيل الكوادر الفنية عبر إبرام اتفاقيات شراكة مع هيئات فضاء دولية"، يقول استشاري الفضاء محمد حسين لـ "العربي الجديد".

ويضيف حسين أن هيئة الاستشعار عن بُعد وقعت اتفاقية مع هيئة الفضاء الوطنية الصينية CNSA في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بهدف التعاون في إطلاق الأقمار الصناعية وتطوير محطات الاستقبال والمعالجة، إلى جانب تدريب الكوادر المصرية على تطبيقات الاستشعار عن بعد في المجالات الزراعية، واستكشاف مخزون المياه الجوفية والثروة المعدنية.

وتزداد حاجة مصر إلى التوسع في تكنولوجيا استكشاف المياه الجوفية، ودراسة التربة الزراعية في ظل أهداف استصلاح 4 ملايين فدان من الأراضي.


ويشير حسين إلى أنه "في الوقت ذاته اتفقت مصر مع السلطات الروسية على التعاون في المجال الفضائي، في محاولة لتعزيز قدرات البلاد في تصنيع وتشغيل أنظمة الفضاء، التي تزداد أهميتها خلال مراحل التوسع في التخطيط العمراني بهدف استيعاب الزيادة السكانية المُطردة".

وتعكس هذه الاتفاقيات توجّه مصر نحو الشرق بشكل أساسي لتطوير قاعدة التكنولوجيا الفضائية، وتحديداً روسيا، حيث شهدت السنوات العشرون الماضية توقيع مجموعة من البروتوكولات في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا، أكان خلال عام 1997، ثم إبرام مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للفضاء عام 2003.

ووسط هذه الاتفاقيات تُثار تساؤلات حول متى يصبح بمقدور البلاد الاعتماد على قدراتها الذاتية في تطوير برنامج الفضاء المصري، خاصة في المجالات التنموية والاستراتيجية. وهو ما يُعبّر عن أهميته مُهندس الاتصالات عمرو حسن. يقول حسن "إنه لا يمكن التمتع باستقلالية في إدارة البرنامج الفضائي طالما كان هناك جهة بالعالم تطّلع على تفاصيل البرنامج كافة، وتمتلك الشفرات الخاصة بتشغيله".

ويُطالب حسن بتكثيف هيئة الاستشعار عن بُعد جهودها لتأهيل الكوادر المتخصصة بتقنيات تصنيع وإدارة الأقمار الصناعية، وتلبية حاجاتهم من الموارد التكنولوجية والمالية، حتى تتمكن من الاحتفاظ بهم في ظل قيادة الغرب حرب اجتذاب الكوادر من الدول الناشئة.

بالإضافة إلى ما تقدّم، يؤكد أحد الباحثين في الهيئة الوطنية للاستشعار عن بُعد، أن الاستثمار الفضائي مجال مُربح ويدُر عائدات، سواء للهيئات الحكومية أم للشركات المُتخصصة في إطلاق الأقمار الصناعية، التي تُقدم خدمات الاتصالات والتنمية. ويشرح أن هناك العديد من الجهات تقوم بشراء بيانات الخرائط والصور التي توفرها الأقمار، مثل التخطيط للمدن والمشروعات السكنية والصناعية العملاقة.


ويُكمل الباحث أن الصور الفضائية تلقى اهتمام شركات النفط في استكشاف مواقع الآبار ومخزونها، تحديداً في المياه العميقة بالمُحيطات، إلى جانب الاستخدامات العسكرية حول العالم، فضلاً عن مساعدة الحكومات ذاتها في الاستعداد للكوارث عبر التنبؤ بالتغيرات المناخية والزلازل والانهيارات الجليدية وتآكل الشواطئ ومراقبة حرائق الغابات.

ولم يكُن القائمون على تقديم خدمات الإنترنت بعيدين عن التطلع لتوظيف تكنولوجيا الأقمار الصناعية في تطوير شبكات الإنترنت. الأمر الذي كشف عنه مؤخراً الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بإجراء دراسات فنية لربط المناطق النائية بالإنترنت من خلال تكنولوجيا الفضاء.

ولعل الجانب الأكثر خطورة في هذه الخطوة هو كيفية وضع آليات تضمن حماية خصوصية المُستخدمين، بالتوازي مع التأكد من جودة الخدمة، خصوصاً أنها تسعى لمُعالجة أزمة افتقار المواطنين في المناطق البعيدة للحق في استخدام الإنترنت.

إقرأ أيضا: الإمارات تنافس عالمياً بوكالة فضائية عربية
المساهمون