بعد أشهر قليلة من قرار تم إلغاؤه لاحقا، إثرَ جدل كبير أحدثه بمنع إقامة صلاة الجمعة في الزوايا والمساجد الصغيرة المنتشرة في أنحاء مصر، يبدو جليـّا أن السلطة الحاكمة في مصر حاليا مصممة على تأميم الخطاب الديني.
وقرر محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في حكومة محلب، مؤخرا وضع كافة المساجد والزوايا تحت إشراف الوزارة، واعتماد خطبائها وأئمتها، في إطار مسلسل تصعيد السلطة الحالية ضد معارضيها، وسعيها إلى السيطرة على المنابر.
وكان قرار قد صدر قبل شهرين بتوحيد خطبة الجمعة في جميع المساجد، ومعاقبة من يخالف، لإحكام سيطرة الدولة على الخطاب الديني بدعوى "البعد عن التوظيف السياسي أو التحريض الطائفي".
وانتقد الباحث في شؤون الحركات الاسلامية، الدكتور كمال حبيب، القرار، قائلا لـ"العربي الجديد": "منذ جاء وزير الأوقاف الحالي، وهو يتخذ قرارات يصعب تفعيلها مثل توحيد الأذان وخطبة الجمعة"، مضيفا أنه "يغلب على هذه القرارات طابع المعارك السياسية التي يخوضها الوزير مسايرا السلطة الحالية، لكنها قرارات بلا قيمة من دون تدريب الخطباء والأئمة، وتطوير أدائهم".
وتابع: إن"شمول القرار مساجد الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية أمر خاطىء، لأنه يظهر أنها عملية تأميم المساجد لصالح الدولة، خاصة وأنها مساجد لها خطباء وأئمة معروفون، والجمعية الشرعية لديها الخريجون المعتمدون لمعاهد الدعاة الخاصة بها".
وأشار إلى ضرورة فك ما أسماه "ارتباط وزارة الأوقاف بالدولة" واستبدالها بمجلس أو هيئة قومية تدير الأوقاف لصالح شروط الواقفين، على أن تتميز بالشفافية وعدم الفساد في إدارة أموالها، موضحا أن "وزير الاوقاف هو وكيل الواقفين، وليس الدولة، وعليه التزام الحياد، والانحياز إلى الأمة، وليس إلى السلطة".
من جانبه، قال صلاح عبد المعبود، عضو المجلس الرئاسي لحزب النور السلفي، إن قرار وزارة الأوقاف بضم المساجد والزوايا للأوقاف محكوم ببروتوكول تعاون أجرته الوزارة مع عدد من الجمعيات الدعوية، مثل الجمعية التابعة للدعوة السلفية والجمعية الشرعية. "ولا أظن أن الوزارة ستلغي بروتوكولات التعاون، أو أن تطبقها فقط على مساجد الدعوة السلفية".
وشارك حزب النور وأيّد خارطة الطريق التي وضعها الجيش عقب انقلابه على رئيس البلاد المنتخب، محمد مرسي، منتصف العام الماضي.
عسكرة المساجد
ووصف عضو لجنة الفتوى في الأزهر، الشيخ محمد الصاوي، القرار بأنه "استمرار لحالة عسكرة المساجد التي تتم بشكل منهجي طوال الأشهر الماضية، وأنه شديد التلاصق بقرار تعيين واختيار الأئمة، لاستبعاد كل من يخالف هوى السلطة".
وأشار إلى العديد من أوجه التضييقات التي تلاحق الأئمة، أهونها المنع من الخطابة، والنقل قسرا إلى أماكن بعيدة عن أماكن إقامتهم، مما دفع الكثير منهم لأخذ الإجازات أو الامتناع عن الذهاب رغم إمكانية التعرض للفصل.
وكان وزير الأوقاف في حكومتي الانقلاب تحت رئاسة حازم الببلاوي وإبراهيم محلب قد قرر إيقاف نحو 55 ألف إمام من اعتلاء منابر المساجد العام الماضي، لعدم حصولهم على تراخيص من الوزارة، في الوقت الذي يعمل فيه على إقصاء كل المعارضين من المناهضين للانقلاب، وإبعادهم عن المنابر بكل الطرق.