مصر.. بدائل الحبس الاحتياطي مرة ثانية

02 يونيو 2018
+ الخط -
كان إلغاء الاعتقال الإداري في مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني في 2011 أحد أبرز الإنجازات القليلة التي تم تحقيقها من مطالب الثورة وأهدافها، فقد كان قانون الطوارئ والاعتقال الإداري، مفتوح المدة، من الأدوات الرئيسية التي اعتمد عليها نظام حسني مبارك في تثبيت أركان حكمه طوال 30 عاما، وكان يتم تجديد إجراءات الاعتقال دوريا بدون خروج المعتقل فعليّا من محبسه، لكن إلغاء الاعتقال الإداري لم يمثل عقبة أمام السلطات الحاكمة في مصر بعد 3 يوليو/ تموز 2013، فقد تم استغلال قانون الحبس الاحتياطي مفتوح المدة ليكون بديلا عن الاعتقال الذي كان موجودا قبل الثورة.
وكان قد تم إجراء تعديل مهم على الحبس الاحتياطي في يوليو/ تموز 2006 بتقييد مدد الحبس الاحتياطي وتحديدها. ولكن في سبتمبر/ أيلول 2013 ، أدخل الرئيس المؤقت، عدلي منصور، تعديلا على قانون الحبس الاحتياطي، يتيح عدم التقيد بمدة محدّدة للحبس الاحتياطي في بعض الجرائم، إلى أن تم إقرار قانون التظاهر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، والذي تم على أثره حبس عشرات الآلاف احتياطيا حتى اليوم.
كان الاعتقال الإداري، في عهد مبارك، غاية في السهولة، لا يوجد قضاة أو محامون أو محاكمات، ولا يوجد تقيد بقانون الإجراءات الجنائية، مجرد قرار إداري للاعتقال ليستمر 
الشخص سنوات طويلة في المعتقل غير المعلوم، وأحيانا كان يتم استخدام الحبس الاحتياطي. وهناك حالات عديدة لآلاف الذين تم إصدار قرارات اعتقال لهم، امتدت سنوات طويلة بدون محاكماتٍ، بعد إصدار النيابة قرار إخلاء السبيل من الحبس الاحتياطي، أو بعد الحكم بالبراءة، أو بعد انتهاء مدة العقوبة، وقد استمرت الاعتقالات والتمديد لبعض الحالات (خصوصا المحسوبة على التيارات الجهادية)، حتى بعد التعديل الذي تم إجراؤه عام 2006، استجابة لضغوط داخلية وخارجية بألا تزيد فترة الحبس الاحتياطي عن ستة أشهر في حالة الجنح، وألا تزيد عن عام ونصف العام في حالة الجنايات، وألا تزيد عن عامين في حالة إذا كانت عقوبة هذه الجناية هي الإعدام.
بعد الثورة وإغلاق الباب أمام الاعتقال الإداري عام 2012، بالإضافة إلى تعديلات 2006 التي وضعت حدّا أقصى للحبس الاحتياطي، أصبح هناك عائق أمام سلطات "3 يوليو" يعرقلهم قليلا من التوسع في التنكيل بالمتظاهرين والرافضين لمسار 3 يوليو 2013، وهو ما أدى إلى إصدار تعديلات سبتمبر 2013 في قانون الإجراءات الجنائية التي سمحت بفتح مدة الحبس الاحتياطي بدون حد أقصى في الجنايات التي قد يصدر فيها حكم بالمؤبد، ثم تم تعديل قوانين عديدة متعلقة بالتظاهر والإرهاب والكيانات الإرهابية، بحيث أصبحت أي تهمة، متعلقة بالشأن السياسي، يمكن أن يصدر بها حكم بالسجن المؤبد أو الإعدام، مما يمكن السماح بالحبس الاحتياطي فترات غير محدودة.
لا توجد إحصاءات مؤكدة لأعداد المحبوسين احتياطيا. لكن مراكز حقوقية وتقارير تقدرها بأكثر من 11 ألفا، موزعين على حوالي 1600 قضية تظاهر بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 حتى ديسمبر/ كانون الأول 2016. أصبح الحبس الاحتياطي بديل الاعتقال مفتوح المدد الذي كان سائدا قبل ثورة يناير 2011، فعلى الرغم من أن الحبس الاحتياطي في قانون 
الإجراءات الجنائية المصري لا يتم تطبيقه إلا في حالة حماية الشهود أو حماية الأدلة أو بسبب الخوف من هروب المتهم أو استمرار الجرائم أو لضمان سلامة التحقيق بشكل عام، إلا أنه يتم تطبيقه قبل التحقيق في القضايا ذات الطابع السياسي، كقضايا التظاهر أو التعبير عن الرأي على الإنترنت، فقرار الحبس يكون متخذا قبل التحقيق، وتندر حالات إخلاء السبيل، وتقل عن 1% إذا كانت التهم مثل التظاهر أو انتقاد نظام الحكم على الإنترنت، أو إهانة رئيس الجمهورية أو الانضمام لجماعة، بالإضافة إلى العملية الروتينية البطيئة والمعقدة، فمنذ عام 2013 وهناك دوائر قضائية مخصصة لقضايا الإرهاب، لكنها تشمل أيضا إجراء المحاكمات لقضايا التظاهر، وباقي التهم ذات الطابع السياسي واستخدام الإنترنت. ويكون الحبس في هذه القضايا مجرد إجراء روتيني، قبل إجراء أي تحقيق، ويتم التجديد بشكل تلقائي، وقد تظل القضية سنوات طويلة في المحاكم، قبل أن يصدر حكم بالإدانة أو البراءة.
وأخيرا، ربما فرح بعضهم بعد قرار الإفراج والعفو الرئاسي عن بعض الشباب المحكوم عليهم منذ سنوات طويلة في قضايا غير متعلقة بالعنف والإرهاب، وظهرت كتابات في وسائل إعلام محسوبة على السلطة تشيد بتلك الخطوة، وتعتبرها دليلا على حكمة مَن في السلطة. ولكن سريعا، وبعد عدة أيام، كانت هناك موجات جديدة من زيارات الفجر، والقبض على شباب جدد بالتهم المحفوظة نفسها. وكان التركيز هذه المرة على أسماء معروفة، ولها جمهور كنوع من أنواع الإرهاب لآخرين، يخرج عدة مئات في قرارات العفو الموسمية، لكن أضعاف عددهم يتم حبسهم بالتهم نفسها كل فترة، بسبب تدوينةٍ هنا أو تغريدةٍ هناك، والتهم لا تتغير، الانضمام لجماعة بخلاف القانون، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك كان بيان وزارة الخارجية المصرية مضحكا، عندما زعموا أنه لا توجد حالة حبس بناء على رأى سياسي، أو انتقاد للنظام، وأن الحكومة المصرية تقدّس حقوق الإنسان.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017