مصر: بدء تطبيق خطة فصل الموظفين بحجج أمنية

08 أكتوبر 2019
(محمد مصطفى/Getty)
+ الخط -

أعلنت وزارة التربية والتعليم في مصر عن قرار حديث وقّعه الوزير طارق شوقي هذا الأسبوع، بفصل 1070 معلماً، بدعوى أن لهم انتماءات سياسية لـ"جماعات محظورة" أو سبق وصدرت ضدهم أحكام جنائية، ولا يصلحون للعمل بالتدريس. جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده شوقي، أمس الاثنين، في مقر الوزارة، قبل أن يعلن أنه يتم بحث التعاقد مع 120 ألف معلم لمدة عام تُجدد لمدة 3 سنوات، واتخاذ إجراءات أخرى لزيادة دخل المعلمين مقابل تحمّلهم حصصاً إضافية. ويأتي إعلان هذا القرار كأول تأكيد حكومي لما نشرته "العربي الجديد" في سبتمبر/أيلول ومارس/آذار من العام الماضي، عن بدء الحكومة المصرية خطوة جديدة للتنكيل بجماعة "الإخوان المسلمين" وامتداداتها في المجتمع المصري، بإصدار قرارات بفصل عشرات الموظفين من الوزارات الخدمية وكذلك في الجهات الحساسة في الدولة، ونقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية، بحجة انتمائهم أو انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة إلى جماعة "الإخوان"، واستحالة إسناد مهام عالية المستوى لهم بسبب "حظرهم أمنياً".

وتم فصل هؤلاء المعلمين تنفيذاً لبرنامج سري وضعه الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، يهدف إلى خفض أعداد الموظفين الحكوميين إلى نحو 4 ملايين موظف في نهاية عام 2021، وذلك بإجراء تحريات أمنية غير اعتيادية على الموظفين الحاليين، فضلاً عن آلاف الموظفين المحبوسين احتياطياً، الذين سافروا في إعارات أو انتدابات خارج مصر بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 والإطاحة بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، للعمل في دول عربية أو خليجية، بهدف إجبارهم على تقديم استقالاتهم وإخلاء عدد كبير من الدرجات المالية والوظيفية في مختلف الجهات الحكومية.

وبدأت العديد من المؤسسات التابعة للحكومة المصرية، الإعلان عن فتح باب المعاش المبكر (التقاعد) للعاملين، في خطوة اعتبرها نقابيون بمثابة "تسريح طوعي"، قبل البدء في عمليات تسريح إلزامية واسعة النطاق تحت ذرائع عدة، بهدف تقليص أعداد العاملين في القطاع العام، خصوصاً مع إحياء نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي برنامج الخصخصة، عبر طرح العشرات من الشركات في البورصة، وبيع الأراضي والأصول التابعة لها. ووفقاً لمصدر مسؤول في "الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة"، فإن هناك 4.2 ملايين موظف في 722 جهة ومصلحة حكومية مُهددون بالفصل من الخدمة، بسبب "عدم إتقانهم استخدام الكمبيوتر، ووسائل التواصل الحديثة".

وشهد مجلس النواب ووزارتا الخارجية والعدل أخيراً، وقائع فصل المئات من الوظيفة العامة أو نقلهم إلى هيئات خدمية، لا تتناسب مع خبراتهم أو مؤهلاتهم الجامعية، إثر إجراء تحريات أمنية واسعة على جميع الموظفين العاملين في الجهات "السيادية" في الدولة، وذلك تأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" في وقت سابق، عن تنفيذ برنامج سري وضعه "الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة" لتقليص أعداد العاملين في الدولة.

وكان جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية قد أرسل إلى النيابتين العامة والعسكرية قوائم كاملة بجميع الموظفين الحكوميين المحبوسين احتياطياً والمدانين في قضايا عنف أو تظاهر أو الانضمام لجماعة "الإخوان المسلمين" وأي جماعات أخرى، وتم توزيعها بصورة مقسمة جغرافياً على فروع النيابة الإدارية في المحافظات المختلفة، لتفتح الأخيرة (وهي الهيئة القضائية المنوطة دستورياً بالتحقيق مع الموظفين) تحقيقات صورية في مدى انتظام عمل هؤلاء الموظفين المحبوسين، ومدى حاجة أعمالهم إليهم. وفي مرحلة لاحقة، أجريت تحريات أمنية تمتد إلى درجة القرابة الرابعة لاستبعاد الموظفين الأقارب للمتهمين أو المحكومين في قضايا "الإخوان".



وتتكامل هذه الخطة مع خطة السيسي للتنكيل بجماعة "الإخوان" وتجفيف البيئات التي قد تبدي تعاطفاً معها، وهي الخطة التي بلغت ذروتها نهاية العام الماضي بإصدار قرار هو الأول من نوعه في تاريخ الجماعة، بمصادرة كل الأموال والممتلكات التابعة لـ1589 شخصاً من قيادات الجماعة والمتهمين بتمويل الجماعة، تطبيقاً لقانون أصدره السيسي في إبريل/نيسان 2018 يسمح بمصادرة الأموال المتحفظ عليها، والتصرف فيها، تحسباً لصدور أحكام ببطلان الإجراءات التحفظية المتخذة بشأنها منذ 2013.

وقالت مصادر حكومية إن اللجوء إلى هذه الخطوة يهدف إلى أمر آخر غير التنكيل بجماعة "الإخوان" وتفكيك حواضنها الاجتماعية المحتملة، ويتمثّل في خفض أعداد الموظفين الذين تطمح الحكومة إلى فصلهم من الوظيفة العامة أو تخفيض رواتبهم، بدعوى تعاطيهم المخدرات والمسكرات. وهو الإجراء الذي كانت الحكومة قد بدأت بتنفيذه العام الماضي، ولكنها واجهت مشاكل قانونية تتعلق بإمكانية عودة هؤلاء الموظفين لأعمالهم بواسطة رفع دعاوى قضائية، مستغلين ثغرة غياب النص التشريعي الذي يسمح للحكومة بوقف الموظف أو فصله في حالة تعاطيه المخدرات أو المسكرات طالما لم يؤثر هذا سلباً على أدائه الوظيفي.

وأضافت المصادر أنه إلى جانب المعلمين المفصولين، فقد تم فصل 200 موظف في مجلس النواب ووزارتي الخارجية والعدل، من الوظيفة العامة أو نقلهم إلى هيئات خدمية لا تناسب خبراتهم أو مؤهلاتهم تابعة لوزارات النقل والزراعة والتعليم، وذلك بعدما أجريت تحريات أمنية واسعة على جميع الموظفين العاملين في كل الجهات الحساسة بالدولة، في الفترة من شهر إبريل إلى شهر يوليو/تموز الماضيين، ونتج عنها تحديد أسماء هؤلاء الموظفين الذين تم استبعادهم.

ولا يقتصر الأمر على الموظفين المقيمين في مصر؛ فبحسب المصادر، أرسلت بعض الأجهزة الرقابية، كالجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز التنظيم والإدارة، تعميمات بعودة العديد من موظفيها الحاصلين على إجازات من دون مرتب للعمل خارج مصر. وادّعت التحريات الأمنية انتماءهم لجماعة "الإخوان" أو معارضتهم للنظام الحالي، طالبة منهم ضرورة قطع إجازاتهم والعودة إلى مصر أو الاستقالة والاستمرار في الخارج، وهو ما حدث في الربيع الماضي في قطاعات التعليم والصحة والبترول.

ووفقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة (2030) التي أعلنها السيسي العام الماضي، تعوّل الحكومة على اتّباع آلية التقاعد المبكر المذكورة في قانون الخدمة المدنية الجديد، مع حظر التعيينات الجديدة نهائياً، إلا في صورة تعاقدات مؤقتة كالتي ترغب وزارة التعليم في تطبيقها، أو عقود استشارية مؤقتة، أو في الجهات ذات الطابع الاستثنائي التابعة لرئاسة الجمهورية، للتخلص من 50 في المائة على الأقل من الرقم المراد تخفيضه، وهو مليونا موظف، حتى يصل الجهاز الحكومي إلى حوالي 3.9 ملايين موظف فقط بعد عامين. علماً أن العدد الحالي للموظفين هو 5.8 ملايين موظف تقريباً، منهم 5 ملايين في الجهاز الإداري الأساسي، و800 ألف يتبعون لقطاع الأعمال العام المكوّن من الشركات القابضة والتابعة التي تديرها الحكومة وتساهم فيها مع مستثمرين آخرين.