30 حالة اغتصاب تم توثيقها بمصر في مرحلة ما بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013. المغتصبات أجمعن على أن الهدف كان كسر إرادة المتظاهرات المطالبات بعودة الشرعية، وتخويف نظيراتهن من الراغبات في التظاهر عبر بث الرعب في المجتمع.
"في البداية اختطفوني ثم أخفوني بمقر احتجاز سري، عصبوا عيني، شدوا الوثاق على يدي، تحرشوا بي، شعرت بنواياهم، رجوتهم ألا يفعلوا ذلك، لم تشفع دموعي لديهم، صرخت فهددوني بالقتل، واصلت الصراخ، فعلوا ما أرادو، وكرروا الفعلة بذات الوحشية عدة مرات طوال اليوم، واصلت الصراخ، أنهوا جريمتهم ثم أطلقوا سراحي" - تقول "ع" – ضحية اغتصاب من قبل عناصر الشرطة. قررت أن لا تشير إلى شخصيتها الحقيقية، ليس خجلا، فهي المجني عليها على أي حال، ولكن مراعاة لظروف عائلية، وللأعراف والتقاليد المجتمعية.
"ع" واحدة من بين 30 سيدة وفتاة مصرية تعرضن لعمليات اغتصاب ممنهجة داخل مقار شرطية "سرية ومعروفة"، بعضهن لم يَكُنَّ من المشاركات في التظاهرات المناهضة للسلطات العسكرية، إذ اختطفن من قبل قوات الشرطة، بعدما اشتبه فيهن لارتدائهن "النقاب أو الخمار" فيما أوقع الحظ العاثر بعضهن بالقرب من تظاهرات رافضة للانقلاب العسكري.
الجريمة أنك متظاهرة!
"اعتقلت نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أمام باب جامعتي الحكومية على أيدي قوات شرطية، عقب مسيرة رافضة للانقلاب العسكري، واحتجزت لأكثر من خمس ساعات في سيارة ترحيلات قبل نقلي إلى أحد أقسام الشرطة بوسط القاهرة"، تقول "و" الطالبة الجامعية - تبدو متماسكة غير أنها بدأت في الانهيار وهي تروي تفاصيل دخولها قسم الشرطة حيث بدأت سلسلة من التحرشات الجسدية انتهت بالاغتصاب ، تتابع "شعرت بالرعب بعد أن أنزلني الجنود إلى قبو القسم لبدء التحقيق معي".
ضابطٌ يحمل رتبة عقيد، قالت "و" التي لا تزال تذكر ملامحه جيداً، لم يدوّن أياً من اعترافاتها في محضر رسمي، بل قام بسؤالها عن "عذريتها" وهل لازالت بكرا أم لا؟ ، مضيفاً أن تحقيقاته تشير إلى أنه ألقي القبض عليها من "شقة لممارسة الدعارة".
أنكرت "و" التهمة رافضة المسّ بشرفها، فهجم عليها الضابط ملامساً بيده أعضاءها، قاومته فضربها بعنف، مهدداً إياها بالاغتصاب في حال لم تعترف بأنها تعمل في بيوت الدعارة، رفضت، واصل ضربها والتحرش بها، حتى تدخّل ضابط آخر أنقذها، وأعادها إلى محبسها مرة ثانية.
في اليوم التالي ظهراً، عاود الضابط الذي اعتدى على "و" التحقيق معها مجدداً، بدا عليه أنه يريد منها شيئاً غير التحقيق، لحظات وأشار بيديه لشخصين، أمسكاها، قطّعا ملابسها، لكن ارتداءها ملابس شتوية محكمة الغلق حال دون تعريتها سريعاً، فشعروا بالغضب وانهالوا عليها ضرباً وتقطيعاً في ملابسها.
تعرضت "و" عارية لسلسلة من التحرشات، بكت، توسلت المعتدين أن يتصلوا بأهلها، أو أن يحضر أحدهم ملابس لها بدلا من تلك التي قطعت، قوبل طلبها بالرفض، واستمر تهديدها بالاغتصاب.
أحضروها للتحقيق مرة ثانية وهي عارية، أحضروا معها شاباً مقيدا، يبدو عليه التعذيب الشديد، ضربوه بـ"الكرباج" أمامها، صرخت، ورفضت الاعتراف بما طالبها به الضابط.
"لحظات واغتصبني الضابط ومعه الجنود الثلاثة فأغمي علي، وعندما أفقت وجدت نفسي عارية لأستمر على هذا الحال ثلاثة أيام حتى أحضروا لي ملابس، ثم نقلوني بسيارة شرطية إلى منطقة نائية وأطلقوا سراحي" - قالت "و" - التي لن تتعافى من آلام التجربة خصوصاً أنه لا يمكنها أن تحصل على حقها ليحاكم المغتصب ومن معه بعد أن دمر حياتها للأبد.
أصداء ما جرى لـ"و" وقبلها "ع" وأخريات وصلت العديد من المنظمات الحقوقية، إذ أصدرت 16 منظمة حقوقية مصرية، في منتصف فبراير/ شباط الماضي، تقريرا يرصد عمليات تعذيب، واعتداءات جنسية، وفحوص عذرية واغتصاب، تقوم بها الشرطة بحق المعتقلين والمعتقلات، ودعت إلى التحقيق فيها، وأعربت المنظمات عن خشيتها من وجود حالات كثيرة رفض ضحاياها أن يرووا ما حدث لهم فيها خشية من رد فعل ضباط الأقسام أو السجون.
ووفقاً للتقرير، فإن المنظمات الحقوقية وثّقت بعض الشهادات عن إجراء فحوصات مهبلية بسجن القناطر للنساء المحتجزات دون موافقتهن، من اللواتي تم القبض عليهن في أحداث مختلفة، من ضمنها الذكرى الثالثة للثورة 25 يناير الماضي، بالإضافة إلى شهادات أخرى حول اعتداءات جنسية قامت بها قوات الشرطة ضد المحتجزات في العديد من أقسام الشرطة، وأثناء القبض عليهن في التظاهرات.
مقارّ سرية للاغتصاب
"غير بعيد عن مقار الاحتجاز العلنية التي اغتصبت الفتيات بها توجد أخرى سرّية" يقول أحمد مفرح - الباحث القانوني بمؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان - وأضاف أن سلطات الحكم العسكري في مصر تخطف النشطاء، وتعتقلهم في سجون سرية في المناطق الصحراوية، حيث يتعرضون للتعذيب، والاعتداء الجنسي أثناء الاستجواب.
وكشف مفرح عن حالة اغتصاب لمعتقلة، اختطفها شرطيون في فبراير/ شباط الماضي، عقب تظاهرة مناهضة للانقلاب العسكري ثم نقلت إلى مقر احتجاز سري، عبارة عن بناية مكونة من عدة أدوار حيث تم عصب عينيها خلال التحقيق معها، ثم تعرضت لجريمة اغتصاب كاملة، مشيرا إلى أن المعتقلة رأت خلال فترة احتجازها عددا من الفتيات تعرضن معها للاعتداءات الجنسية نفسها.
الواقعة التي وثقها الحقوقي أحمد مفرح، تشير إلى وجود مقر سري يبعد ساعتين عن مدخل طريق "القاهرة - الإسكندرية" باتجاه الشمال، توصلنا إلى الضحية التي وثقها الحقوقي مفرح، التي أكدت وقوع انتهاكات جنسية واسعة النطاق ترتكب ضد شباب ذكور وإناث اختطفتهم قوات الشرطة. عددهم يتجاوز العشرة، تعرفت إلى ثلاث منهن خلال فترة احتجازها.
"أ" فتاة منقبة، من بين من تعرضن للاغتصاب في المقر السري بطريق "القاهرة - الإسكندرية" روت ما جرى معها هي وأخريات منتصف فبراير/ شباط الماضي، إذ اختطفت في سيارة "ملاكي" يستقلها ثلاثة رجال شرطة يرتدون الزي الرسمي، أسرعت بها السيارة إلى طريق "القاهرة ـ الإسكندرية" الصحراوي ثم نقلت إلى سيارة ترحيلات، وجدت فيها عدداً من الشباب "ذكور وإناث"، يتجاوز الـ"20"، ووضعت على أعينهم جميعا عصابات من قماش تحجب الرؤية، ولكن "أ" نجحت في أن ترى بوضوح ضابطاً يشرف على نقلهم لسيارة الترحيلات.
"أ" قالت إن سيارة الترحيلات تحركت لمدة ساعتين تقريبا على خط مستقيم، في إشارة إلى أن السيارة واصلت طريقها باتجاه الإسكندرية، حتى استقرت بمكان هادئ لا يسمع فيه أي صوت، ثم قام رجال الشرطة باصطحابهم إلى دور ثان من بناية غير مكتملة التجهيز.
لم تمر ساعات على تواجد الشباب المعتقلين في البناية حتى بدأت حفلات اغتصاب جماعي لهم جميعاً، "أ" تعرضت للاغتصاب مرتين من قبل شخصين، وهي معصوبة العينين، وفي صباح اليوم التالي نقلت هي وأخريات، معصوبي الأعين، بسيارة شرطية إلى منطقة نائية بطريق الإسكندرية ـ مطروح، وتركوهم هناك.
أبرز أماكن الاغتصاب
بحسب توثيق ناشطات مهتمات بأوضاع المعتقلات من السيدات والفتيات - تحفظن على ذكر أسمائهن لاعتبارات أمنية واجتماعية - فإن جرائم الاغتصاب عقب الانقلاب العسكري، بلغت نحو 30 حالة، موثقة بشكل كامل، منها ما وقع بأقسام شرطية ومديريات أمن وسجون، مثل أقسام الأزبكية، وثاني مدينة نصر، والوايلي، وحدائق القبة، ومديرية أمن الإسكندرية، وسجني القناطر والأبعدية، فضلا عن حالات اغتصاب أخرى في مقار احتجاز سرية غير رسمية.
الشهادات الموثقة لحالات الاغتصاب أكدت أن رجال الشرطة هم من قاموا بجريمة الاغتصاب، كما شاركتهم عناصر من الجيش، وهو ما ذكرته أكثر من شهادة من داخل سجن الأبعدية، بمدينة دمنهور شمالي مصر، حيث تحدثت الشهادات بأن عناصر من الجيش ملثمين وغير ملثمين يرتدون زي رجال الصاعقة شاركوا في حفلات اغتصاب جماعية ضد ثمان من السيدات المعتقلات.
لعل من نافلة القول أن جرائم التحرش والانتهاك الجنسي من قبل الأجهزة الأمنية تجاه السيدات، كانت تمارس على استحياء، قبل ثورة 25 يناير ولكن بعد خلع الثورة للرئيس السابق مبارك قامت قوات من الجيش، وتحديداً من الشرطة العسكرية، بما سمته "كشوف العذرية" للمتظاهرات والمعتصمات بميدان التحرير أوائل مارس 2011 داخل المتحف المصري، بإشراف مدير المخابرات الحربية آنذاك اللواء عبدالفتاح السيسي، والذي اعترف بها في ما بعد، معللا ذلك بـأن "الجيش وقع كشوف العذرية لحماية نفسه من احتمالية ادعاء المحتجات على أفراده بالاغتصاب".
عقب اعتراف السيسي، قضت محكمة القضاء الإدارى نهاية عام 2011 باعتبار عمليات كشوف العذرية جريمة جنائية يعاقب عليها القانون، ومخالفة للقانون والدستور، وفي رد سريع منها، قضت المحكمة العسكرية بتبرئة طبيب الجيش المتهم في قضية "كشوف العذرية" وكأن شيئاً لم يكن.
اغتصاب الرجال
وقائع الاغتصاب لم تكن من نصيب الفتيات والسيدات فقط، إذ وثّق ناشطون جرائم اغتصاب لرجال داخل أقسام شرطية وسجون ومقار احتجاز سرية، منها ما أعلنه المرصد المصري للحقوق والحريات في تقرير له في مارس/ آذار الماضي، رصد فيه ثلاث حالات اغتصاب لذكور بمقار احتجاز شرطية، هم عمر جمال متولي، وأحمد حسن عمران، وثالث تحفظوا على ذكر اسمه.
وبحسب الحقوقي هيثم أبو خليل - مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان - فإن الطالب "م – ر" بالفرقة الثانية كلية العلوم جامعة الأزهر، ويسكن في كفر الدوار، عضو بحزب النور، تعرض لجريمة اغتصاب كاملة، بعدما ألقي القبض عليه فبراير/ شباط الماضي بصحبة زميل له في كمين بمنطقة الجبل الأحمر بالحي السادس بمدينة نصر شرق القاهرة لاحتواء هاتفه المحمول على "شعار رابعة" ومقطع مصور لمظاهرة مناهضة للانقلاب.
وقال أبو خليل إن الطالب نقل إلى قسم ثاني مدينة نصر، وهناك وأثناء التحقيق معه، جرد من ملابسه، وضرب بعصا وتعرض للكمات في مناطق حساسة، ثم هتك عرضه باليد، ثم اغتصب بشكل كامل، وهدده الضابط حينها ببث فيديو لجريمة اغتصابه في حال تقدمه ببلاغ أو شكوى لأي جهة.
"السجون المصرية لا تخضع لأي رقابة حقيقية، والهدف من الاعتداء الجنسي، والاغتصاب، هو إذلال المعتقلين وتقويض معنوياتهم" يقول محمد أبو العزم المحامي والناشط الحقوقي.
وأوضح أبو العزم أن حالات الاغتصاب للرجال والنساء داخل السجون، ومقار الاحتجاز المصرية جرائم ضد الإنسانية، بموجب القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية الخاصة بالرق والممارسات الشبيهة بالرق، واتفاقية استئصال كافة أشكال التمييز العنصري، واتفاقية منع التعذيب التي اعتبرت الاغتصاب نوعاً من أنواع التعذيب الجسدي.
التحليل النفسي
ويحلل الطبيب المتخصص في التأهيل والعلاج النفسي الدكتور مصطفى أبو العزايم شخصية مرتكب جريمة الاغتصاب من رجال الشرطة بالقول إن العاملين بالجهاز الأمني بنيت ثقافتهم على العنف وعدم المحاسبة، كما أن بعضهم مرضى نفسيون، يعرفون بالأشخاص "السيكوباتيين" (معادون للمجتمع)، ممن يتلذذون بتعذيب ضحاياهم (ساديون)، دون أدنى شعور بتأنيب الضمير.
أما عن اللواتي يتعرضن لجريمة الاغتصاب، فيشير "أبو العزايم" إلى أنهن يمرّن بالتأكيد بصدمة نفسية، تعرف بـ"اضطراب نفسي" تتنوع درجته من طفيف إلى شديد بحسب القدرة النفسية للفتاة الواقع عليها جرم الاعتداء، وأن كثيراً من الحالات التي تعامل معها اصيبت في البداية بحالة ذهول، ثم اكتئاب شديد.
ويكمل بالقول "الاضطراب النفسي يؤثر على سلوكيات وشخصية المغتصبة، وقد يؤدي بها إلى مرض نفسي، وربما مرض عقلي، خصوصا أنها قد تعرضت لتجربة مريعة، مشددا على ضرورة التدخل السريع لفريق نفسي متخصص للتعامل مع الفتيات الواقع عليهن الضرر، وعلى ضرورة تعاون الأسرة لتجاوز ابنتهم هذه التجربة الصعبة، خصوصا أنه لا يد لها في ما جرى، فهي مجني عليها".