لا تزال حملة الاعتقالات التي تشنها الأجهزة الأمنية المصرية على الناشطين السياسيين، والقيادات الحزبية والنقابية، والقوى المعارضة، مستمرة في عدد من المحافظات والمدن، تزامناً مع دعوات النزول إلى الشوارع والميادين العامة في مليونية حاشدة، يوم الجمعة المقبل، للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ووصفت قوى سياسية مصرية المداهمات المتواصلة بأنها "اعتقالات سبتمبر جديدة"، في إشارة إلى حملة الاعتقالات التي شنّها الرئيس الراحل أنور السادات، في 3 سبتمبر/ أيلول 1981، من أجل قمع السياسيين المعارضين لاتفاقية "كامب ديفيد"، وسط توقعات بحدوث حراك شعبي واسع في مواجهة الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تمر بها مصر حالياً.
وشهدت نقابتا المحامين والصحافيين في القاهرة إجراءات أمنية مشددة، من خلال نشر كثير من المدرعات في محيط كل نقابة، الأمر الذي تسبب في حالة من التكدّس المروري بكافة شوارع وسط القاهرة، وشعور الأهالي بسخط عام إزاء التشديدات الأمنية. كما شنت قوات الأمن حملات على الفنادق والشقق السكنية المفروشة في القاهرة، في إطار توسيع دائرة الاشتباه السياسي.
وعاد "زوار الفجر" من جديد خلال الساعات الماضية، من خلال اقتحام قوات الأمن عدداً من المنازل فجراً، في محافظات القاهرة والشرقية والدقهلية والإسكندرية والسويس، ومدينة المحلة في محافظة الغربية، بغرض القبض على الناشطين السياسيين، والمنتمين للأحزاب السياسية المعارضة، واحتجاز أهل من لم يجدوهم كرهائن، بعد التعدي عليهم بالضرب وترويعهم.
واعتبر عدد من المحامين أن عدم عثور الأهالي على ذويهم المقبوض عليهم في الشوارع والميادين العامة، أو المعتقلين من منازلهم، يعدّ "جريمة" في حق النظام، ودولة القانون، وقد طالبوا أجهزة الأمن بالكشف فوراً عن أماكن احتجازهم، والموقف القانوني لهم.
في موازاة ذلك، فرضت قوات الأمن حصاراً مشدداً في محيط الجامعات، بالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، خاصة جامعات الأزهر والقاهرة وعين شمس وحلوان. وطلب رؤساء الجامعات من الأمن الإداري التابع لها "زيادة إجراءات التفتيش، ومنع دخول أي شخص لا يدرس بالجامعة، ومنع أي مظاهرات احتجاجية داخل حرم الجامعة إلا بتصريح مسبق".
كذلك طالب رؤساء الجامعات الأمن الإداري بالمرور لمعرفة تجمعات الطلاب، ومنع كتابة أي شيء على جدران الحوائط في الكليات، وإلقاء القبض على أي مخالف للتعليمات، وإحالته إلى الأجهزة الأمنية المسؤولة على وجه السرعة، وهو ما يُنذر بتصاعد حدة المواجهات بين الإدارات الجامعية والطلاب، لا سيما أن هناك دعوات غير معلنة إلى التظاهر داخل الجامعات خلال الأيام القليلة المقبلة.
وفي ظهوره الثاني ضمن سلسلة اللقاءات بمختلف أفرع وتشكيلات ووحدات القوات المسلحة، لاحتواء حالة التململ والغضب واللغط في صفوف الجيش، بسبب ما تضمنته مقاطع الفيديو التي نشرها المقاول والممثل محمد علي من معلومات عن فساد مشروعات الجيش والرئاسة، بعيداً عن الرقابة والمحاسبة، قال وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد زكي، لمجموعة من قوات المنطقة الشمالية العسكرية والقوات البحرية إن "رجال القوات المسلحة أقسموا على الدفاع عن أمن وسلامة الوطن وقدسية ترابه بأرواحهم ودمائهم مهما كلفهم ذلك من تضحيات، وسنتصدى بكل حسم لكل من تسول له نفسه المساس بأمن مصر".
وتأتي هذه اللقاءات بالتوازي مع تشكيل لجان تحقيق داخلية بقرار من وزير الدفاع لمراجعة بعض المشروعات وتجاوزات الضباط والمجندين المشرفين عليها، وكذلك مراجعة ملفات المقاولين المتعاقدين مع الهيئة الهندسية للجيش، ومجموعة من القادة السابقين الذين يملكون، هم وأبناؤهم، شركات تتعامل مع القوات المسلحة.
وكان اللقاء الأول الذي يجريه وزير الدفاع في هذا الصدد، الأربعاء الماضي، حيث اجتمع مع قادة وضباط وجنود قوات الصاعقة والمظلات، علما أن الوزير نفسه كان قائدا لقوات المظلات في الفترة بين 2009 و2012 عندما تم تعيينه قائدا للحرس الجمهوري.
ووفقاً لبيان عسكري، أعرب زكي عن "اعتزازه بالنجاحات التي تحققت للقضاء على الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، والتي يخوضها أبطال القوات المسلحة والشرطة بكل بسالة"، ثم "نقل لهم تحيات وتقدير رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي القائد الأعلى للقوات المسلحة، لجهودهم المبذولة في تأمين حدود مصر الشمالية والمياه الإقليمية ضد المخاطر والتحديات".
وأضاف أن "القوات المسلحة مستمرة بكل قوة نحو تطوير قدراتها القتالية والفنية وفقاً لأحدث النظم العالمية في كافة الأسلحة والتخصصات لحماية الأمن القومي المصري على كافة الاتجاهات، وفتح آفاق جديدة للتعاون العسكري والشراكة مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة لإرساء دعائم الأمن والاستقرار ومواجهة المخاطر والتحديات التي تموج بها المنطقة".
يذكر أن السيسي خصص جزءاً كبيراً من حديثه الأخير في مؤتمر الشباب الثامن، يوم السبت 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، لردّ الاعتبار للمؤسسة العسكرية، بعد ما لحق بها من سخرية وانتقادات واتهامات على خلفية مقاطع فيديو محمد علي، حيث ركّز السيسي على الإشادة بالجيش والحديث المتكرّر عن "أفضاله على مصر" وكونه "المحور الرئيس للتنمية وتنفيذ سياساته" ووصفه بأنّه "مؤسسة مغلقة ويجب الحفاظ على خصوصيتها"، وأنّه "لا يسمح إنو يكون في حد مش كويس ويستمر".
من جانبها، دانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة مجتمع مدني)، حملات القبض العشوائي، والاعتقالات التي طاولت المتظاهرين في محافظات عدة، مطالبة بالإفراج الفوري، وغير المشروط، عن جميع المحتجزين، بعدما حملت الحكومة المصرية المسؤولية كاملة عن سلامتهم البدنية، وكرامتهم الإنسانية.
وأكدت المفوضية على "حق المواطنين في ممارسة كافة أشكال الاحتجاج والتظاهر السلمي، ومسؤولية الدولة إزاء حماية واحترام هذا الحق، مشددة على أنه لا يجوز للسلطات تقييد حق المواطنين في التجمع السلمي، والتعبير عن مطالبهم وآرائهم، أو إلقاء القبض عليهم، أو إساءة معاملتهم، لمجرد ممارستهم للحقوق المحمية بموجب المواد 65 و73 و52 و55 من دستور مصر، والمواد 9 (1) و10 و19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966".
وقالت المفوضية في بيان، اليوم الثلاثاء، إن "حركات الاحتجاجات السلمية المطالبة برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي، امتدت إلى 14 محافظة مصرية، وشهدت اعتقال 308 متظاهرين في القاهرة، و23 متظاهراً في الإسكندرية، و20 متظاهراً في الغربية، و17 متظاهراً في السويس، و10 متظاهرين في الدقهلية، و5 متظاهرين في القليوبية، و4 متظاهرين في دمياط".
كما شمل حصر المفوضية اعتقال 3 متظاهرين في محافظة الشرقية، ومتظاهرين اثنين في مرسى مطروح، ومعتقل واحد في كل من محافظات البحيرة، كفر الشيخ، أسيوط، وبني سويف؛ وأخيرا 237 معتقلاً غير معلومين، و37 معتقلاً رفضت أسرهم الحديث عنهم.
كانت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" قد أقامت غرفة طوارئ لمتابعة الأحداث الراهنة، وتقديم الدعم القانوني للمواطنين، وقد تلقت بلاغات بوقائع الاعتقال وبيانات المعتقلين، وعلى إثرها تحرك محامو المفوضية لمتابعة المبلغ عنهم في أماكن الاحتجاز، وأقسام الشرطة.
وتتابع المفوضية حالياً أوضاع المعتقلين، والإجراءات القانونية المناسبة، بعدما خصصت رقماً للطوارئ في حالة تعرض أي شخص للاعتقال، أو لطلب المساعدة القانونية، والإبلاغ عن أية انتهاكات لحقوق الإنسان، على أن تنشر تحديث بأسماء حالات الاعتقال، وآخر التطورات والبلاغات، فور تلقيها.
وختمت المفوضية بيانها، بالتأكيد على ضرورة إيفاء الحكومة المصرية بالتزاماتها الدستورية والقانونية، في إطار حماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وحق التجمع والتظاهر السلمي.