مصر: اتصالات لمنع الاعتراض على استثمار الجامعات الحكومية

24 ديسمبر 2017
الاتصالات تركز على إضفاء الدستورية على المشروع(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت مصادر حكومية مصرية عن إجراء اتصالات سرية بين الدائرة الخاصة بالرئيس عبد الفتاح السيسي ومجلس الوزراء من جهة، وبين مجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى من جهة أخرى، لمنع اعتراض أي من الأخيرين على مشروع تعديل قانون الجامعات الذي يسمح للمرة الأولى للجامعات الحكومية بممارسة أنشطة هادفة للربح أو المساهمة في ذلك مع مستثمرين آخرين، وهو ما يعتبر تغييراً مبدئياً في سياسة التعامل الحكومي مع التعليم العالي، في سبيل تخفيف أعباء الإنفاق على هذا البند من الموازنة العامة للدولة.

وقالت المصادر إن الحكومة علمت بوجود معارضة قضائية لتمرير هذا المشروع الذي مازال يراجع في مجلس الدولة وفقاً للمادة 190 من الدستور، كما سيعرض على مجلس القضاء الأعلى لأخذ رأيه في بعض بنوده المتعلقة بالإجراءات القضائية، وذلك لشبهة تعارضه الصريحة مع المادة 21 من الدستور الحالي التي تنص على أن "تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها... وتعمل على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية (أي الخاصة التي لا تبتغي الربح)، وتلتزم بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية".

وانتبهت الحكومة لهذه الممانعة بعدما وجّهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في شهر يونيو/حزيران الماضي، ضربة غير مباشرة لمخطط خصخصة التعليم العالي والجامعات، حسماً لمسألة كانت قد أثارت خلافاً داخل الحكومة، وعرضها وزير التعليم العالي السابق على مجلس الدولة، وتتعلّق بمدى جواز مساهمة شركة قناة السويس لتوطين التكنولوجيا (التي يرأسها حالياً وزير التعليم السابق أحمد زكي بدر وتملك أسهمها مجموعة من البنوك وشركات التأمين)، في رأس مال جامعة 6 أكتوبر الخاصة، إحدى أبرز الجامعات الخاصة في مصر، ومدى جواز مشاركة الشركة مع الجامعة في تأسيس شركات تجارية مساهمة للمرة الأولى.

ورفضت الفتوى –التي نشرتها "العربي الجديد" في يوليو/تموز الماضي- تلك المشاركة، مؤكدة عدم دستورية ممارسة أي جامعة سواء كانت خاصة أو حكومية للأنشطة الهادفة للربح، استناداً إلى أن الدساتير المتعاقبة منذ 1971 ومواكبة منها لزيادة نسبة التعليم وتلبية احتياجات المجتمع من التخصصات العلمية الحديثة، ألزمت الدولة بالإشراف على التعليم كله وكفالة استقلال الجامعات والبحث العلمي، باعتباره من المقومات الأساسية للمجتمع، وحرصت على تكريس دور الدولة في هذا المجال، فألقي على عاتقها كفالة استقلال المؤسسات التعليمية وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة التعليمية، وتطويره بالتعاون مع القطاعين الخاص والأهلي ومساهمة المصريين بالخارج.

وشرحت الفتوى الفارق بين تحقيق الجامعات عموماً للربح جراء الفارق بين مواردها ومصروفاتها وبين أن يكون غرضها تحقيق الربح، بأنه "يجب عليها ألا تقدم قصد المضاربة على غرض التعليم والبحث العلمي"، مشددة على أنه "لا يجوز لأية جامعة حكومية أو خاصة إنشاء شركات مساهمة أو المشاركة فيها مع مستثمرين، لأن هذه الشركات يكون غرضها الأساسي أو الوحيد تحقيق الربح".


وكانت الحكومة ترغب في أن تصدر الفتوى بإجازة هذه الشراكة بين الجامعات الخاصة والشركات المساهمة لتحقيق أهداف عدة، أبرزها السماح للمستثمرين بمضاعفة رأس مال الجامعات والمعاهد الخاصة، وجذب قطاعات أكبر من المستثمرين للعمل في مجال التعليم العالي لسد احتياجات السوق، والتمهيد لإجراء الشراكة ذاتها بين الجامعات الحكومية والشركات المساهمة، والترويج لفكرة الاستثمار في مجال التعليم العالي كنشاط هادف ومحقق للربح حتى يستعد السوق لتطبيق فكرة تحويل الجامعات الحكومية إلى أهلية والسماح بتأسيسها لشركات مساهمة.

وأوضحت المصادر الحكومية نفسها أن الاتصالات السرية بين النظام والقضاء تركز على إضفاء الدستورية على المشروع قبل عرضه على البرلمان، لتغطيته قانونياً وتقليل المعارضة المنتظرة له، بزعم أن "ممارسة الأنشطة الهادفة للربح أو المساهمة مع مستثمرين آخرين، تهدف فقط إلى تمويل أنشطة البحث العلمي بالجامعات والمعاهد الحكومية التابعة لها"، رغم أن الحكومة لا تهتم في حقيقة الأمر بمسألة تمويل البحث العلمي، بل إن هذه الشراكة تستهدف في الأساس أن تتحمل كل جامعة نسبة محددة من نفقاتها، مع تخفيض المخصصات الأساسية لها من الخزانة العامة، وهو ما سيجبر الجامعات على عدم الاكتفاء بممارسة الأنشطة العلمية الهادفة للربح كإنشاء معاهد تقدم خدمات مدفوعة، بل سيمتد الأمر إلى المشاركة مع المستثمرين في تقديم خدمات مدفوعة لطلاب الجامعات ذاتها.

ودعت الاتصالات القضاة إلى "التخفيف من القيود الدستورية بشأن أنشطة الجامعات، أسوة بالموافقة التي منحها مجلس الدولة -على خلاف المتوقع- لمشروع قانون السكك الحديدية الشهر الماضي، للسماح لهيئة السكك الحديدية بمنح المستثمرين وحدهم أو بالاشتراك مع الحكومة، مشاريع إنشاء خطوط وشبكات السكك الحديدية الجديدة، للمرة الأولى في تاريخ مصر، استثناءً من أحكام قانون التزامات المرافق العامة الصادر عام 1947، وقانون منح  امتيازات استثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة الصادر عام 1958، واللذين كانا لا يسمحان بمثل هذه الشراكة في المرافق الحيوية والمشاريع القومية التي تتولى الدولة إدارتها حصرياً".

ويتكامل هذا الاتجاه الحكومي الذي يترجمه مشروع القانون المذكور مع خطة لتحويل الخدمات الجامعية الحكومية إلى خدمات مدفوعة بنسبة لا تقلّ عن 75 في المائة تدريجياً، والتدرّج في تحويل بعض الجامعات الإقليمية إلى جامعات أهلية، فيتشارك القطاع الخاص مع الدولة في إدارتها، ليتحمّل المستثمرون جزءاً من الأعباء التي تتحملها الدولة حالياً، على أنّ تكون الأولوية للمستثمرين المتخصصين في مجال التعليم والثقافة، أي بمعنى أدقّ إدارات الجامعات والمدارس والأكاديميات والمعاهد الخاصة الهادفة أصلاً إلى الربح.



المساهمون