تشهد مصر، منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، ارتفاعاً في وتيرة ظهور صحافيين وكتّاب مصريين، على شاشات التلفزة الإسرائيلية، للدفاع عن إطاحة الرئيس محمد مرسي، ومساهمة آخرين في إعداد دراسات لنصح إسرائيل حول كيفية كسر طوق المقاطعة التي تحاصرها.
أخيراً، تطوع الباحث المصري عبد الله صوالحة لإعداد دراسة لمصلحة مركز أبحاث مقرب من دوائر الحكم في تل أبيب، يتناول السبل الواجب على تل أبيب اتباعها لمواجهة حملات نزع الشرعية التي يشنها الفلسطينيون والمتضامنون معهم في أرجاء العالم.
وفي الوقت الذي تدعو فيه مجموعة من أساتذة جامعات الكيان الصهيوني، المجتمع الدولي لفرض عقوبات على تل أبيب، وهو الأمر الذي يترافق مع تعاظم المطالبات الدولية بفرض المقاطعة، رصد الدكتور عبد الله صوالحة، المحاضر والباحث في قسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الأنماط والتحركات التي تتخذها حملات نزع الشرعية عن إسرائيل والآليات الكفيلة بمواجهتها.
وقد ضمّن صوالحة تصوره هذا في بحث نشر في العدد الأخير من مجلة "تقييم إستراتيجي"، التي يصدرها "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، والذي يعتبر من أكثر مراكز التفكير الإسرائيلية ارتباطاً بمؤسسات الحكم.
وتحت عنوان "البيئة الإستراتيجية الجديدة لإسرائيل، تحدي القوة الناعمة"، دعا صوالحة صناع القرار في تل أبيب إلى القيام بخطوات عاجلة لمواجهة أعداء إسرائيل، الذين يعملون على تشويه صورتها، من خلال توظيف وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، ويستعينون بخدمات منظمات دولية.
وتوسع صوالحة في الحديث عن مخاطر التحركات الفلسطينية الهادفة إلى الانضمام للأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، وإمكانية أن يسفر هذا التطور عن مزيد من المس بمكانة إسرائيل.
وفي مقدمة بحثه، الذي نشر في النسختين العبرية والإنجليزية، كتب صوالحة: لقد حدث تحول على الوسائل التي يستخدمها أعداء إسرائيل في محاولاتهم المسّ بها، فنظراً لأن إسرائيل تمكنت من إلحاق هزيمة بـ"أعدائها، الذين هاجموها بالقوة الخشنة، ولأن هؤلاء الأعداء يدركون الآن أنه ليس بإمكانهم مواجهتها، بسبب الفائض في قوتها العسكرية، ومراكمتها عنصر الردع، وميل ميزان القوى الإستراتيجي لصالحها، فقد شرعوا في توظيف أدوات القوة الناعمة، وعلى رأسها حملات نزع الشرعية والمقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والصراعات القضائية"، على حد تعبيره.
ومن الأمثلة التي يسوقها صوالحة للتدليل على النجاحات التي حققها الفلسطينيون في مجال "القوة الناعمة"، تمكّنهم من إقناع إدارة موقع "غوغل"، بالإشارة إلى مناطق السلطة الفلسطينية كـ"فلسطين"، معتبراً أن هذا الاختراق يمثل اعترافاً سياسياً بدولة فلسطين. وشرح صوالحة الأسباب التي تفاقم خطورة اعتراف الأمم المتحدة بـ"دولة فلسطين"، وانضمامها لمنظمة "اليونسكو"، كتطور قد يحسّن من قدرة الفلسطينيين على المسّ بمكانة إسرائيل الدولية.
ويحثّ صوالحة صناع القرار في إسرائيل على إعداد إستراتيجية متكاملة من أجل مواجهة التحرك العربي والدولي الهادف لنزع الشرعية، عبر التصدي للتحرك الفلسطيني في المؤسسات الدولية، مشيراً إلى أن إسرائيل مطالبة بمواجهة حملات نزع الشرعية التي تشن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي يرى أنها قد "تحولت إلى سلاح ناجع في يد أعداء إسرائيل".
وعلى الرغم من أن صوالحة يرى أن أحد سبل مواجهة نزع الشرعية يتمثل في حل القضية الفلسطينية، إلا أنه يلتقي مع وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في الدعوة إلى التطبيع الاقتصادي كمدخل لتسوية الصراع.
وحسب صوالحة، فإن المدخل لتسوية الصراع يتمثل في تدشين مشاريع اقتصادية مشتركة بين إسرائيل والدول العربية، للإسهام في رفع مستوى المعيشة لدى العرب.
ويلفت إلى أن "على إسرائيل أن تدرك أنها كلما ارتفع مستوى الدخل لدى جيرانها، فإن مستوى التوتر في العلاقات سينخفض". ولا يتردد صوالحة في الحكم بأن التطبيع الاقتصادي يعتبر الآلية الوحيدة التي تكفل لإسرائيل العيش بسلام وأمن.
والمفارقة أن النخب اليمينية الإسرائيلية قد احتفت بما كتبه صوالحة، واعتبرته مؤشراً على ضرورة أن تتحرك تل أبيب لمواجهة تبعات "القوة الناعمة" للعرب. وفي مقال نشر في عدد الثلاثاء الماضي، من صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كتب كبير المعلقين في الصحيفة، دان مرغليت، أن النصائح التي يرسلها الدكتور صوالحة من القاهرة، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات تطورات إيجابية، "تكتسب أهمية خاصة".
ومن المظاهر التي تعكس تعاظم التطبيع الإعلامي في مصر، ظهور بعض المثقفين المصريين الداعمين للانقلاب، على شاشات التلفزة الإسرائيلية. فقد ظهرت الصحافية والناشطة السياسية المصرية، هبة حمدي أبو سيف، التي قالت لوسائل إعلام مصرية إنها عملت منسقةً لحملة "تمرد"، والصحافي محمد منير، صاحب المواقف المؤيدة لحكم العسكر، على شاشة قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة (التابعة للمستوطنين) خلال الأحداث التي شهدها ميدان التحرير قبل إطاحة مرسي، للادعاء أن الشعب المصري "لا يرغب" بالرئيس الشرعي محمد مرسي.