مصاعب الحكومة التونسية الجديدة

02 مارس 2020

الحكومة التونسية مع الرئيس بعد أداء اليمين (27/2/2020/الأناضول)

+ الخط -
أخيراً، مرّت في تونس حكومة إلياس الفخفاخ، ونالت ثقة مجلس النواب بأغلبية 129 صوتاً، وهي أقل نسبة من الأصوات تنالها تشكيلة حكومية منذ بداية المسار الديمقراطي التونسي والتداول السلمي على السلطة. إلا أن هذا المرور العسير للتشكيلة الحكومية سيطرح عليها سؤال التعاطي مع الملفات الشائكة التي بانتظارها.
ستكون الحكومة التونسية أمام اختبارات قاسية، وملفات عاجلة، لا بد لها من التعامل معها بجدّية، بعيداً عن الشعارات والكلمات الحماسية التي ردّدها رئيس الحكومة الجديد في أثناء مراسم تسلمه المنصب من سابقه، يوسف الشاهد. وأول هذه الملفات وأكثرها حضوراً منذ سنوات هو الملف الاقتصادي، في ظل نسب النمو المتدهورة التي سجلها الاقتصاد التونسي (مؤشر النمو الاقتصادي بلغ 0.8% في الثلاثية الرابعة من سنة 2019) وارتفاع نسبة التضخم إلى 5.9% مقابل استقرار نسبة البطالة في حدود 14.9% في الفترة نفسها، بحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، وهو ما يعني أن حكومة الشاهد قد خلّفت إرثاً ثقيلاً من العجز المالي والتأزم الاقتصادي، يصعب معه الحديث عن حصول معجزة اقتصادية أو تغير المشهد بين عشية وضحاها، على الرغم من الوعود الحكومية والصورة الوردية التي حاول رسمها رئيس الحكومة الجديد في خطابه أمام مجلس النواب، في أثناء عرضه تصوره 
للمرحلة المقبلة.
وإذا أضفنا إلى عبء الملف الاقتصادي المتوارث، بما فيه من فشل، وما ولّده من أزمات اجتماعية متتالية، فإن الحكومة الحالية ستواجه أزمات مستحدثة، لم تكن في الحساب، بداية من حالة الخوف والتوجس التي أحدثها انتشار فيروس كورونا، وهو ما سيكون له أثره على جانبين، أولهما الضغط على الجهاز الصحي العمومي غير المجهز أصلاً لمجابهة كوارث عاجلة أو لانتشار أمراض غير متوقعة، ومن جهة أخرى، سيكون لانتشار الهلع من الفيروس على المستوى العالمي أثره لا ريب على النشاط الاقتصادي والحركة السياحية عموماً، على الرغم من أن تونس حققت حضوراً جيداً للنشاط السياحي في السنة الماضية، مقارنة بالسنوات التي سبقتها. ومن ناحية أخرى، سيكون على الحكومة مواجهة آثار موجة الجفاف التي إن استمرت ستكون لها مخلفات كارثية على الموسم الفلاحي، في ظل توقع الشارع التونسي أن تُحسن الحكومة الحالية التعامل مع القطاع، بسبب سوء تصرّف الحكومة السابقة بشأن الحبوب لسنة الماضية، وهو ما أثار سخطاً عاماً على وزير الفلاحة السابق، في بلد يحتاج إلى التركيز على القطاع الزراعي الذي لم تقدّم الحكومات المتتالية برنامجاً واحداً لتطويره، وتحويله إلى رافعة للاقتصاد الوطني، بل بقي مهمّشاً، ولا يحظى بأدنى عناية، مقارنة بقطاعات أخرى، كالسياحة مثلاً.
بقي ملف العلاقات الخارجية، الذي تتداخل فيه مواقف الحكومة بصلاحيات رئيس الجمهورية، والذي يبدو مرتبكاً في اختياراته، مراوحاً بين الشعارات التي يردّدها وعجزه عن التعامل الذكي مع الأزمات الدولية ذات العلاقة بالخارجية التونسية، وهي أساساً تتعلق بالموقف من الأزمة 
الليبية، حيث تكاد تونس تغيب عن الحضور في هذا الملف، على الرغم من تأثيره المباشر في استقرارها وأمنها. وإذا استمرت السياسة الخارجية التونسية بوتيرتها الحالية من خلال الاكتفاء باجتماع رئيس الجمهورية مع بعض ممثلي القبائل الليبية من دون اتخاذ خطواتٍ فعليةٍ للاقتراب من أطراف الأزمة الحقيقيين في ليبيا، سيظل الدور التونسي هامشياً، وفي موقع المتأثر بما يجري، وليس المؤثر فيه.
تفرض كل هذه الملفات العاجلة والحارقة على الفريق الحكومي أن يكون متجانساً في مواقفه، ناجعاً في تعامله معها، بما يمنح الثقة للشارع التونسي، غير أن الصورة العامة لتركيبة الحكومة الحالية لا توحي بوجود تجانس تام، ولا حتى ما يوحي بالاستمرارية في ظل بداية حديث بعض الأطراف عن إمكانية تغييرها في أقرب فرصة، وهو ما دعا إليه، صراحة، نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس (المعارض) صاحب ثاني أكبر كتلة برلمانية، وهو ما يعني فعلياً أن على حكومة الفخفاخ أن تقدّم إنجازات ملموسة في المائة يوم الأولى من تشكيلها، بما يضمن لها نيل ثقة الشارع، وأن تحافظ بالتالي على بقائها، وفي 
الوقت نفسه، عليها أن تخرج من مجال المزايدات السياسية، وهي التي تضمّ تحالفاً حزبياً لا تجمع بينه البرامج، ولا التوجهات، بقدر ما كان الأمر متعلقاً بنوعٍ من إكراهات السياسة، حيث كان التصويت لما سميت حكومة الرئيس مدخلاً لإبعاد شبح حل البرلمان وإعادة الانتخابات، في ظل التشكيك في قدرات رئيس الحكومة الجديد على صنع الفارق وتحقيق إنجازات فعلية. فهل ينجح إلياس الفخفاخ في تكذيب التوقعات، وتحقيق ما عجزت عنه حكومة سلفه، يوسف الشاهد، أم أنها ستعيد تكرار الأخطاء نفسها، على الرغم من رفعها لشعارات كبيرة من قبيل محاربة الفساد والإصلاح الإداري، وتحقيق ما سماه رئيس الحكومة "الاقتصاد التضامني"؟ مشهد سياسي للمتابعة.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.