مشكلة النخب المزيفة في الجزائر
النخب، أو النخبة، مصطلح يشير إلى الأفضل، ويستخدم للدلالة على التميز في مجالات معينة ومختلفة، على وجه الخصوص المجال السياسي، الذي تسيطر عليه في الغالب فئة قليلة حاكمة ذات كفاءة عالية، وهي النخبة ذاتها تنتشر في المجتمعات الغربية المتقدمة سياسيا واقتصاديا، تصل إلى مراكزها بطرق مشروعة، تدعمها نخب لا تقل كفاءة عنها تعمل على تزكيتها لاستمرارها في خدمة بلدانها بناء على نجاحاتها السابقة، نطلق عليها "النخب البناءة"، تنتشر بكثرة في دول العالم الأول.
"النخب البناءة"، متواجدة أيضا في بلداننا العربية، لكنها منقسمة، بين ثلاث: الأولى، داخل السجون بعد تعرضها للاعتقال التعسفي بسبب آرائها. الثانية، بقيت داخل بلدانها تعيش إما تحت الإقامة الجبرية، أو في صمت، أو تتحدث بتحفظ خوفا من الملاحقات الأمنية. الثالثة، في المنفى بعد هروبها من بطش الجماعات الحاكمة، إلى بلدان الضفة الأخرى حيث حرية الرأي والتعبير يكفلها القانون.
وقد كانت مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، الفترة الذهبية التي عاشت فيها "النخب العربية البناءة" أجمل فتراتها في الكتابة والتعبير الحر عن آرائها، لكن سرعان ما انتهت في أغلب البلدان التي عرفت الثورات الشعبية، مثل مصر، بعد الثورة المضادة، لكنها استمرت في تونس البلد العربي الوحيد الذي نجح فيه الربيع العربي، بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، أكثر الأنظمة السياسية استبدادا في تاريخ المنطقة العربية، حكم تونس سنوات طويلة، وعلى الرغم من النقائص، إلا أن تونس الجديدة ما بعد الربيع العربي التي مازالت في مرحلة الانتقال الديمقراطي، أفضل بكثير من تونس "بن علي" في جانب الحريات السياسية.
في مقابل مصطلح "النخب البناءة" المتواجد عمليا في دول العالم الأول، هناك مصطلح "النخب المزيفة" الذي لا يتواجد إلا في بلداننا العربية، ودول العالم الثالث عموما، وخاصة الجزائر، التي أصبحت تنتشر فيها هذه النخب بكثرة، في العشر سنوات الأخيرة من فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة.
الفرق بين مصطلح "النخب البناءة" و"النخب المزيفة" هو أن الأولى تبني بلدانها بمواقفها الشريفة، والثانية تهدم بلدانها، من خلال وقوفها مع الباطل، وتزييفها للحقائق، وتزيين صورة الحاكم الفاسد، وتقديمها للعامة على أساس أنه حاكم صالح، خدم البلاد والعباد، ومن يخالفه أو يخالفها فهو يدعو إلى الخراب، وتهديد الأمن والاستقرار الوطني.
إنها فئة تحمل شهادات جامعية عليا في اختصاصات مختلفة، ولعل أبرزها العلوم السياسية، يدرسون أسس النظام الديمقراطي لطلابهم في الجامعات، وخارجها يقفون وقفة الرجل الواحد مع نظام بينه وبين الديمقراطية سنوات ضوئية، وهذا التناقض يوقع الطالب في دهشة الاختلاف الجوهري بين النظري والتطبيقي، الذي لا يعرف إتقانه إلا "النخب المزيفة".
لا يكتفي نشاط "النخب المزيفة" داخل الجامعات أو في مواقع التواصل الاجتماعي التي أبدعت فيها في التزييف، بل تتعداه إلى القنوات التلفزيونية العامة و"الخاصة"، والصحف الموالية، حيث تظهر رداءة الخطاب، تحت عباءة "طاعة ولي الأمر حتى ولو ضربك"، ونبرة التهديد والوعيد بشر قادم، والتذكير بسنوات الجمر، والتخويف من سيناريو سورية وليبيا واليمن بعد الربيع العربي!
هذا الخطاب الهزلي، لا يتقنه إلا المشبع بثقافة "الانتهازية" التي باتت تظهر في كل موعد انتخابي رئاسي، هدفه توجيه الرأي العام وتخويفه، ومن ورائه مؤسسات دولة تدفع بكل إمكاناتها المادية للسيطرة على الساحة الإعلامية، تسعى دائما وبكل الأثمان إلى استمرارية الجماعة الحاكمة المرفوضة شعبيا.
ومن أهم مميزات "النخب المزيفة" النشطة داخل الجزائر، أنها مجرد بوق، فهي تردد ما يطلب منها، مقابل امتيازات مادية، ومعنوية، تعتمد عليها السلطة في تضليل الرأي العام، وتحسين صورتها داخليا وخارجيا.
وقد كانت بدايات ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة سنة 2014، من أكثر المحطات التي برزت فيها "النخب المزيفة" داخل الجزائر وبنشاط واسع، لم يكن نشاطها الأول، لكنه كان الأضخم انذاك، وبفضل تزييفها للحقائق، وعلى الرغم من المقاطعة الشعبية الكبيرة، استطاعت "النخب المزيفة" الترويج للعهدة الرابعة على أنها المخلص الوحيد للجزائر من حكم "العسكر"، وتم تمريرها بنجاح.
وبعد مرور 5 سنوات، وانتهاء العهدة الرابعة التي أساءت للجزائر الدولة وشعبها بين الأمم، ها نحن الآن على مشارف العهدة الخامسة، التي حسمت فيها الجماعة الحاكمة ترشيح بوتفليقة المغيب منذ سنة 2012، -قبل أن يعلن مؤخرا أنه لم يكن ينتوي- عندما ألقى خطابه الأخير أمام الشعب في مدينة سطيف الجزائرية، دعى فيه إلى تسليم المشعل للشباب، ثم اختفى صوته، وأصبح يخاطب شعبه برسائل تكتبها الدوائر المحيطة به، باعتبار أن الرئيس مريض لا يمكن له الكتابة والتفاعل مع قضايا البلد.
ومن دون شك فإن الفئة الوحيدة التي خرجت مستفيدة من سنوات العهدة الرابعة، هي رجال المال الفاسد، بالدرجة الأولى، الداعمون الرئيسيون لنظام حكم بوتفليقة، حتى لا تتضرر مصالحهم، و"النخب المزيفة" بدرجة أقل، لأنها مصنفة في الطبقة الثانية من الموالاة، كطبقة إقطاعية تتحرك بأوامر حاكمها المستبد، أما عوام الشعب الرافض لاستمرار السلطة ازدادت أوضاعه المعيشية صعوبة.
ومنذ إعلان الجماعة الحاكمة في الجزائر ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، في رسالة نسبت للرئيس نشرت على وكالة الأنباء الجزائرية، بدأت "النخب المزيفة" في حشد مواقفها الداعمة لاستمرار بوتفليقة في الحكم، على مواقع التواصل الاجتماعي، والتلفزيون العام والخاص، اعتمدت هذه "النخب الانتهازية" على تضليل الرأي العام بخطورة الوضع الحالي، والدفع نحو دعم الرئيس المريض، حتى وإن كان مغيبا، وهي الحقيقة التي لم تعترف بها، وظلت تزيفها إرضاء للجماعة الحاكمة، وكان التذكير بالإنجازات والمكتسبات الوهمية التي عرفتها البلاد طوال سنوات حكم بوتفليقة، من بين استراتيجياتها البائسة في كسب تعاطف الرأي العام، الذي يعرف جيدا أن أسوأ الفترات التي عرفتها البلاد منذ استقلالها سنة 1962 هي فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة، التي اتسمت بالفساد الرهيب على كل المستويات.
إن الحل الأمثل لمواجهة "النخب المزيفة" داخل الجزائر، أو حتى في البلدان العربية الأخرى، ونشاطها المدعوم من دوائر رسمية، هو في إعلان الحرب الفكرية عليها من "النخب البناءة" التي مازالت تنشط في البلد، أو من مختلف فئات المجتمع المثقفة سياسيا، بعيدا عن الإساءة، سواء من خلال المقابلات المباشرة لكشف زيفها وانتهازيتها أمام الرأي العام، أو من خلال فضحها بالحقائق الصادمة في كتابات تنشر في مختلف المواقع الإلكترونية، أو في فيديوهات مباشرة أو مسجلة، لوضع حد لهذه الظاهرة التي أساءت للجزائر، وهو نموذج المعارضة الشريفة البناءة التي هي بحاجة إليها جزائر اليوم.
"النخب البناءة"، متواجدة أيضا في بلداننا العربية، لكنها منقسمة، بين ثلاث: الأولى، داخل السجون بعد تعرضها للاعتقال التعسفي بسبب آرائها. الثانية، بقيت داخل بلدانها تعيش إما تحت الإقامة الجبرية، أو في صمت، أو تتحدث بتحفظ خوفا من الملاحقات الأمنية. الثالثة، في المنفى بعد هروبها من بطش الجماعات الحاكمة، إلى بلدان الضفة الأخرى حيث حرية الرأي والتعبير يكفلها القانون.
وقد كانت مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، الفترة الذهبية التي عاشت فيها "النخب العربية البناءة" أجمل فتراتها في الكتابة والتعبير الحر عن آرائها، لكن سرعان ما انتهت في أغلب البلدان التي عرفت الثورات الشعبية، مثل مصر، بعد الثورة المضادة، لكنها استمرت في تونس البلد العربي الوحيد الذي نجح فيه الربيع العربي، بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، أكثر الأنظمة السياسية استبدادا في تاريخ المنطقة العربية، حكم تونس سنوات طويلة، وعلى الرغم من النقائص، إلا أن تونس الجديدة ما بعد الربيع العربي التي مازالت في مرحلة الانتقال الديمقراطي، أفضل بكثير من تونس "بن علي" في جانب الحريات السياسية.
في مقابل مصطلح "النخب البناءة" المتواجد عمليا في دول العالم الأول، هناك مصطلح "النخب المزيفة" الذي لا يتواجد إلا في بلداننا العربية، ودول العالم الثالث عموما، وخاصة الجزائر، التي أصبحت تنتشر فيها هذه النخب بكثرة، في العشر سنوات الأخيرة من فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة.
الفرق بين مصطلح "النخب البناءة" و"النخب المزيفة" هو أن الأولى تبني بلدانها بمواقفها الشريفة، والثانية تهدم بلدانها، من خلال وقوفها مع الباطل، وتزييفها للحقائق، وتزيين صورة الحاكم الفاسد، وتقديمها للعامة على أساس أنه حاكم صالح، خدم البلاد والعباد، ومن يخالفه أو يخالفها فهو يدعو إلى الخراب، وتهديد الأمن والاستقرار الوطني.
إنها فئة تحمل شهادات جامعية عليا في اختصاصات مختلفة، ولعل أبرزها العلوم السياسية، يدرسون أسس النظام الديمقراطي لطلابهم في الجامعات، وخارجها يقفون وقفة الرجل الواحد مع نظام بينه وبين الديمقراطية سنوات ضوئية، وهذا التناقض يوقع الطالب في دهشة الاختلاف الجوهري بين النظري والتطبيقي، الذي لا يعرف إتقانه إلا "النخب المزيفة".
لا يكتفي نشاط "النخب المزيفة" داخل الجامعات أو في مواقع التواصل الاجتماعي التي أبدعت فيها في التزييف، بل تتعداه إلى القنوات التلفزيونية العامة و"الخاصة"، والصحف الموالية، حيث تظهر رداءة الخطاب، تحت عباءة "طاعة ولي الأمر حتى ولو ضربك"، ونبرة التهديد والوعيد بشر قادم، والتذكير بسنوات الجمر، والتخويف من سيناريو سورية وليبيا واليمن بعد الربيع العربي!
هذا الخطاب الهزلي، لا يتقنه إلا المشبع بثقافة "الانتهازية" التي باتت تظهر في كل موعد انتخابي رئاسي، هدفه توجيه الرأي العام وتخويفه، ومن ورائه مؤسسات دولة تدفع بكل إمكاناتها المادية للسيطرة على الساحة الإعلامية، تسعى دائما وبكل الأثمان إلى استمرارية الجماعة الحاكمة المرفوضة شعبيا.
ومن أهم مميزات "النخب المزيفة" النشطة داخل الجزائر، أنها مجرد بوق، فهي تردد ما يطلب منها، مقابل امتيازات مادية، ومعنوية، تعتمد عليها السلطة في تضليل الرأي العام، وتحسين صورتها داخليا وخارجيا.
وقد كانت بدايات ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة سنة 2014، من أكثر المحطات التي برزت فيها "النخب المزيفة" داخل الجزائر وبنشاط واسع، لم يكن نشاطها الأول، لكنه كان الأضخم انذاك، وبفضل تزييفها للحقائق، وعلى الرغم من المقاطعة الشعبية الكبيرة، استطاعت "النخب المزيفة" الترويج للعهدة الرابعة على أنها المخلص الوحيد للجزائر من حكم "العسكر"، وتم تمريرها بنجاح.
وبعد مرور 5 سنوات، وانتهاء العهدة الرابعة التي أساءت للجزائر الدولة وشعبها بين الأمم، ها نحن الآن على مشارف العهدة الخامسة، التي حسمت فيها الجماعة الحاكمة ترشيح بوتفليقة المغيب منذ سنة 2012، -قبل أن يعلن مؤخرا أنه لم يكن ينتوي- عندما ألقى خطابه الأخير أمام الشعب في مدينة سطيف الجزائرية، دعى فيه إلى تسليم المشعل للشباب، ثم اختفى صوته، وأصبح يخاطب شعبه برسائل تكتبها الدوائر المحيطة به، باعتبار أن الرئيس مريض لا يمكن له الكتابة والتفاعل مع قضايا البلد.
ومن دون شك فإن الفئة الوحيدة التي خرجت مستفيدة من سنوات العهدة الرابعة، هي رجال المال الفاسد، بالدرجة الأولى، الداعمون الرئيسيون لنظام حكم بوتفليقة، حتى لا تتضرر مصالحهم، و"النخب المزيفة" بدرجة أقل، لأنها مصنفة في الطبقة الثانية من الموالاة، كطبقة إقطاعية تتحرك بأوامر حاكمها المستبد، أما عوام الشعب الرافض لاستمرار السلطة ازدادت أوضاعه المعيشية صعوبة.
ومنذ إعلان الجماعة الحاكمة في الجزائر ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، في رسالة نسبت للرئيس نشرت على وكالة الأنباء الجزائرية، بدأت "النخب المزيفة" في حشد مواقفها الداعمة لاستمرار بوتفليقة في الحكم، على مواقع التواصل الاجتماعي، والتلفزيون العام والخاص، اعتمدت هذه "النخب الانتهازية" على تضليل الرأي العام بخطورة الوضع الحالي، والدفع نحو دعم الرئيس المريض، حتى وإن كان مغيبا، وهي الحقيقة التي لم تعترف بها، وظلت تزيفها إرضاء للجماعة الحاكمة، وكان التذكير بالإنجازات والمكتسبات الوهمية التي عرفتها البلاد طوال سنوات حكم بوتفليقة، من بين استراتيجياتها البائسة في كسب تعاطف الرأي العام، الذي يعرف جيدا أن أسوأ الفترات التي عرفتها البلاد منذ استقلالها سنة 1962 هي فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة، التي اتسمت بالفساد الرهيب على كل المستويات.
إن الحل الأمثل لمواجهة "النخب المزيفة" داخل الجزائر، أو حتى في البلدان العربية الأخرى، ونشاطها المدعوم من دوائر رسمية، هو في إعلان الحرب الفكرية عليها من "النخب البناءة" التي مازالت تنشط في البلد، أو من مختلف فئات المجتمع المثقفة سياسيا، بعيدا عن الإساءة، سواء من خلال المقابلات المباشرة لكشف زيفها وانتهازيتها أمام الرأي العام، أو من خلال فضحها بالحقائق الصادمة في كتابات تنشر في مختلف المواقع الإلكترونية، أو في فيديوهات مباشرة أو مسجلة، لوضع حد لهذه الظاهرة التي أساءت للجزائر، وهو نموذج المعارضة الشريفة البناءة التي هي بحاجة إليها جزائر اليوم.