يجلس الحاج محمد وحده. يضع كيس السكر في حرجه ويصبّ الماء البارد من قنينة في أخرى ثم يضيف إليها القهوة الجاهزة ويخضها. هكذا تصبح جاهزة للشرب. بهذه الرشفات يواجه الحاج محمد ليلة صقيع أخرى ربما تتدنى حرارتها إلى أقل من خمس درجات مئوية في طنجة، شمال المغرب.
يقول لـ"العربي الجديد": "أنام على الرصيف منذ فترة طويلة هرباً من مشاكل البيت وأطلب من الناس مساعدتي". تقاطعه امرأة بكوب من عصير البرتقال، فيكمل: "جمعيات خيرية قليلة تساعدنا أو تهتم لأمرنا. حاولت إحدى الجمعيات أن تأخذني إلى مأوى لكنّ المكان كان ضيقاً ولم يعجبني الحال فتركته".
ينام الحاج محمد فوق "فرشة" إسفنج. لديه بعض الأغطية التي تبدو غير كافية. يقول: "يجب أن نصبر ولنا الله". كان يجلس وحيداً، لكن، في الساعات المتأخرة يأتي أربعة أو خمسة مشردين آخرين يشاركونه الزاوية. يقول: "هذا المكان آمن نوعاً ما، فالمطاعم المحيطة بنا تبقى مفتوحة الأبواب، وهو ما يوفر لنا بعض الإحساس بالأمن وأنّ أحداً لن يعتدي علينا".
البرد قاتل في الخارج، حتى السكان في بيوتهم يشتكون من البرد وقلة النوم وحاجتهم إلى الدفء. الحاج محمد بأعوامه الثمانين ليس وحده الذي هزمته الحياة وأودت به إلى رصيف التشرد. رضوان أيضاً شاب قاصر يدور في الشارع أملاً في أن يحظى بمساعدة ببعض الدراهم كي يشتري الأكل له ولوالدته. يسكن رضوان في حيّ بير شيفا، وقد انقطع عن دراسته لينضم إلى فئة القاصرين المشرّدين. يقول لـ"العربي الجديد": "تركت المدرسة، لكنّني أحلم في أن أصبح ميكانيكيّاً، وكلّما ذهبت إلى أحد أطلب منه التدريب في ورشته ينهرني ويقول إنّني جئت لسرقته وهذا غير صحيح. أحلم في أن أشتري سيارة أيضاً وأبني بيتاً وأتزوج".
مات أحد المشرّدين في طنجة منذ شهرين تقريباً في ليلة باردة. وجد جثته متطوعو جمعية "القلوب الرحيمة" في أحد أنشطتهم المسائية التي يخرجون فيها بالطعام والأغطية للمشردين. تقول مديرة الجمعية حسناء أزواغ، لـ"العربي الجديد": "كان المتوفى يعاني من مرض عقلي ويعيش في الشارع العام للمدينة وكان أحد المستفيدين من جولاتنا الليلية ونتواصل معه باستمرار، وقد جئنا نقدم له الطعام ذات ليلة لكننا وجدناه ميتاً بسبب البرد".
اقــرأ أيضاً
تشير أزواغ إلى "صعوبة تقدير عدد المشرّدين في طنجة لأنّ أعدادهم متذبذبة، لكن تبقى طنجة قبلة للهجرة السرية ومحطة لطلب العمل وأكبر المدن المغربية في الإدمان على المخدرات". تردف: "التشرد لا يقتصر على المغاربة بل يشمل الأفارقة والسوريين الهاربين من الحروب في بلادهم وقد استقر بهم المطاف في المدينة. بعض الوافدين يصدمون بالواقع هنا الذي لا يمكّنهم من تحقيق أحلامهم. هم عادة يبحثون عن العمل أو يعتزمون العبور إلى أوروبا عبر خطوط الهجرة السرية".
تخطط الجمعية لبناء مأوى للمشردين "العقلاء"، كما تصفهم، أي الذين وصلوا إلى طنجة بحثاً عن عمل. وسيكون المأوى مصمماً في شكل قرى إيكولوجية طبيعية مع إسطبلات لتربية الدواجن والطيور في نواحي طنجة، ما يضمن العمل لهم. يأتي ذلك في ظلّ حاجة المدينة الملحّة إلى مراكز إيواء غير المأوى الذي يشرف عليه قطاع "التعاون الوطني" الذي لا "يمكنه أن يستوعب أعداد المشرّدين المتزايدة"، بحسب أزواغ.
بموازاة ذلك، أطلق نشطاء مدنيون في مدينة تطوان عبر موقع "فيسبوك" حملة بعنوان "زيرو تشرد". دعت الحملة الجميع إلى التحرك من أجل بناء مأوى. وقد تجاوب مواطنون معها ووزعوا احتياجات ضرورية مثل الأكل والأغطية على المشردين في المدينة.
في حصيلة عام 2016، لم يذكر مجلس جهة طنجة - تطوان - الحسيمة أيّ مشاريع تتعلق بهذه الفئة، لكنّ رئيس الجهة إلياس العماري، يقول لـ"العربي الجديد"، بعد تأكيده على دعم مؤسسات المجتمع المدني: "نشهد في الشمال موجات هجرة، خصوصاً من الأفارقة (جنوب الصحراء) الذين يشكلون نسبة مشرّدين أكبر من المغاربة. أما المغاربة المشردون فقد جاؤوا من مدن أخرى بنيّة الذهاب إلى أوروبا أو البحث عن فرص في طنجة. هناك جمعيات تعمل من أجلهم وقررنا دعمها، فنحن كجهة ليس من اختصاصنا بناء مراكز إيواء بل من اختصاص الوزارات".
بدورها، أعلنت ولاية الرباط عن برنامج إقليمي لمحاربة التسول والتشرد في منطقة الرباط - سلا - القنيطرة، بهدف محاربة الهشاشة الاجتماعية، وقد وضعت لذلك رقماً أخضر للإبلاغ عن حالات التشرد وسرعة التدخل. كذلك، أنشأت مرصداً للتسول والتشرد، بمشاركة الأمن ومؤسسات المجتمع المدني.
كذلك، أعلن عمدة مدينة فاس إدريس الأزمي، بعد وفاة مشردين اثنين بسبب البرد القارس، عن إيواء 150 مشرّداً في أحد المراكز حيث وفّر لهم الأغطية والملابس والحلاقين.
اقــرأ أيضاً
يقول لـ"العربي الجديد": "أنام على الرصيف منذ فترة طويلة هرباً من مشاكل البيت وأطلب من الناس مساعدتي". تقاطعه امرأة بكوب من عصير البرتقال، فيكمل: "جمعيات خيرية قليلة تساعدنا أو تهتم لأمرنا. حاولت إحدى الجمعيات أن تأخذني إلى مأوى لكنّ المكان كان ضيقاً ولم يعجبني الحال فتركته".
ينام الحاج محمد فوق "فرشة" إسفنج. لديه بعض الأغطية التي تبدو غير كافية. يقول: "يجب أن نصبر ولنا الله". كان يجلس وحيداً، لكن، في الساعات المتأخرة يأتي أربعة أو خمسة مشردين آخرين يشاركونه الزاوية. يقول: "هذا المكان آمن نوعاً ما، فالمطاعم المحيطة بنا تبقى مفتوحة الأبواب، وهو ما يوفر لنا بعض الإحساس بالأمن وأنّ أحداً لن يعتدي علينا".
البرد قاتل في الخارج، حتى السكان في بيوتهم يشتكون من البرد وقلة النوم وحاجتهم إلى الدفء. الحاج محمد بأعوامه الثمانين ليس وحده الذي هزمته الحياة وأودت به إلى رصيف التشرد. رضوان أيضاً شاب قاصر يدور في الشارع أملاً في أن يحظى بمساعدة ببعض الدراهم كي يشتري الأكل له ولوالدته. يسكن رضوان في حيّ بير شيفا، وقد انقطع عن دراسته لينضم إلى فئة القاصرين المشرّدين. يقول لـ"العربي الجديد": "تركت المدرسة، لكنّني أحلم في أن أصبح ميكانيكيّاً، وكلّما ذهبت إلى أحد أطلب منه التدريب في ورشته ينهرني ويقول إنّني جئت لسرقته وهذا غير صحيح. أحلم في أن أشتري سيارة أيضاً وأبني بيتاً وأتزوج".
مات أحد المشرّدين في طنجة منذ شهرين تقريباً في ليلة باردة. وجد جثته متطوعو جمعية "القلوب الرحيمة" في أحد أنشطتهم المسائية التي يخرجون فيها بالطعام والأغطية للمشردين. تقول مديرة الجمعية حسناء أزواغ، لـ"العربي الجديد": "كان المتوفى يعاني من مرض عقلي ويعيش في الشارع العام للمدينة وكان أحد المستفيدين من جولاتنا الليلية ونتواصل معه باستمرار، وقد جئنا نقدم له الطعام ذات ليلة لكننا وجدناه ميتاً بسبب البرد".
تشير أزواغ إلى "صعوبة تقدير عدد المشرّدين في طنجة لأنّ أعدادهم متذبذبة، لكن تبقى طنجة قبلة للهجرة السرية ومحطة لطلب العمل وأكبر المدن المغربية في الإدمان على المخدرات". تردف: "التشرد لا يقتصر على المغاربة بل يشمل الأفارقة والسوريين الهاربين من الحروب في بلادهم وقد استقر بهم المطاف في المدينة. بعض الوافدين يصدمون بالواقع هنا الذي لا يمكّنهم من تحقيق أحلامهم. هم عادة يبحثون عن العمل أو يعتزمون العبور إلى أوروبا عبر خطوط الهجرة السرية".
تخطط الجمعية لبناء مأوى للمشردين "العقلاء"، كما تصفهم، أي الذين وصلوا إلى طنجة بحثاً عن عمل. وسيكون المأوى مصمماً في شكل قرى إيكولوجية طبيعية مع إسطبلات لتربية الدواجن والطيور في نواحي طنجة، ما يضمن العمل لهم. يأتي ذلك في ظلّ حاجة المدينة الملحّة إلى مراكز إيواء غير المأوى الذي يشرف عليه قطاع "التعاون الوطني" الذي لا "يمكنه أن يستوعب أعداد المشرّدين المتزايدة"، بحسب أزواغ.
بموازاة ذلك، أطلق نشطاء مدنيون في مدينة تطوان عبر موقع "فيسبوك" حملة بعنوان "زيرو تشرد". دعت الحملة الجميع إلى التحرك من أجل بناء مأوى. وقد تجاوب مواطنون معها ووزعوا احتياجات ضرورية مثل الأكل والأغطية على المشردين في المدينة.
في حصيلة عام 2016، لم يذكر مجلس جهة طنجة - تطوان - الحسيمة أيّ مشاريع تتعلق بهذه الفئة، لكنّ رئيس الجهة إلياس العماري، يقول لـ"العربي الجديد"، بعد تأكيده على دعم مؤسسات المجتمع المدني: "نشهد في الشمال موجات هجرة، خصوصاً من الأفارقة (جنوب الصحراء) الذين يشكلون نسبة مشرّدين أكبر من المغاربة. أما المغاربة المشردون فقد جاؤوا من مدن أخرى بنيّة الذهاب إلى أوروبا أو البحث عن فرص في طنجة. هناك جمعيات تعمل من أجلهم وقررنا دعمها، فنحن كجهة ليس من اختصاصنا بناء مراكز إيواء بل من اختصاص الوزارات".
بدورها، أعلنت ولاية الرباط عن برنامج إقليمي لمحاربة التسول والتشرد في منطقة الرباط - سلا - القنيطرة، بهدف محاربة الهشاشة الاجتماعية، وقد وضعت لذلك رقماً أخضر للإبلاغ عن حالات التشرد وسرعة التدخل. كذلك، أنشأت مرصداً للتسول والتشرد، بمشاركة الأمن ومؤسسات المجتمع المدني.
كذلك، أعلن عمدة مدينة فاس إدريس الأزمي، بعد وفاة مشردين اثنين بسبب البرد القارس، عن إيواء 150 مشرّداً في أحد المراكز حيث وفّر لهم الأغطية والملابس والحلاقين.