مشروع ليل.. كثيرٌ من الحلم قليلٌ من الجنون

20 يوليو 2017
بييلسا يمتلك خبرة كبيرة في عالم التدريب (Getty)
+ الخط -

"جنونك الذي لا ننساه دلنا على الطريق"، هكذا كتب الحساب الرسمي لفريق فيليز سارسفيلد، أحد أعرق وأكبر أندية الأرجنتين، يوم 21 يوليو الذي يصادف عيد ميلاد مارسيلو بييلسا، لتهنئة المدرب بهذه الذكرى رغم أنه دربهم من قبل لمدة موسم واحد فقط، في دلالة واضحة على الأثر العميق الذي يتركه هذا الرجل في كل تجاربه الفنية، فهو أشبه بالأكاديمي أستاذ الجامعة الذي لا يعمل بنفسه في الغالب، لكنه يؤسس جيلاً كاملاً من العاملين في مختلف المجالات.

بداية قوية
يقول مارسيلو عن نفسه في حوار قديم: إذا كان أمامي الاختيار بين الألقاب، المال والأحاسيس، فسأختار الأخيرة. قيمة كرة القدم ليست فقط بالمال والألقاب، كرة القدم كذلك هي القدرة على إثارة العواطف التي تربط الفريق بالمشجعين. لقد اختار طريقه بكامل إرادته، دفع الثمن غاليا في أغلب الأوقات، وصنع لنفسه دائرة خاصة جدا، بها قدر لا بأس به من ميداليات الفضة كبني وطنه، لكن مع قدر من الابتكار والتخيل وضعاه في مكانة خاصة عند عدد لا بأس به من مجاذيب هذه المستديرة.

في مطلع التسعينيات، بدأ مارسيلو بييلسا التدريب مع فريق نيولز أولد بويز، حقق معهم بطولتين للدوري المحلي، ووصل بالفريق إلى نهائي دوري أبطال أميركا الجنوبية في 92 أمام الرهيب ساو باولو البرازيلي. وجد الرجل نفسه أمام مسارين، إما التحفظ والوصول إلى ضربات الجزاء أو الهجوم المبادر، واختار الطريق الثاني حتى النهاية. فاز في مباراة وخسر أخرى بنفس النتيجة ووصل الفريقان إلى ضربات الجزاء ليخسر الفريق الأرجنتيني، لكن مدربه حافظ على مبادئه الكروية وقرر أن يستمر على هذا المنوال حتى النهاية.

تسجل البطولات في سجلات التاريخ، شئنا أم أبينا، لكن ليس معيار الإبداع أو الاختلاف هو الفوز فقط. هناك مدرب يخسر لكنه ينال تقدير واحترام الجميع، وهناك حمقى فازوا بدوري الأبطال من وجهة نظر سيزار لويس ميونتي. قيمة رجل مثل اللوكو في رؤيته، جرأته، تأثيره، إرثه في أي مكان يذهب له. بعد أيامه الرائعة مع تشيلي، صنع لهذا البلد أسلوبا مغايراً في الأداء، وطريقة لعب حازت إعجاب الجميع، العدو قبل الصديق. إنها مبادىء التكتيك القائمة على الضغط المرتفع والركض والتحولات السريعة، ليتم استخدامها بعده مع سامباولي ثم بيتزي، ويفوز المنتخب الصغير ببطولتين للكوبا، كان لمارسيلو دور فيهما رغم ابتعاده أميالاً وأميالاً عن البلد بالكامل وليس المنتخب فقط.

حلم الجنوب
يعرف الجمهور بييلسا عن قرب خلال رحلته مع مارسيليا. بدأ فارس الجنوب الدوري بطريقة رائعة، وتربع على صدارة البطولة المحلية لفترة طويلة، لكنه خسر اللقب في النهاية لصالح باريس سان جيرمان. كان الأمر طبيعيا للغاية، هناك فوارق شاسعة بين باريس ومارسيليا، على مستوى النجوم والدكة والدعم الإداري والخبرات وأمور أخرى، لكن يُحسب لمارسيلو وقتها أنه جعل جمهور الجنوب يحلم. ورغم الصعوبات التي واجهها في النهاية إلا أنه خرج للإعلام ولخص مسيرته بجرأة يحسد عليها.

قال اللوكو باختصار: "في البداية، قرأت كل ما يقال عني. شخص رائع ومميز، وسيضيف الكثير للكرة الفرنسية. والآن أقرأ ما يقال حول فشلي والعكس تماماً. كل هذا طبيعي وحدث لي في آخر 30 سنة. في المطلق أنا لم أتغير، ولم أغير شيئاً من خططي، التي جعلت الفريق يفوز في مباريات ويخسر في مباريات، لكن يجب أن أتقبل الطبيعة، الفوز يجعل الرائحة أفضل، والخسارة تجعل الجميع يلومك على طول الخط. مثل ما تلاحظون، الإجراءات التي استخدمناها في بداية المسابقة، هي أيضا التي نستخدمها الآن، الشيء الوحيد الذي تغير هو حدة المنافسة، كثرة المباريات، عدد الدقائق الطويلة للـ 12-13-14 لاعباً في الفريق".

رحل مارسيلو بعدها لأن الإدارة خدعته وفق قوله، وحولت مارسيليا إلى "سوبر ماركت"، لتهدم عمل المدير الفني وتحوله إلى مجرد أرقام مالية، بعد بيع عدد كبير من النجوم وعلى رأسهم باييه وأندريا أيو. ومن الجنوب الفرنسي إلى العاصمة الإيطالية روما، فرح المشجعون بعودة بييلسا من بوابة لاتسيو، لكنه اعتذر سريعا بعد إعلان الاتفاق، لأن المدراء وعدوه باستراتيجية معينة وعندما بدأ مزاولة وظيفته، وجد شيئاً آخر تماما. يعتقد الرؤساء أن سياسة الأمر الواقع لها مفعول السحر، لقد ظنوا أنه سيرضخ في النهاية، إلا أنه رمى بالقنبلة في وجههم، ليعلن فسخه الاتفاق من طرق واحد، ويرفض تدريب منتخب الأرجنتين بعدها بأيام قليلة حتى لا يُقال عنه إنه ترك لاتسيو من أجل ميسي ورفاقه.

تجربة ليل
عاد بييلسا من جديد مؤخرا مع تجربة غير متوقعة بالمرة، نادي ليل الفرنسي القابع بالمركز 11 في الدوري، ومع التأكيد أن هذا الفريق أقل شهرة وقيمة إعلامية وجماهيرية من لاتسيو ومارسيليا وبلباو، الفرق التي دربها من قبل، إلا أن هذه التجربة ربما تحقق نجاحا أفضل قياسا بالسابق، لأنها تناسب رؤيته من باب أن كرة القدم لعبة مصنوعة من القليل من الصناعة والكثير من العاطفة. وبمتابعة وضع ليل في الانتقالات، سنجد إبرام النادي لعدة صفقات شابة ومميزة، مثل أراوغو، مينديز، مالكويت، تكيسكا، ومجموعة من المواهب اللاتينية الأوروبية الصغيرة، جاءت بعد الاتفاق الرباعي بين بييلسا، وجيرارد لوبيز، ولويس كامبوس، ومارك أنغلا.

جيراد لوبيز بليونير له باع طويل في عالم المال والأعمال، وله استثمارات في الفورومولا1، اشترى نادي ليل منذ أكتوبر/تشرين الأول  من العام الماضي، وتعهد أمام الجمهور بعودة فريقهم إلى الطريق الصحيح، ليضع ثقته في مارك أنغلا كرئيس تنفيذي للمشروع الجديد. ومن لا يعرف هذا الرجل؟ لقد عمل لفترة طويلة ضمن الطاقم الإداري في برشلونة، ويعتبر أحد أهم مساعدي جوان لابورتا خلال فترة توليه مفاتيح النادي الكاتلوني، بالإضافة إلى عمله كمسؤول عن التسويق والترويج، أي أنه مدير معروف لكل أندية القارة العجوز.

أما الشخص الذي جعل بييلسا يوافق دون تفكير على مغامرة ليل، فهو لويس كامبوس، أحد أفضل الكشافين في أوروبا خلال السنوات الماضية، والمدير الرياضي الأكثر نجاحا مع موناكو بعد كأس العالم 2014، ليكون صاحب الفضل الأكبر في الطفرة الكروية لفريق الإمارة على مستوى الدوري والشامبيونزليغ، مع عمله من قبل كمراقب للمواهب في ناد كبير بحجم ريال مدريد، لذلك كان الضامن الرئيسي للمدرب اللاتيني، من أجل العمل معا على التقاط اللاعبين الشبان، وتطويرهم خططيا وتكتيكيا ونفسيا داخل الملعب وخارجه.

الحلم مستمر
بدأ عمل الثنائي كامبوس وبييلسا سريعا هذا الصيف، وعقد الفريق صفقات ناجحة قوية، مع مزيج من اللاعبين القادمين من أميركا اللاتينية، والمواهب الصغيرة في فرنسا وأوروبا. واضطر الفريق لبيع أحد أميز لاعبيه سيباستيان كورشيا، بسبب رغبته في الانتقال إلى إشبيلية وخوض تجربة جديدة في بطولة الليغا الإسبانية، لكن ليل نجح في تعويضه سريعا بخيار مميز، كيفين مالكيوت القادم من فريق سانت إتيان، والذي يجيد بشدة الانطلاقات الهجومية على الرواق الجانبي، مع فتحه الملعب عرضيا بجرأة وإتقان.


اختار المدراء في ليل مارسيلو بييلسا لسابق عمله في فرنسا أيضا، ونجاحه في تطوير فريق مارسيليا بالكامل، ليحصل على أفضل نسخة ممكنة من ديمتري باييه وميندي وأندريا أيو وتوفين والهداف الدولي جينياك. وخلال رحلته الجديدة هذا الموسم، سيعيد اللوكو القصة بوضوح، مع الدعم المالي والفني من الإدارة والمساعدين، للحصول على الخيارات التي تجمع بين صغر السن والقدرة على التطور، من أجل تحقيق نتائج مميزة بالدوري، وإعادة بيعهم بعد سنوات إلى أندية أكبر، كما فعل موناكو بالسنوات الماضية.

نتيجة لهذا التوافق بين فريق العمل، يمكن للجميع متابعة مشروع ليل عن قرب في الموسم المقبل، مع إمكانية نجاحه على المدى المستقبلي، فمالك النادي وضع عدة أهداف أمام الطاقم المساعد، لتكون البداية بالتواجد وسط الخمسة الكبار بالموسم المقبل، ثم الثلاثي المؤهل لدوري الأبطال في الموسم الثاني، ليرد بييلسا قائلا: "نريد أن نصل إلى السماء من حيث اللعب الجميل، ولكن دون نسيان الهدف، وهو الحصول على النتائج".

المساهمون