مشروع داعش الاجتماعي كابوس لن يتحقق
لمشروع تنظيمي داعش والقاعدة للوطن العربي، من محيطه إلى خليجه، أبعاد متعددة، سياسية واقتصادية واجتماعية. يتمثل البُعد السياسي في محاولة أصحابه (أيمن الظواهري وأمثاله) الاستيلاء على السلطة في البلاد العربية، وإقامة الخلافة الإسلامية مجدداً. وهذا بالطبع مشروع عقل مريض، وغير قابل للتحقيق. فالخلافة الإسلامية مرّت فترة في تاريخ العرب والمسلمين، وانتهت إلى غير رجعة. والخلافة مثل حلم بعض العرب الحالمين باستعادة الأندلس. وعلى الرغم من ذلك، نسأل: من قال إن الغالبية العظمى من العرب يريدون إقامة الخلافة الإسلامية، أو حتى فكروا أو يفكرون فيها؟ والسؤال الآخر: ما الذي سيقدمه نظام الخلافة السياسي للعرب، ويستوجب تدمير العالم العربي وقتل وتشريد الملايين للوصول إليه؟ يكفي التذكير، هنا، بأن أبرز معالم الفكر السياسي لأصحاب هذا المشروع عدم إيمانهم بالديمقراطية، وهذا ما أعلنه صراحة قادتهم السياسيون والدينيون، باعتبار الديمقراطية بدعة غربية، جاء بها الكفار.
أما البُعد الاقتصادي من مشروع هذين التنظيمين فغير واضح المعالم والتفاصيل. وتعتني هذه السطور بمعالجة البُعد الاجتماعي لمشروعهما، ومخاطر برنامجهما الاجتماعي على ما أحرزه العرب من تقدم اجتماعي، وعلى حياة وحرية كل فرد من الثلاثمائة وخمسين مليون عربي. بكلام آخر، أي نوع من المجتمعات سيقيمه قادة داعش والقاعدة للشعوب العربية؟
حقوق الإنسان
لا يعترف هؤلاء بحقوق الإنسان التي توصلت إليها وقبلتها البشرية مجتمعة، وفي مقدمتها الحق في الحياة. ففي ظل هذا المشروع، لا يستطيع أي عربي واقع تحت سلطة تنظيم داعش والقاعدة الادعاء بأن له الحق في الحياة. فالذي يقرر حق كل فرد في الحياة هو الظواهري والبغدادي وغيرهما (القرآن الكريم يضمن الحق في الحياة لكل إنسان، ويعتبر حقا مقدساً). ويؤكد إنكار تنظيم داعش حق البشر في الحياة تصرفاته أينما حلّ في العراق وسورية، حيث قام ويقوم بقتل وذبح وحرق الرجال والنساء والأطفال لأقل سلوك بدر منهم، لا يتفق مع رؤية التنظيم السلوك الصحيح والواجب. وعادة ما تصدر قرارات الموت والإعدام عما يسمى "محكمة شرعية" و "قاض شرعي" لا يعرف من العدالة شيئاً، وربما لا يعرف من الشريعة شيئاً.
ويحرص أصحاب هذا المشروع على التأكيد، بمختلف الوسائل، على أن فكرهم هو الوحيد الصحيح والمسموح به تحت طائلة التكفير والتعرض للقتل أو الحرق. وبالتالي، هم مصممون على إلغاء فكر علماء السنة والشيعة والمذاهب الأخرى. ويعملون على إلغاء فكر العلمانيين وعلماء الطبيعة العرب. أما الفكر الإلحادي فمصيره ومصير أصحابه تحصيل حاصل. باختصار، أنت وأنا غير مسموح لنا أن نفكر في الكون والتطور والحياة والموت والقدر كيفما نشاء. هم يفكرون عنّا، ويحددون طريقة تفكيرنا ومضمونها وحدودها.
أما عن التعليم، فوضعه في العالم العربي لا يسرّ إطلاقا، والعرب، حالياً، في آخر قارات العالم من الناحية التعليمية والعلمية. فكيف سننتهي، وإلى أي درك سنتهاوى في حال سيطرة داعش والقاعدة وتطبيق مناهجهما التعليمية (محافظة الرقة السورية نموذجاً) التي يدور معظمها على التوحيد والعبادات والفقه، بينما يتعلق بعضها بمعارف متفرقة هزيلة، ستجعل الفرق شاسعاً بملايين السنوات بين الأجيال العربية الناشئة وبقية شعوب العالم. وما ظهر من دلائل أولية على هذه المناهج، يبدو أنها ستخلو من مواد التربية المدنية والتاريخ وعلم الأحياء والفيزياء والكيمياء، وبالتأكيد الفلسفة والعلوم الاجتماعية والموسيقى والفنون. وهناك مؤشرات أخرى تدل على أن الالتحاق بالتعليم سيكون مسموحاً للفتيات إلى سن محددة (المرحلة الإعدادية)، وما ستتعلمه البنات يختلف عما سيتعلمه الذكور. وبالطبع، سيتم القضاء على حرية البحث العلمي.
مخاطر على الثقافة والحريات والأقليات
الثقافة العربية والتطور الثقافي والمعرفي العربي سيضمحلان، في ظل السيطرة السياسية لأصحاب فكر داعش والقاعدة. بدأوا بتدمير التراث العربي والإسلامي، الفكري والمادي، حيثما سيطروا، بحرق كتب التراث وتدمير الآثار العربية والإسلامية، وهذا ما لم يفعله سوى المغول عند احتلالهم بغداد، ربما بدرجة أقل من داعش. أما الثقافة العربية المعاصرة، فلن تُؤلف وتُنشر الكتب إلا التي تتفق مع منظورهم، بما في ذلك الروايات الأدبية والمجموعات الشعرية. والنتيجة معروفة سلفا، وهي تراجع الثقافة العربية والفكر العربي إلى الحضيض. أما الأفلام والبرامج الإعلامية والتثقيفية الأخرى فستندثر، وتتقلص إلى نمط لا إبداع، ولا روح، فيه.
وقد ناضلت البشرية طوال قرون، ودفعت الشعوب دماء غالية، لتنال حرياتها الشخصية والفردية، بعيداً عن قيود الحكام والسلطات السياسية والدينية. وأضحت هذه الحريات من أقدس الحريات التي ينشدها البشر، بمن فيهم العرب. لكن هذه الحريات ستقمع بالحديد والنار في ظل حكم داعش، ولن تكون لنا حرية اللباس، وحرية الترفيه، وحرية العلاقات الغرامية، وحرية الرقص الشعبي والترفيهي، وحرية اللهو وغيرها من الحريات الشخصية.
وستواجه الأقليات الإثنية والدينية والمذهبية في ظل حكم داعش خطر الإبادة، وسبي نسائها إن لم تدخل في الإسلام، كما يفهمه أبو بكر البغدادي وأيمن الظواهري وأمثالهما. وقد أكدت داعش القول بالفعل، بمعاملتها هذه الجماعات من قتل للأزيديين، وسبي نسائهم، وإدخال أطفالهم عنوة في مذهب التنظيم المتحجر، وفي معاملتها المسيحيين من تدمير لكنائسهم وقتلهم وفرض الجزية عليهم ذهبا، وبقتل حتى المسلمين السنة الأكراد وسبي نسائهم.
المرأة العربية
رحم الله المرأة العربية في حال سيطرة داعش والقاعدة. فقبل أي شيء آخر، ستُمنع من التعليم والعمل، وتُعاد إلى سجن الأسر المنزلي. ويكفي أن المرأة العربية، عازبة أم متزوجة، ستمنع من الخروج من المنزل من دون محرم، مما يعني أن حياتها العامة والخاصة ستتوقف وتتعطل. وكل ما سيسمح لها بتعلمه هو الدين الداعشي والقاعدي. وبعد ذلك، ستتعرض المرأة للسبي وجهاد النكاح، وتتحول سلعة تباع وتشترى لتشبع رغبات الرجل، في عودة إلى نظام عبودية، أو استرقاق، المرأة الذي ساد قروناً طويلة في مختلف أنحاء العالم، وتطلب ثورات ونضالات كبرى للتخلص منه. أما ألطف معاملة ستكون المرأة العربية عُرضة لها وتتلقاها من داعش، فهي الإخفاء القسري الجسدي، بإلباسها ما يشبه الخيمة، والإخفاء المعنوي، بإبعادها عن الحياة العامة. ويلي الإخفاء القسري الجلد العلني، وقتل مواهبها وطاقاتها. أما المعاملة غير اللطيفة إطلاقاً فستكون الرجم. وقد مارس تنظيما داعش والقاعدة كل هذه الممارسات في سورية والعراق، وقبلهما في أفغانستان.
كيف تتم مواجهة داعش والقاعدة؟
ما تقدم صورة استشرافية مبنية على أدلة ووقائع لما ستكون عليه أوضاع المجتمعات العربية، في حال سيطرة داعش والقاعدة على السلطة في البلاد العربية. ولو عرضنا هذه الصورة على المواطنين العرب، فإنها لن تلقى تأييد سوى ما بين واحد وخمسة بالمائة في أقصى التوقعات. وبالتالي، علينا أن ننشر هذه الصورة القبيحة على أوسع نطاق، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وعلينا وضع برامج تثقيف مضادة موجهة للأطفال واليافعين العرب، لتوعيتهم بخطورة تأييد داعش والقاعدة على حياتهم ومستقبلهم. ومن الضروري تخليص أطفالنا من السيطرة الفكرية لهذين التنظيمين اللعينين.
ويقول علماء مسلمون أفاضل إن المواجهة مع هؤلاء تكون بالحوار الرصين والعقلاني. ونحن نخالفهم هذا الرأي، إذا كان المقصود بالحوار أن يتم مع قادة داعش والقاعدة الفكريين السياسيين. فالحوار الفكري والديني مع هؤلاء المنحرفين المعتوهين المجرمين القتلة غير جائز، وغير مجدٍ. المواجهة الوحيدة الفعالة مع قياداتهم الدينية والسياسية والعسكرية بالسلاح والعمل على تدميرهم وإبادتهم. لكن، يمكن التوجه لعناصر التنظيم، لا سيما الشباب وصغار السن، لتوضيح مواطن الانحراف الديني، أو الخروج عن الإسلام الصحيح في فكر داعش والقاعدة، وفي ممارستهما. وعلى علماء المسلمين الأفاضل أن ينقوا الإسلام من كل الأدران والشوائب التي علقت به، أو ألصقت به.
وكلنا ثقة بأن تجربة داعش والقاعدة كابوس رهيب عابر في تاريخ أمتنا المعاصر، لن يعمّر طويلا. وتعطينا هذه الثقة معرفتنا أن الغالبية العظمى والساحقة من العرب لا تقبل ولن تقبل بهذا الفكر، ولن تخضع لحكم هؤلاء الفاشيين الجهلة الذين أغرقوا الأمة العربية في بحور من الدماء. ويجب أن نرفض ونقاوم العيش في ظل حكم هؤلاء الأوباش، حتى لو ضمنوا لنا الجنة، والجنة منهم براء.