وفي هذا الإطار، يصف عضو تكتل "مواطنة" ورئيس حزب "جيل جديد"، جيلالي سفيان، الولاية الرئاسية الخامسة المفترضة لبوتفليقة بأنها "إهانة للجزائر وللجزائريين"، داعياً في حديث إلى "العربي الجديد "القوى الجزائرية كافة، السياسية والمدنية والشعبية والمستقلين، إلى عمل مشترك لرفض ولاية العار الخامسة، وشجب هذا الاغتصاب للسيادة والمواطنة". ويشير سفيان إلى أنّ "الخوف اليوم سيكلفنا غداً غالياً، لأن الزمرة الرافضة الرحيل، تريد الاستمرار في نهب البلد تحت غطاء رجل مريض فاقد كل أهلية".
ولا تختلف مواقف قوى سياسية ومدنية وشعبية، وحتى من داخل النظام نفسه، على هذا الموقف، ولا على توصيف الوضع السياسي الراهن والمخرجات المتوقّعة في حال نجح مشروع الولاية الرئاسية الخامسة. إلا أنّها تطرح في المقابل أسئلة بشأن قدرة أي تشكيل معارض على منع حدوث المشروع وتلافي تداعياته المستقبلية، في ظلّ افتقاد المعارضة أدوات عملية ميدانية، سياسية وشعبية يمكن أن تحدّ من اندفاع وحماسة السلطة وأذرعها السياسية باتجاه ذلك. ويقرّ سياسيون وناشطون معارضون سياسات بوتفليقة بذلك. ويقول الناشط الغني بادي، وهو عضو في تكتل "مواطنة"، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ "المعارضة لا تملك أي وسائل في الفترة الحالية، سوى العمل على استرجاع الثقة التي فقدها المواطن فيها... وهذا أمر صعب. قد تراهن المعارضة على عوامل أخرى خارج صناعتها"، مشيراً إلى أنّ "الفضاء الطبيعي للمعارضة، وهو الشارع، ليس في إمكانها الضغط عبره وهو ليس في متناولها، فهي لا تستطيع لا تحريكه ولا التحكم به، إذا ما تحرّك تلقائياً. سبق لها أن حاولت ولم تلقَ استجابة واسعة، تجارب قليلة لكنها كانت كفيلة بتوضيح الرؤية للمعارضة".
ويضيف بادي أنّ "الحقيقة التي يجب أن تقال هي أنّ السلطة استقوت وتحكّمت في المشهد السياسي بسبب ضعف أداء المعارضة وإفلاسها. النظام السياسي عمل في سنوات ماضية على تدجين المعارضة وجعلها تتخبّط في مواقفها وخياراتها وتظهر في الأخير أمام الرأي العام بوجه أقبح من وجه السلطة"، مشيراً إلى أنّ الأخيرة "نجحت في خلخلة التركيبة السياسية للمعارضة نفسها، فبعض قوى المعارضة الحالية سبق لها وأن تخندقت مع السلطة في العقدين الماضيين، وهذا يضعف موقفها الأخلاقي في الشارع السياسي اليوم". ويتابع بادي: "أمّا باقي القوى والشخصيات، فقد نجح النظام في تشويهها ووسمها بأنها مشروع معارضة انتهازية تحاول استغلال الشارع لمصالحها الحزبية".
في عام 2014، نشطت في العاصمة الجزائرية حركة "بركات" وتعني كفاية، والتي عارضت في تظاهرات وتجمّعات احتجاجية ترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات التي جرت في إبريل/نيسان 2014، رغم معاناته الشديدة حينها من وعكة صحية ألمّت به في إبريل 2013 واستدعت بقاءه في مستشفى باريسي لمدة 81 يوماً. وإذا كانت "بركات" قد حرّكت الشارع في العاصمة نسبياً باتجاه موقف انتقادي وحاد شاركت فيه نخب سياسية، فإن ذلك كان مبعثاً لمشروع تكتل جامع للمعارضة يأخذ في حساباته رهانات انتخابات 2019. لكن التكتّل هذا سرعان ما انفرط مع أول استحقاق انتخابي.
وتدرك القوى المعارضة كـ"حركة مجتمع السلم" و"جبهة القوى الاشتراكية" و"حزب العمال" و"جبهة العدالة والتنمية" و"حزب الطلائع" وغيرها، هذا الواقع السياسي، ما يزيد في الحدّ من مبادرتها.
ومن خارج الكتلة المعارضة، تظهر المواقف نفسها بشأن ضعف المعارضة السياسية وعدم قدرتها على القيام بمواجهة جدية لمشروع الولاية الخامسة المفترضة. وفي هذا السياق، يؤكّد المحلل السياسي أيدير دحماني أنّ "احتمالات قدرة المعارضة على قطع طريق الولاية الخامسة ضعيفة جداً، وهناك جملة من المعطيات تفسّر ذلك"، موضحاً أنّ "المجتمع السياسي أصيب بحالة خمول تستفيد منها السلطة، إضافة إلى تراجع الروح الثورية الانتقادية والمطلبية للشارع الجزائري والتي صنعت محطات احتجاج كالربيع الأمازيغي في إبريل 1980، وانتفاضة أكتوبر 1988. هذا فضلاً عن خيانة النخب وبعض الأحزاب السياسية المعارضة التي غيّرت مواقفها وتلاعبت بها السلطة، ليصبح الشعب أكثر غياباً عن الأحداث والرهانات".
ويطرح دحماني في المقابل مقاربة أخرى تتعلّق بـ"احتمال أن يكون التغيير والوقوف في وجه الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، من داخل النظام نفسه، بسبب إدراك جهات داخله المخاطر المترتبة على هذه الخطوة، وهذا هو بصيص الأمل الوحيد"، مضيفاً أنّ "هناك حديثاً أيضاً عن تغيير سلس سيحدث قبيل الولاية الخامسة وسيكون بمثابة مرحلة انتقالية لما بعد البوتفليقية".
ويرفع دحماني منسوب الشكّ في أن يكون توالي المناشدات السياسية والمدنية لترشح بوتفليقة عام 2019، هو سيناريو لتوفير مخرج تعفف للرئيس وتنحيه عن الحكم في اللحظة الأخيرة، ويعتبر أنّ عامل السن بالنسبة لبوتفليقة ولبعض رموز حكمه، بينهم قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، سيلعب دوراً ضد السلطة نفسها. ويقول: "في الحقيقة، قانون البيولوجيا هو الذي سيرغم السلطة على إيجاد نصوص جديدة وتغييرات في النظام الأمني، وكذلك اتخاذ إجراءات كفيلة بالمرور لتوفير خروج آمن للأسماك ــالرموزــ الكبيرة والنظام بصفة عامة"، مشيراً إلى أنّ "هناك معلومات عن اجتماعات متواصلة ولا تتوقف في الحكومة والجيش والرئاسة، أتوقّع أن تحدث بعض التطورات السياسية خلال الصيف".
وفي عام 2014، نجحت قوى المعارضة السياسية في الجزائر في تشكيل جبهة موحدة تحت اسم "تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي"، ووضعت خطة عمل سياسية ومشروعاً ضمن خطوات تستهدف إحداث التغيير السياسي في البلاد. وكان يبدو أنّ المعارضة التي تزامنت خطوتها تلك مع بداية أزمة اقتصادية ومالية حادة، تتقدّم نحو امتلاك أداة ضغط سياسية حقيقية قد تدفع السلطة إلى مراجعة مواقفها وقواعد اللعبة السياسية. لكن هذا التكتل سرعان ما تفكّك بسبب خلافات بين أقطاب المعارضة، لتأتي الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار 2017 وتجهز على ما تبقى من هذا التوافق، بسبب قبول عدد من أحزاب المعارضة المشاركة فيها، من دون تحقيق السلطة مطلب إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات. وأنهى ذلك كل أمل في إمكانية أن توفّر المعارضة فرصة لمواجهة سياسية ندية مع السلطة في انتخابات 2019 بشكل أو بآخر.