09 أكتوبر 2018
مشاهد من تاريخ المملكة
أحمد مصطفى (مصر)
كان اللقاء الأول بين محمد بن سعود، الأب الروحي لفكرة المملكة العربية السعودية، مع محمد بن عبد الوهاب عام 1745 في الدرعية على حدود الرياض التي اتخذها ملوك آل سعود عاصمة لتلك المملكة الحديثة، حيث فرّ ابن عبد الوهاب من أهل "العينية" التي كانت وجهته الأولى لمشروعه الذي أدرك فيه أهمية دور الدولة ومؤسساتها لبسط فكره وترسيخه في نفوس الناس، فتوجه إلى أمير "العينية"، عثمان بن أحمد بن معمر، ليعرض عليه فكرته الخاصة بشكل السلطة، ويبشره بملك نجد إذا تبعه وسخّر جنده وجيشه في خدمة دعوته.
وبدأ ابن عبد الوهاب في تنفيذ رؤيته بالهجوم على القبور والأضرحة التي تعلّقت بها الناس حتى ذهب بنفسه لهدم قبر، زيد بن الخطاب، مما أثار غضب الناس بشكل هدّد فيه ملك عثمان بن أحمد، فسمح له بالهروب إلى الدرعية ليلتقي لأول مرة بمحمد بن سعود الذي تحمّس بشدّة لمشروع ابن عبد الوهاب.
ولد ابن عبد الوهاب في ظلّ ظروف صعبة، تمرّ بها الأمة العربية والإسلامية، حيث نشأ في نجد، تلك البيئة البدوية التي ظلّت بعيدة كل البعد عن التغيرات الثقافية والفكرية التي طرأت على المجتمعات المسلمة، نتيجة خروجها من مهدها الأول (شبه الجزيرة العربية) إلى مجتمعاتٍ ذات تراكم تاريخي وفلسفات مختلفة، ترسّخت في أذهان سكانها نتيجة تعدّد الحضارات على أراضيهم مثل العراق، الشام، مصر وبلاد فارس.. ما أدى إلى ظهور تيارات فكرية مختلفة في الفكر الإسلامي وعلوم تواجه تلك الأفكار الفلسفية بأدلةٍ عقليةٍ وشواهد شرعية، فظهر علم الكلام الذي رفضه ابن عبد الوهاب بشكل قاطع، حين ذهب إلى البصرة، ورأى أنّ لا بدّ للأمة أن تعود إلى نمطها السلفي البدائي، رافضاً كلّ علوم الجدل والفلسفة التي لا تناسب بساطة المجتمع الإسلامي الأول في شبه الجزيرة العربية، لذلك رفض كلّ ما دخل على عادات المسلمين من بدع ومحدثات، نتيجة اختلاطهم بالثقافات الأخرى.
عرف المماليك طريق الحكم والسلطة للمرة الأولى، حين استعان بهم الخليفة العباسي المعتصم، ظنّا منه أنهم لن تكون لهم مطامع في السلطة كونهم ليسوا بني عرب، وسيكون الاعتماد على قوتهم العسكرية القوية في حفظ العرش العباسي من أيّ تقلباتٍ داخليةٍ أو ثورات قبلية. لكن طالما أنّ أيّ قوة عسكرية ترى في نفسها الأحقّ بتولي زمام السلطة، انقضّ المماليك على الحكم، وراحت لما تفتقره من علوم وفكر (شأن أي قوة عسكرية) تحارب أي تيار فكري في الدولة، ودعمت بشكل قوي الفكر الصوفي الجديد المرتبط بالقبور والأضرحة التي تتوسل بها الناس وتتوسط بها عند الله، وهو ما استمر مع الحكم العثماني، وهو ما رآه ابن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الكفر والشرك بالله، وأنّ قتالهم واجب، فكانت تلك الأمور هي القاعدة الفكرية الأولى للمملكة التي وضع كل من ابن سعود وابن عبد الوهاب، التصوّر المبدئي لها.
وبالفعل، بدأت تلك الحركة نشاطها خارج الدرعية، ونجحت، بالفكر العسكري لابن سعود والجانب التنظيمي لابن عبد الوهاب، في السيطرة على نجد بأكملها، وبدأ ابن عبد الوهاب في ترسيخ قواعد تلك الدولة في مخاطبة شيوخ المسلمين والحجاج، ليعرض عليهم فكرته الخاصة بإحياء العقيدة الإسلامية الصحيحة (كما يراها هو) من الدرعية عاصمة الدولة الجديدة. وكما تأثر ابن عبد الوهاب بفكر الإمام أحمد بن حنبل، رائد الفكر السلفي، في التنزيه الكامل والمجرّد للإسلام من كل الشبهات التي دخلت عليه مع مغالاة المعتزلة، وكذلك تأثره الشديد بفكر ابن تيمية وابن القيم، فلم يكن غريبا أن يتبع ابن عبد الوهاب رأي الإمام أحمد بن حنبل في بقاء الخلافة والحكم في قريش فقط، معلناً بذلك عداءه للخليفة العثماني في الأستانة.
استمرت حركة ابن سعود الذي تشبّع بالفكر الوهابي الكامل، حتى بعد وفاة ابن عبد الوهاب، فنجح في تمدّد دولته حتى الحجاز، ودخل بجيشه كربلاء وهدّم قبة الحسين واستولى على ممتلكاتها، ونجح في إخضاع مكة والمدينة لسلطته بعد أن طرد الأتراك، ليعلن بشكل فعلي عداءه السلطة العثمانية، فما كان من أستانة إلا الاستعانة بمحمد علي وجيشه المصري بعد أن شعرت بخطر تلك الحركة على الإمبراطورية العثمانية، وقد نجح الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا في القضاء على تلك الحركة واستعادة السيطرة على شبه الجزيرة العربية.
انهزم جيش ابن سعود، لكن الفكرة الوهابية وحلم المملكة في نفوس كل من آل سعود وآل الشيخ بقيت كما هي ولم تمت، حتى ظهرت وتم استدعاؤها من جديد مع بدايات الحرب العالمية الأولى والتشكيل الجديد لمنطقة الشرق الأوسط، بعد هزيمة دول المركز وتقسيم الإمبراطورية العثمانية، فكان لتلك الحركة دور مهم في ذلك التشكيل الجديد.
وبدأ ابن عبد الوهاب في تنفيذ رؤيته بالهجوم على القبور والأضرحة التي تعلّقت بها الناس حتى ذهب بنفسه لهدم قبر، زيد بن الخطاب، مما أثار غضب الناس بشكل هدّد فيه ملك عثمان بن أحمد، فسمح له بالهروب إلى الدرعية ليلتقي لأول مرة بمحمد بن سعود الذي تحمّس بشدّة لمشروع ابن عبد الوهاب.
ولد ابن عبد الوهاب في ظلّ ظروف صعبة، تمرّ بها الأمة العربية والإسلامية، حيث نشأ في نجد، تلك البيئة البدوية التي ظلّت بعيدة كل البعد عن التغيرات الثقافية والفكرية التي طرأت على المجتمعات المسلمة، نتيجة خروجها من مهدها الأول (شبه الجزيرة العربية) إلى مجتمعاتٍ ذات تراكم تاريخي وفلسفات مختلفة، ترسّخت في أذهان سكانها نتيجة تعدّد الحضارات على أراضيهم مثل العراق، الشام، مصر وبلاد فارس.. ما أدى إلى ظهور تيارات فكرية مختلفة في الفكر الإسلامي وعلوم تواجه تلك الأفكار الفلسفية بأدلةٍ عقليةٍ وشواهد شرعية، فظهر علم الكلام الذي رفضه ابن عبد الوهاب بشكل قاطع، حين ذهب إلى البصرة، ورأى أنّ لا بدّ للأمة أن تعود إلى نمطها السلفي البدائي، رافضاً كلّ علوم الجدل والفلسفة التي لا تناسب بساطة المجتمع الإسلامي الأول في شبه الجزيرة العربية، لذلك رفض كلّ ما دخل على عادات المسلمين من بدع ومحدثات، نتيجة اختلاطهم بالثقافات الأخرى.
عرف المماليك طريق الحكم والسلطة للمرة الأولى، حين استعان بهم الخليفة العباسي المعتصم، ظنّا منه أنهم لن تكون لهم مطامع في السلطة كونهم ليسوا بني عرب، وسيكون الاعتماد على قوتهم العسكرية القوية في حفظ العرش العباسي من أيّ تقلباتٍ داخليةٍ أو ثورات قبلية. لكن طالما أنّ أيّ قوة عسكرية ترى في نفسها الأحقّ بتولي زمام السلطة، انقضّ المماليك على الحكم، وراحت لما تفتقره من علوم وفكر (شأن أي قوة عسكرية) تحارب أي تيار فكري في الدولة، ودعمت بشكل قوي الفكر الصوفي الجديد المرتبط بالقبور والأضرحة التي تتوسل بها الناس وتتوسط بها عند الله، وهو ما استمر مع الحكم العثماني، وهو ما رآه ابن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الكفر والشرك بالله، وأنّ قتالهم واجب، فكانت تلك الأمور هي القاعدة الفكرية الأولى للمملكة التي وضع كل من ابن سعود وابن عبد الوهاب، التصوّر المبدئي لها.
وبالفعل، بدأت تلك الحركة نشاطها خارج الدرعية، ونجحت، بالفكر العسكري لابن سعود والجانب التنظيمي لابن عبد الوهاب، في السيطرة على نجد بأكملها، وبدأ ابن عبد الوهاب في ترسيخ قواعد تلك الدولة في مخاطبة شيوخ المسلمين والحجاج، ليعرض عليهم فكرته الخاصة بإحياء العقيدة الإسلامية الصحيحة (كما يراها هو) من الدرعية عاصمة الدولة الجديدة. وكما تأثر ابن عبد الوهاب بفكر الإمام أحمد بن حنبل، رائد الفكر السلفي، في التنزيه الكامل والمجرّد للإسلام من كل الشبهات التي دخلت عليه مع مغالاة المعتزلة، وكذلك تأثره الشديد بفكر ابن تيمية وابن القيم، فلم يكن غريبا أن يتبع ابن عبد الوهاب رأي الإمام أحمد بن حنبل في بقاء الخلافة والحكم في قريش فقط، معلناً بذلك عداءه للخليفة العثماني في الأستانة.
استمرت حركة ابن سعود الذي تشبّع بالفكر الوهابي الكامل، حتى بعد وفاة ابن عبد الوهاب، فنجح في تمدّد دولته حتى الحجاز، ودخل بجيشه كربلاء وهدّم قبة الحسين واستولى على ممتلكاتها، ونجح في إخضاع مكة والمدينة لسلطته بعد أن طرد الأتراك، ليعلن بشكل فعلي عداءه السلطة العثمانية، فما كان من أستانة إلا الاستعانة بمحمد علي وجيشه المصري بعد أن شعرت بخطر تلك الحركة على الإمبراطورية العثمانية، وقد نجح الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا في القضاء على تلك الحركة واستعادة السيطرة على شبه الجزيرة العربية.
انهزم جيش ابن سعود، لكن الفكرة الوهابية وحلم المملكة في نفوس كل من آل سعود وآل الشيخ بقيت كما هي ولم تمت، حتى ظهرت وتم استدعاؤها من جديد مع بدايات الحرب العالمية الأولى والتشكيل الجديد لمنطقة الشرق الأوسط، بعد هزيمة دول المركز وتقسيم الإمبراطورية العثمانية، فكان لتلك الحركة دور مهم في ذلك التشكيل الجديد.