مشاكل إيران مع المصارف العالمية تتزايد بصعود ترامب

31 يوليو 2016
بطء وتيرة التحسن الاقتصادي رغم توقيع الاتفاق النووي(Getty)
+ الخط -


أصاب تصويت البريطانيين بالموافقة على انفصال بلادهم عن الاتحاد الأوروبي وصعود نجم المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب المساعي التي تبذلها حكومات غربية لتشجيع البنوك الدولية المترددة والعازفة عن التعامل مع ايران بحالة من الشلل.

ويعمل غموض الصورة على إحباط مساعي طهران لجذب استثمارات أجنبية لتنشيط الاقتصاد المتعثر.

ويتمثل هذا الغموض في المستقبل السياسي والاقتصادي لبريطانيا واحتمالات وصول ترامب الذي يريد إلغاء الاتفاق النووي مع ايران إلى البيت الابيض بل وما إذا كانت البنوك الغربية ستخالف العقوبات الأميركية المفروضة على طهران إن هي نفذت تعاملات مع الجمهورية الإسلامية.

وقد أدى فشل ايران في تحقيق الاستفادة الكاملة من النظام المالي العالمي بعد عام من توقيع اتفاقها النووي مع القوى العالمية الكبرى إلى تزايد حدة الخلافات السياسية داخليا.

كما زاد ذلك من الضغوط على الرئيس حسن روحاني المقبل على انتخابات رئاسية في العام المقبل والذي قامر بالاتفاق النووي في سبيل جلب الاستثمارات الأجنبية للمساهمة في رفع مستويات المعيشة.

وبمقتضى الاتفاق رفعت رسميا العقوبات المالية الدولية التي كانت مفروضة على ايران في يناير/ كانون الثاني الماضي ومع ذلك لم تقم طهران علاقات مصرفية سوى مع عدد محدود من البنوك والمؤسسات الأجنبية الصغرى.


وقال مسؤول ايراني رفيع إن طهران تدرس البدائل المتاحة.
وأضاف "إيران ستواصل العمل مع البنوك والمؤسسات الصغرى ما دامت البنوك الأوروبية الكبرى عازفة عن العودة إلى إيران".

وتابع المسؤول "تقديرنا أن هذا الغموض سيستمر بضع سنوات. ونحن نجري مباحثات مع دول كثيرة، على رأسها الصين وروسيا ودول أفريقية، لتوسيع تعاوننا المصرفي بهدف حل المشاكل المصرفية والمالية القائمة".

ولا تزال البنوك الأميركية ممنوعة من التعامل مع إيران بمقتضى عقوبات أميركية مازالت سارية المفعول.
كذلك تواجه البنوك الأوروبية مشاكل كبرى، على رأسها قواعد تحظر إبرام صفقات مع إيران بالدولار الأميركي وإتمامها عبر النظام المالي الأميركي.

ومازال التوتر ينتاب البنوك في أعقاب سلسلة من الغرامات الأميركية الضخمة، من بينها غرامة قدرها تسعة مليارات دولار على بنك بي.ان.بي باريبا الفرنسي في عام 2014، لأسباب أهمها انتهاك عقوبات مالية أميركية.

تريث وانتظار

وتقول بريطانيا إنها مازالت ملتزمة بمعالجة مخاوف البنوك بينما تقول الخزانة الأميركية إنها لن تقف في طريق أي تعاملات مشروعة مع إيران.

ومع ذلك يعتقد مسؤولون إيرانيون ومصرفيون أجانب أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها بريطانيا بعد الاستفتاء ألهت الحكومات في لندن وعواصم أوروبية أخرى في حين أن احتمال إصابة الاقتصاد البريطاني من جراء ذلك بصدمة قد تدفعه إلى الركود زاد من حذر البنوك.

وقال مسؤول إيراني رفيع آخر إن "الخوف من العواقب المالية لانفصال بريطانيا جعلها والدول الأوروبية الأخرى أكثر حرصا في التعامل مع إيران. وقد تبنّت أغلبها سياسة التريث والانتظار".

وأضاف "لدى البنوك والسلطات البريطانية مشكلة كبيرة جدا عليهم مواجهتها منذ الاستفتاء، فقد أصبحت أقل اهتماما بإيران بل ويمكنني أن أقول غير مهتمة تقريبا. وبالطبع نحن نؤمن أنه مازال بوسعنا العمل مع البنوك البريطانية وقلنا لها ذلك".

وتستشهد بنوك أوروبا عموما بالانتخابات الرئاسية الأميركية باعتبارها من عوامل المخاطرة السياسية، وتتجنب في الوقت نفسه التصريح تفصيليا بما قد يكون لفوز المرشح الجمهوري ترامب من أثر على أنشطتها.

ومع ذلك قال مسؤول إيراني آخر طلب عدم ذكر اسمه، إن الانتخابات وما وعد به ترامب من تمزيق الاتفاق النووي مع ايران إذا فاز بالرئاسة، كلها عوامل تعمل على تعقيد مساعي طهران.

وقال المسؤول "البنوك الأوروبية الكبرى تشعر بالقلق خوفا من نتيجتها (الانتخابات)، وقد قال لنا مسؤول في بنك ألماني في الآونة الأخيرة إنه لا يمكنهم المجازفة بالتورط في إيران لاسيما في الفترة التي يظل فيها ترامب مرشحا".

توتر شديد

كما يخشى كثير من البنوك الكبيرة مخالفة ما تبقّى من عقوبات أميركية على إيران، بما في ذلك التعامل مع الحرس الثوري الإسلامي الذي يمثل قوة عسكرية تملك مصالح واسعة في قطاع الأعمال من خلال شركات واجهة.

وقال مدير مسؤول عن تنفيذ العقوبات في بنك في بريطانيا "يبدو أن رفض البنوك يتزايد لفكرة التعامل مع إيران الآن. الأمر كله يتعلق بالروابط غير الواضحة مع الحرس الثوري الإسلامي من منظور المجازفة بالسمعة".


وفي يونيو /حزيران قررت وحدة العمل المالي، وهي مجموعة عالمية من الوكالات الحكومية المسؤولة عن مكافحة غسل الأموال، إبقاء إيران على قائمتها السوداء للدول ذات المخاطر العالية.
وقد رحبت الوحدة بما وعدت به إيران من تحسين أدائها ودعت إلى وقف العمل ببعض القيود لمدة عام، لكن هذا لم يفعل شيئا يذكر للتخفيف من مخاوف البنوك.

ومن الصعب تحديد حجم ما حصلت عليه إيران من تمويل منذ رفع العقوبات، لكن هذه المبالغ صغيرة بالمعايير الدولية.

وقال مسؤول إيراني آخر "بوادر التحسن الاقتصادي الحقيقي لن تتضح قبل عام 2019 بافتراض أن يسير كل شيء بسلاسة. هذه المشكلة تعوق الاقتصاد وتعطل الخطط الاقتصادية للحكومة، ولهذا السبب فإن الحكومة تتعرض لضغوط كبيرة بوسائل عديدة لحل هذه المشكلة".

ويلقي المتشددون في إيران باللوم على روحاني وأنصاره في إخفاق الاتفاق النووي في تحقيق تحسن سريع في مستويات المعيشة في وقت انخفضت فيه أسعار النفط من دون أن تصل الاستثمارات الأجنبية الموعودة.

وقال مسؤول آخر مقرب من روحاني "على الحكومة أن تحارب على جبهتين - في الداخل وفي الخارج. فخصوم الرئيس يبذلون قصارى جهدهم لإضعافه بانتقاد العيوب وبطء وتيرة التحسن الاقتصادي".

والبحث عن البدائل يجري على قدم وساق. وقد زار كبير مستشاري الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي روسيا عدة مرات منذ الاتفاق النووي، بينما زار وزير الخارجية محمد جواد ظريف عددا من الدول الأفريقية في الأيام الأخيرة، وأبدت إيران استعدادها لتعزيز التعاون الاقتصادي.

وزار الرئيس الصيني شي جين بينغ إيران في يناير/ كانون الثاني وبحث الفرص التجارية المتاحة.
وفي الشهر نفسه قال مسؤول كبير في البنك المركزي الإيراني إن بنك الصين الصناعي والتجاري يريد فتح فروع له في إيران. 

عامل الخوف

ربما يؤدي الفشل في تنشيط الاقتصاد إلى تدعيم موقف المتشددين المعادين للغرب بدرجة أكبر كثيرا من فصيل روحاني. غير أن أي ضغط من حكومات غربية على البنوك للتحرك لم يحقق نتائج تذكر فيما يبدو.

وامتنع رويال بنك أوف سكوتلند عن التعليق لكن بنك لويدز قال إنه يدرك أن "إيران مازالت بلدا يمثل التعامل معه مخاطر أعلى".

وقال بنك ستاندرد أند تشارترد إنه لن "يبرم أي تعاملات جديدة تكون إيران أو أي جانب في إيران طرفا فيها".

وأكد بنك إتش.اس.بي.سي من جديد إنه ليس لديه النية لتنفيذ تعاملات جديدة تتعلق بإيران أو أي طرف فيها.

وقال مصدر وثيق الصلة ببنك باركليز إن عددا كبيرا من المواطنين الأميركيين يشغلون مناصب كبيرة في البنك، وإن البنك يقدم خدمات مصرفية أيضا من خلال عملياته الأميركية. وقال المصدر إن إيران تمثل خطرا أكبر فيما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولذلك سيظل البنك يقيد التعامل مع إيران.

وأكد مدير رفيع ببنك أميركي عدم اهتمام البنك رغم اختلاف آراء الحكومة الألمانية.
وقال "برلين ليست سعيدة بتحفظ البنوك الألمانية في التعامل مع إيران. وإذا لم يحدث تقدم في إيران فالخطر قائم أن تتعرض الحكومة الإيرانية لضغوط وأن تصبح اليد العليا للمتشددين. ويجادل المتشددون الإيرانيون منذ وقت طويل بأنه لا يمكن إبرام تعاملات مع الغرب".

المجازفة

قالت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية إن المسؤولين في الخزانة لن يقفوا في طريق أي نشاط مسموح به مع إيران.
وأشارت إلى سفر عدد من المسؤولين إلى مختلف أنحاء العالم لتقديم إرشادات للحكومات والشركات والمؤسسات المالية.

وفي 12 يوليو/ تموز قالت وزارة الخارجية البريطانية إن اجتماعا بين البنك المركزي الإيراني ووزارة الخزانة الأميركية ومسؤولين بريطانيين وبنوك دولية في لندن قد تأجل.

ومما عقّد الأمور استقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في أعقاب استفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وما تلاه من تعديل وزاري أجرته تيريزا ماي التي خلفته في رئاسة الوزراء في 13 يوليو/ تموز.

وقال مصدر غربي "الحكومة الجديدة لديها أولويات أكبر ترتبط بالانفصال (عن الاتحاد الأوروبي) ومن المرجح أن يحتل الحافز لتسوية المشكلة المصرفية مقعدا خلفيا الآن. وستتأثر علاقات إيران أيضا بانتقال مسؤولين إلى مناصب أخرى بسبب الانفصال".

وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية إن من مصلحة البلدين أن يتم تدعيم التعاملات المشروعة. وأضافت "لا تزال بعض التحديات قائمة لكننا ملتزمون بالعمل على حلها مع الشركاء الدوليين وإيران والمجتمع المصرفي".

وتأجلت زيارة بعثة تجارية بريطانية لإيران في مايو/ أيار الماضي.
وقالت مصادر مصرفية إن السبب في ذلك يرجع جزئيا إلى رفض مصرفيين المشاركة فيها.

وقال مسؤول بريطاني إن الحكومة الجديدة حريصة على أن تتم هذه الزيارة خلال العام الجاري.

لكن المدير المسؤول عن العقوبات في بنك بريطاني أبدى تشككه وقال "سأدهش بدرجة كبيرة إذا قبل أي بنك من البنوك البريطانية الذهاب. فأنا لا أعتقد أن أيا من البنوك يريد المجازفة".




المساهمون