مشاغل 2015 وتحدياته المغربية

31 ديسمبر 2014

البرلمان المغربي يستمع إلى خطاب محمد السادس (مايو/2014/Getty)

+ الخط -
ونحن ندفن سنة، ونستقبل أخرى، لا يمكن إلا أن نحلم بسنة أفضل من التي مرت، وبمغرب وعالم عربي أفضل من اللذيْن كانا، وبسياسة أحسن مما رأينا، وبمجتمع حي فاعل متيقظ.
هموم كثيرة موضوعة على مكتب المغرب، الرسمي والشعبي، تنتظر حلولاً ذكية، وبرامج ناجعة، وتسويات مرضية، وجرأة كبيرة، أول هذه الهموم وأهمها الهم الديمقراطي، أي قانون سير السياسة والقرار وأجهزة الدولة، بما يرضي الدستور وروح الربيع العربي التي انبثقت من الحراك الشعبي قبل ثلاث سنوات، هل نريد أن نعمق مسار التحول الديمقراطي في البلاد، ونبني على ما تحقق من تقدم دستوري وسياسي وثقافي بعد 20 فبراير/شباط 2011؟ أم نريد أن نرجع عقارب الساعة إلى الوراء، وأن نعيد إحياء نظام الاستبداد الناعم والفساد الخشن؟ السؤال يهم الجميع، كل الأطراف مسؤولة بتفاوت عن رعاية التجربة الديمقراطية الفتية في البلاد. القصر مسؤول عن حماية هذا الاستثناء المغربي، وعدم الانجرار إلى خندق الدول التي عرفت، أو قادت، ثورات مضادة ضد رياح التغيير والإصلاح الذي بشر به الربيع العربي، قبل أن يصير خريفاً، والحكومة الحالية التي يقودها الإسلاميون مسؤولة عن حماية المكتسبات التي تحققت في المملكة، وعدم مقايضة الديمقراطية بكراسي الوزارات وامتيازات السلطة، والمعارضة مسؤولة عن حماية التجربة الديمقراطية الفتية وعدم جر الإسلاميين إلى تقاطب أيديولوجي، يقسم المجتمع بين علماني وأصولي، عوض تقسيمه إلى محافظ وتقدمي، ديمقراطي واستبدادي، يساري أو ليبرالي... الانقسامات والاختلافات في السياسة والبرنامج تقود إلى الديمقراطية، أما الانقسامات حول الدين والمذهب والطائفة والهوية فلا تقود سوى إلى الحرب الأهلية.
لا استقرار حقيقياً بدون ديمقراطية. هذه قاعدة مجربة على مدار 200 سنة على الأقل، ولا أمان لأحد بدون توازن، وبدون مشاركة سياسية واسعة، وبدون عجلة إصلاح تدور 24 ساعة على 24 ساعة. أمام المغرب اختبار حقيقي في سنة 2015 المقبلة، يتمثل في الانتخابات الجماعية، إذا مرت أفضل من سابقاتها، نكون قد تقدمنا إلى الأمام، إذا مرت في الأجواء التي نعرف من تزوير ذكي، واستعمال للمال السياسي، وتلاعب بالتقطيع الترابي، والسماح للأعيان وسماسرة الانتخابات باللعب في الميدان، بدون قيد ولا شرط. آنذاك، سيضع المواطنون أيديهم على قلوبهم، والانتخابات ليست قوانين وإجراءات وضمانات. قبل هذا، شفافيتها قرار سياسي، والقرار قناعة ورؤية وحسابات دقيقة للمستقبل، في فرنسا يقولون:
la France n avance que par des révolutions (فرنسا لا تتقدم من دون ثورات). هذا في بلاد كانت مهد أول ثورة في تاريخ البشرية. أما في المغرب، البلد المحافظ، فإننا نقول إن المملكة لا تتقدم إلا بالتوافق بين القصر والأحزاب السياسية، بين العرش وصندوق الاقتراع، بين شرعية الوراثة وشرعية الانتخاب، لكن هذا التوافق يجب أن يكون على الإصلاح، على سرعة الحركة نحو التغيير، لا على مكان الجمود، هذا هو التحدي الأكبر أمام المغرب في السنة المقبلة.
الهم الثاني هو النهوض بأحوال الفقراء والاهتمام بالمحرومين وإعادة النظر في طرق اقتسام الثروة. هناك اختلالات عميقة في الخارطة الاجتماعية للبلد، تزرع ألغاماً كثيرة تحت أساسات المغرب. في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، نبتت ثروة كبيرة في المغرب، لم يستفد منها الفقراء، ولم تستفد منها ميزانية الدولة، بل ذهبت إلى الجيوب الكبيرة التي تعرف من أين تؤكل الكتف، والفقراء ليسوا أرقاماً ونسباً بلا حركة ولا رد فعل. الفقراء بشر من لحم ودم وأحلام وغضب وعنف، هؤلاء وإن صبروا الآن، فلن يتركوا الآخرين يعيشون في جزر معزولة مستقبلاً، هم الآن يدقون الباب، ويصرخون ويئنون، غداً سيخلعون الباب، ويدخلون من دون استئذان.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.