وتجمعت أعداد كبيرة من السوريين والعديد من المتعاطفين مع الثورة السورية عند الساعة الرابعة بعد الظهر بتوقيت باريس، في ساحة شاتليه. ومن هناك، انطلقت المسيرة، التي جابت العديد من الشوارع، قبل أن تصل إلى ساحة إدمون مِشليه، المواجِهة لمكتبة بومبيدو الشهيرة، حيث ألقيت شخصيات فرنسية وسورية كلمات حول الثورة السورية، التي أكملت سنتها السابعة، وحول ما يعانيه الشعب السوري من آلام ومعاناة، إن "بسبب جرائم النظام وحلفائه، أو بسبب صمت المجتمع الدولي".
وردّد المتظاهرون شعارات باللغتين العربية والفرنسية، منددة بما وصفته بـ"المجرم" الأسد وحليفه "المجرم" (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، بالإضافة إلى شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، مؤكدين أن الشعب السوري لن يتخلّى أبدا عن الحرية والديمقراطية.
وردد المشاركون في المسيرة شعارات "تحيا الديمقراطية في سورية" و"يحيا كفاح الشعب السوري" و"الشعب السوري سوف يعيش وسينتصر" و"عاشت سورية، يسقط بشار الأسد"، منتقدين الاتصالات حول سورية التي تجري في تركيا وروسيا من خلال هتاف "لا سوتشي لا أستانة، حيّي الثورة وألله مْعَانا".
ولدى وصول المسيرة إلى ساحة إدمون مِشليه، حيث كانت تنتظر منصة نصبت بالتعاون مع بلدية باريس، التي أرسلت عمدتُها آن هيدالغو أحدَ ممثليها للمشاركة في التظاهرة ونقل دعم البلدية لنضالات الشعب السوري واللاجئين السوريين، وقف الجميع دقيقة صمت تضامناً مع شهداء الثورة السورية.
وقال ميشال مورزيير، المتحدث باسم "التجمع من أجل سورية حرة وديمقراطية"، إن "الحربين الكونيتين لم تستمرا سوى أربع وست سنوات، ونحن، الآن، نلج السنة الثامنة من خلال هذه المأساة".
ورأى مورزيير أن "السوريين، بكل تشعباتهم وطوائفهم، يرفضون أن يظلوا لعبة بأيدي الروس والإيرانيين وتركيا والأميركيين"، لافتاً إلى أن "ثمة كثير من الأرقام، وأنا أحتفظ بهذا الرقم، اليوم، وهو خاص بالأطفال السوريين، حيث قتل 19 ألف طفل، دون نسيان عشرات الآلاف من الأطفال الجرحى. وفي سنة 2017، تمّ تسجيل زيادة قدرها 50 في المائة من الضحايا بين الأطفال".
وتابع: "السوريون ليسوا مخدوعين بتغيرات التحالفات، وليسوا مخدوعين بهذه الخطوط الحمراء المغلوطة. أي خط أحمر؟ هل هو الغاز؟ وماذا عن النابالم؟ أليس خطّاً أحمر؟ تجويع السكان، أليس خطّاً أحمر؟ قصف المستشفيات، أليس خطا أحمر؟"، مضيفاً "لقد سئم السوريون كل هذه المواعيد، من سوتشي، أستانة، وجنيف1 وجنيف2 و3". وسخر من مواقف الرئيس الفرنسي ووزيرة الجيوش والرئيس اللذين يتحدثان عن "خطوط حمراء، وهي في واقع الأمر، مواقفُ تساهم في إحباط الشعب السوري".
بدوره، تحدث كريستوف جيرار، مساعد عمدة باريس، الذي زار دمشق مرات كثيرة عندما كان طالبا، عن "سبع سنوات لا تطاق مرت، مسببة مقتل أكثر من 500 ألف شخص". وأضاف جيرار: "باسم عمدة المدينة ومجلس باريس، وباسم كل المُنتَخَبين وكل الباريسيين، وأنتم أيضاً، بسبب وجودكم هنا، باريسيون، يتوجب علينا تقديم الحماية لكم".
وواصل حديثه: "علينا أن نظل مُعبَّئين لأننا نستقبل عائلات لاجئين، فروا من الحرب ومن الاضطهاد، دون أي تمييز، دون أي خيار. كل امرأة وكل رجل لاجئ في باريس، إلاّ وله مكانه وهو تحت حمايتنا".
وأضاف: "يتوجب على فرنسا والاتحاد الأوروبي أن يمارسا ضغوطاً لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، وحتى تبدأ المفاوضات لوضع حد لمعاناة المدنيين، وأخيراً، كي ترى فترة انتقالية سياسية، جديرة بهذا الاسم، النور في سورية"، ثم أعرب عن أمله في أن "تكون هذه الندف المتساقطة من الثلج دموعاً بيضاء لحريتكم ولسورية".
من جهتها، تحدثت سيسيل غودريو، رئيسة "أمنستي" الدولية، فرع فرنسا، عن "جحيم يعيشه الشعب السوري منذ سبع سنوات على أيدي أكثر المسؤولين سينيكية وقسوة في العالَم". ودانت "استخدام (الأسد) للحرب ضد الإرهاب من أجل ارتكاب جرائم ضد شعبه".
واعترفت أن منظمتها "تمتلك البراهين على جرائم الأسد، وقد نشرت أمنستي أكثر من 40 تقريراً عن سورية. وقد ارتكب النظام جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وتسبب في كوارث إنسانية، حيث المحاصرون مجوَّعين ومُنهَكين، ومحرومين من العلاج، طوال فترات الحصار".
وعددت غودريو "الأسباب الثلاثة التي تدفع الأسد الابن لمواصلة ما قام به الأب. أولها، الدعم الذي لا يتزحزح للروس، وثانياً، جمود المجتمع الدولي، وثالثاً بسبب حق الفيتو التي تستخدم وتبالغ في استخدامه روسيا، مانعة كل تصويت على قرار دولي".
ولفتت إلى أنه "رغم كل هذا، علينا واجب أخلاقي، ألا نتخلى عن الشعب السوري. وفي هذا الصدد علينا أن نهتم بقضية اللاجئين، فما دام الصراع لم يجد حلاً، فعلينا أن نعزّز دعمَنا لهؤلاء اللاجئين. وعلينا أن نسائل المسؤولين الذين لا يفعلون الشيء الكثير للتنفيس عن البلدان المجاورة، التي تستقبل ملايين اللاجئين. وفرنسا لم تحترم تعهداتها بخصوص اللاجئين السوريين، ولن تفعله إلا إذا صرخنا بصوت عال"، مطالبة الحضور بأن يصرخ معها: "لتتوقف المجزرة، وليتوقف الإفلات من العقاب".
أما فاروق مردم بك، فتحدث عن معاناة الشعب السوري طيلة سبع سنوات، والتي لم تتوقف. وخصّ سكان الغوطة المدنيين، حيث "فظاعات نظام خارج عن القانون ولا ضمير له، مدعوم بحليف روسي سيئ السمعة"، دون أن ينسى سكان عفرين، "ضحايا التدخل التركي".
واستطرد مردم بك قائلا: "إننا في سورية أمام النظام الأكثر إثارة للرعب في العالَم. قليلة فقط، هي شعوب العالم التي كانت لديها أسباب للثورة والتمرد مثل الشعب السوري. لأنه في سورية، لا يتعلق الأمر بإسقاط دكتاتورية، كما توجد في أمكنة أخرى، ولكن بدولة عائلية استبدادية ومافيوزية ودموية، قامت بخوصصة الدولة، وتحويل سورية إلى جنين الخوف، وقامت بتحريك الجماعات الإثنية والدينية الواحدة ضد الأخرى. واستولت على الاقتصاد الوطني، وارتكبت جرائم فظيعة ضد شعوب فلسطين ولبنان والعراق".
وانتقد مردم بك الموقفَ الرسمي الفرنسي، حيث "رئيس الجمهورية ووزيرته للجيوش يقولان الشيءَ ونقيضَهُ". كما عاب "انتقاد فرنسا للنظام السوري ثم القبول بالتفاوض معه"، و"رسم خطوط حمراء، ثم التذرع بأن النظام لم يتجاوزها".
وختم بأن الشعب السوري "يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى المساعدة الإنسانية والدعم السياسي لكل القوى التي تناضل من أجل حلّ سياسي عادل ومستدام"، أي "فتح الطريق أمام السلم الأهلي وسدّه أمام الطغمة التي قادت البلد، عبر عنادها الإجرامي، إلى الوضع المأساوي الذي يوجد عليه البلد".
كما ألقى ممثل للمعارضة الإيرانية كلمة قصيرة، عبّر فيها عن تضامنه مع الشعب السوري في مواجهة فظاعات النظام المدعوم من قبل (المرشد الإيراني) خامنئي وبوتين. ورأى أن "سقوط نظام الملالي، القريب، سيجعل نظام الأسد يهوي من تلقاء نفسه"، مؤكداً أن "ساعات نظام الملالي قريبة، وإن تظاهرات إيران الأخيرة أكدت أنه لن يفلت من الانهيار".