31 أكتوبر 2017
مسوّغات إشهار العلاقة السعودية الإسرائيلية
يعكس إطلاق "هاشتاغ" (سعوديون مع التطبيع) صورة أخرى من مظاهر إعداد المجتمع السعودي لتقبل نقل العلاقات بين الرياض وتل أبيب من طور السر إلى العلانية، فلم تسمح السلطات السعودية بإطلاق هذا "الهاشتاغ" من منطلق احترام حرية التعبير والرأي؛ في الوقت الذي يتم فيه تجريم السعوديين الذين يعبرون حتى عن موقف محايد من الأزمة الحالية مع قطر. وقد جاء "الهاشتاغ"، بعد أن نشرت صحف سعودية مقالاتٍ تدافع عن الكيان الصهيوني، وتجرّم المقاومة الفلسطينية؛ وبينما وصل الأمر بنخبٍ سعودية، مرتبطة بدوائر الحكم، إلى حد إجراء مقابلاتٍ مع قنوات التلفزة الإسرائيلية لمهاجمة المقاومة الفلسطينية وقطر، كما فعل عبد الحميد حكيم، مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط في جدة، في المقابلة التي أجرتها معه أخيرا قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، حيث غازل الصهاينة بتوجيه انتقادات حادة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي. من هنا، تضفي أنماط السلوك هذه صدقية على التسريبات التي زخرت بها وسائل الإعلام الغربية أخيرا، وتؤكد تقديم الرياض تعهدات لواشنطن بإطلاق خطواتٍ غير مسبوقة على صعيد التطبيع مع الكيان الصهيوني.
جهر القادة الصهاينة على مدى العامين الماضيين بحديثٍ عن تحولاتٍ كبيرةٍ طرأت على العلاقة مع السعودية ودول خليجية أخرى، وانشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية برصد مظاهر التعاون السرّي في المجالات الأمنية والاستخبارية إلى جانب التنسيق السياسي من وراء الكواليس. ليس هذا فحسب، بل لم تتردّد وزارة الحرب الصهيونية في الكشف عن بيع تل أبيب السعودية تقنياتٍ متقدمة ذات استخدام عسكري (مجلة الدفاع الإسرائيلي، 8 فبراير/ شباط 2017). ويمكن الافتراض أن رئيس الموساد السابق، تامير باردو، عندما كشف أخيرا عن عقده لقاءاتٍ مع معظم قادة الأجهزة الاستخبارية في المنطقة، كان يقصد أيضا عقد لقاءات مع مسؤولين سعوديين.
السؤال هنا: لماذا تتجه السعودية الآن إلى إشهار العلاقة مع إسرائيل؟. هناك ثلاثة أسباب
رئيسية وراء الحماس المتبادل لنقل العلاقة السعودية الإسرائيلية من الظلمة إلى النور، تتمثل في:
أولا: الرهان السعودي على انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، والتعويل على تطبيق برنامجه الانتخابي الذي مثّل، من ناحيةٍ نظرية، النقيض من سياسات سلفه باراك أوباما، ولا سيما في كل ما يتعلق بالموقف من إيران ودور الولايات المتحدة في المنطقة، ناهيك عن عدم تردّد الرئيس الجديد في التعبير عن حرصه على استقرار نظم الحكم الحليفة لواشنطن، انطلاقا من تكريس شعاره "أميركا أولا". من هنا، حرصت السعودية على التدليل على استعدادها للعمل على إنجاح التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وضمن ذلك "صفقة القرن" التي نظّر لها ترامب، بوصفها الحل الأمثل والنهائي للصراع العربي الإسرائيلي، وباعتبارها ضمانة استقرار المنطقة، من خلال إبداء الاستعداد للشروع في تطبيع العلاقة مع تل أبيب، فقد رأت إدارة ترامب، المتأثرة بمواقف حكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، أن إقدام الرياض على خطوات تطبيعية علنية مع إسرائيل يسهم في إيجاد بيئةٍ مناسبةٍ تساعد على إبرام هذه الصفقة. وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال قبل شهرين أن السعودية أبدت بالفعل استعدادا للشروع في خطواتٍ تطبيعيةٍ مع إسرائيل، حتى قبل أن تبدأ الأخيرة بأي خطواتٍ على صعيد حل الصراع مع الشعب الفلسطيني.
ثانيا: مثل طموح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ورغبته في تولي مقاليد الحكم، عاملا آخر دفع نحو الاستعداد السعودي للتطبيع مع إسرائيل. فيبدو أن حاجة الأمير الشاب إلى الدعم الأميركي، في طريقه نحو العرش، جعله مستعدا للدفع لإدارة ترامب "بالعملة الإسرائيلية"، من خلال الموافقة على التطبيع مع تل أبيب، إلى جانب تبني المفهوم الصهيوني للإرهاب، والذي وجد تعبيره في عدم تردّد وزير الخارجية السعودي، عادل جبير، في مطالبة قطر بقطع علاقتها مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واحداً من الشروط لطي ملف الأزمة الخليجية.
ثالثا: ترى تل أبيب في إخراج العلاقات مع السعودية إلى العلن مصلحةً استراتيجية من الطراز الأول، على اعتبار أن مثل هذا التطوّر يحسّن من فرص فرض مفهوم اليمين الصهيوني لتسوية
الصراع مع الفلسطينيين، والمتمثل في صيغة "التسوية الإقليمية"، والتي تقوم على التطبيع مع الدول العربية، وتوظيفه في الضغط على الفلسطينيين للقبول بأحد مشاريع الحلول التي تلتقي في ضمان بقاء الضفة الغربية والقدس تحت السيادة الإسرائيلية للأبد. ولا يمكن، هنا، إغفال الطموح الشخصي لرئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، الذي لعب دورا كبيرا في إقناع الأميركيين بالضغط على السعوديين للموافقة على التطبيع، على اعتبار أن هذا التطور يضفي مصداقيةً على برنامجه السياسي، ويدلل على الاختراقات التي حققتها إسرائيل تحت قيادته في العالم العربي، من دون أن تكون مطالبةً بتقديم تنازلات حقيقية.
وإلى جانب هذه العوامل، لا يمكن تجاهل تأثير قائمة المصالح المشتركة التي جمعت إسرائيل والسعودية، لا سيما التوافق على إحباط ثورات الربيع العربي، وإسناد الثورات المضادة. وتعد مصر مثالا للساحة الإقليمية التي تكامل فيها الدور السعودي والخليجي من جهة والدور الصهيوني في إسناد الثورة المضادة. ففي وقتٍ عملت فيه الرياض وعواصم خليجية أخرى على تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي لإنجاح الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي، عمل ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مكتب علاقات عامة لتسويق الانقلاب في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة.
ويتضح مما تقدم، أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من العلاقة مع السعودية والخليج. فلو تجاهلنا مصالح النخب الحاكمة في الرياض واعتباراتها، فإن الرياض لا تستفيد من إخراج العلاقة مع تل أبيب إلى العلن، بل ستتضرّر المصالح الوطنية للسعودية بشكل كبير، بسبب هذا التطور، فالإقدام على التطبيع مع إسرائيل سيحرج الحكم في الرياض أمام الجمهور السعودي، حيث أظهر "هاتشاغ" (سعوديون مع التطبيع) أن الأغلبية الساحقة ممن شاركوا في التغريد عليه ترفض التطبيع. وستمد هذه الخطوة ماكنة الدعاية الإيرانية بوقودٍ كثير لمهاجمة الحكم في الرياض، وسيعزّز من قدرة طهران على استقطاب قوى إقليمية كثيرة إلى جانبها.
جهر القادة الصهاينة على مدى العامين الماضيين بحديثٍ عن تحولاتٍ كبيرةٍ طرأت على العلاقة مع السعودية ودول خليجية أخرى، وانشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية برصد مظاهر التعاون السرّي في المجالات الأمنية والاستخبارية إلى جانب التنسيق السياسي من وراء الكواليس. ليس هذا فحسب، بل لم تتردّد وزارة الحرب الصهيونية في الكشف عن بيع تل أبيب السعودية تقنياتٍ متقدمة ذات استخدام عسكري (مجلة الدفاع الإسرائيلي، 8 فبراير/ شباط 2017). ويمكن الافتراض أن رئيس الموساد السابق، تامير باردو، عندما كشف أخيرا عن عقده لقاءاتٍ مع معظم قادة الأجهزة الاستخبارية في المنطقة، كان يقصد أيضا عقد لقاءات مع مسؤولين سعوديين.
السؤال هنا: لماذا تتجه السعودية الآن إلى إشهار العلاقة مع إسرائيل؟. هناك ثلاثة أسباب
أولا: الرهان السعودي على انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، والتعويل على تطبيق برنامجه الانتخابي الذي مثّل، من ناحيةٍ نظرية، النقيض من سياسات سلفه باراك أوباما، ولا سيما في كل ما يتعلق بالموقف من إيران ودور الولايات المتحدة في المنطقة، ناهيك عن عدم تردّد الرئيس الجديد في التعبير عن حرصه على استقرار نظم الحكم الحليفة لواشنطن، انطلاقا من تكريس شعاره "أميركا أولا". من هنا، حرصت السعودية على التدليل على استعدادها للعمل على إنجاح التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وضمن ذلك "صفقة القرن" التي نظّر لها ترامب، بوصفها الحل الأمثل والنهائي للصراع العربي الإسرائيلي، وباعتبارها ضمانة استقرار المنطقة، من خلال إبداء الاستعداد للشروع في تطبيع العلاقة مع تل أبيب، فقد رأت إدارة ترامب، المتأثرة بمواقف حكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، أن إقدام الرياض على خطوات تطبيعية علنية مع إسرائيل يسهم في إيجاد بيئةٍ مناسبةٍ تساعد على إبرام هذه الصفقة. وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال قبل شهرين أن السعودية أبدت بالفعل استعدادا للشروع في خطواتٍ تطبيعيةٍ مع إسرائيل، حتى قبل أن تبدأ الأخيرة بأي خطواتٍ على صعيد حل الصراع مع الشعب الفلسطيني.
ثانيا: مثل طموح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ورغبته في تولي مقاليد الحكم، عاملا آخر دفع نحو الاستعداد السعودي للتطبيع مع إسرائيل. فيبدو أن حاجة الأمير الشاب إلى الدعم الأميركي، في طريقه نحو العرش، جعله مستعدا للدفع لإدارة ترامب "بالعملة الإسرائيلية"، من خلال الموافقة على التطبيع مع تل أبيب، إلى جانب تبني المفهوم الصهيوني للإرهاب، والذي وجد تعبيره في عدم تردّد وزير الخارجية السعودي، عادل جبير، في مطالبة قطر بقطع علاقتها مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واحداً من الشروط لطي ملف الأزمة الخليجية.
ثالثا: ترى تل أبيب في إخراج العلاقات مع السعودية إلى العلن مصلحةً استراتيجية من الطراز الأول، على اعتبار أن مثل هذا التطوّر يحسّن من فرص فرض مفهوم اليمين الصهيوني لتسوية
وإلى جانب هذه العوامل، لا يمكن تجاهل تأثير قائمة المصالح المشتركة التي جمعت إسرائيل والسعودية، لا سيما التوافق على إحباط ثورات الربيع العربي، وإسناد الثورات المضادة. وتعد مصر مثالا للساحة الإقليمية التي تكامل فيها الدور السعودي والخليجي من جهة والدور الصهيوني في إسناد الثورة المضادة. ففي وقتٍ عملت فيه الرياض وعواصم خليجية أخرى على تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي لإنجاح الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي، عمل ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مكتب علاقات عامة لتسويق الانقلاب في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة.
ويتضح مما تقدم، أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من العلاقة مع السعودية والخليج. فلو تجاهلنا مصالح النخب الحاكمة في الرياض واعتباراتها، فإن الرياض لا تستفيد من إخراج العلاقة مع تل أبيب إلى العلن، بل ستتضرّر المصالح الوطنية للسعودية بشكل كبير، بسبب هذا التطور، فالإقدام على التطبيع مع إسرائيل سيحرج الحكم في الرياض أمام الجمهور السعودي، حيث أظهر "هاتشاغ" (سعوديون مع التطبيع) أن الأغلبية الساحقة ممن شاركوا في التغريد عليه ترفض التطبيع. وستمد هذه الخطوة ماكنة الدعاية الإيرانية بوقودٍ كثير لمهاجمة الحكم في الرياض، وسيعزّز من قدرة طهران على استقطاب قوى إقليمية كثيرة إلى جانبها.