وسلّم إسماعيل الوزير، رئيس لجنة إعداد الدستور المكوّنة من 17 عضواً، المسودة النهائية لهادي بالتزامن مع تفجير في جوار سور أكاديمية الشرطة في صنعاء، راح ضحيته 100 شخص بين قتيل وجريح.
وحذّر الخبير الدستوري، هائل سلّام، من خطورة ذلك التزامن، مشيراً إلى أنه "في الوقت الذي يُفترض أن ينشغل فيه الناس بالدستور، الذي سيحدّد مصير البلد، مجتمعاً ودولة، يشغلونهم بالإرهاب، الذي يُستخدم كأداة فعالة وفتاكة للإرعاب والتشتيت وصب مزيد من الزيت على نار الخلافات". ومضى في تشكيكه إلى القول: "حدث هذا، وسيحدث على الأرجح، كلما كان البلد بصدد استحقاق مهم".
وقُدّمت المسودة لهادي بعد مضي عشرة أشهر على تشكيل لجنة الصياغة، التي طالتها انتقادات واسعة لجهة عدم أهلية غالبية أعضائها، وكثرة سفرها، والتعتيم الذي أحيط بعملها، بالإضافة لكونها أعدت المسودة النهائية خارج البلاد، وذلك في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، مما دفع البعض لوصف دستور اللجنة بـ"دستور أبو ظبي".
وبحسب تأكيدات الرئيس اليمني خلال استقباله لجنة الصياغة أمس الأول، فإن "أهم استحقاقات الدستور الجديد هو تحوّل اليمن لدولة اتحادية من ستة أقاليم"، وبصرف النظر عن تأكيد عديدين بأن مشكلة اليمنيين ليست في شكل الدولة وألا موجب لتحويلها من نمط الدولة البسيطة إلى المركّبة (الفيدرالية)، فإن مسألة تقسيم البلد إلى ستة أقاليم لا تزال محور اعتراض قوى سياسية بارزة ومنها الحزب "الاشتراكي" اليمني وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وبالتالي فإن عقبات عديدة تقف في طريق الدستور وتمسّ أهم نقطة فيه وهي الأقاليم، بوصفها أحد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لحل ما يُعرف بـ"القضية الجنوبية"، ومعالجة الدعوات المرفوعة من قبل الحراك في المحافظات الجنوبية والمُطالِبة بإعادة الوضع مع الشمال كما كان قبل وحدة 22 مايو/أيار 1990.
وبناء على النقطة السابقة، تضمّن الدستور الجديد، الذي يصبح نافذاً بعد استفتاء شعبي، جملةً من التغييرات الجوهرية على سمات الدولة شكلاً ومضموناً، فبالإضافة إلى تغيير شكل الدولة من موحّد إلى اتحادي، تم تغيير اليوم الوطني الذي كان في الدستور السابق يوم إعلان الوحدة في 22 مايو/أيار، وكذلك اسم الدولة، وعلمها. وحسب التسريبات المنشورة من دستور أبو ظبي، فإن المسودة قفزت على تحديد هذه النقاط الثلاث (اليوم الوطني، اسم الدولة، العلم)، وتركت ذلك لقانون لاحق، وهو ما أثار انتقاد خبراء دستوريين يرون أن تحديد هذه النقاط في نص الدستور أمر جوهري ولا يجوز تركه لقانون لاحق أو لائحة مرفقة.
وكشفت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن اليوم الوطني الذي يُراد اعتماده للبلد، هو يوم إقرار مسودة الدستور الجديد، أما عن مسمى الدولة الذي يراد له أن يكون بديلاً عن مسماها الحالي (الجمهورية اليمنية) فهو بحسب التلميحات الرسمية المتكررة "دولة اليمن الاتحادية". ولعل آخر هذه التلميحات، ما ورد في عنوان الخبر في الوكالة الرسمية، بعبارة "رئيس الجمهورية يتسلّم نسخة من المسودة الأولى لدستور دولة اليمن الاتحادية".
وتأتي هذه التغييرات الجوهرية في مسودة الدستور اليمني، خلافاً لتجارب إعادة صياغة الدستور في كل من مصر وتونس، حيث تم فيهما الإبقاء على اسم الدولة والعلم واليوم الوطني كما هي. ومن المتوقّع أن تثير هذه التغييرات، التي لا تزال نسبياً حبيسة تداول النخب السياسية، اعتراض قطاعات شعبية واسعة.
يشار إلى أن المسودة النهائية للدستور جاءت في 70 صفحةً، ضمت 15 باباً و8 فصول، بالإضافة إلى الديباجة، وشملت كافة المواد الدستورية التي تنظّم عمل الدولة الاتحادية وجميع سلطاتها.
وقد تواصلت "العربي الجديد" مع عضو لجنة الصياغة، مروان عبد الوهاب نعمان، للاطلاع على المزيد من ملامح الدستور الجديد، ولكنه تعذّر بأن قرار تشكيل اللجنة يقضي بحظر التصريحات على أعضائها.
وبحسب تسريبات المسودة، فإن الدستور الاتحادي ينص على أن يقوم كل إقليم من الأقاليم الستة في البلد بصياغة دستور خاص به، أي أن اليمن الاتحادي سيكون بسبعة دساتير، الأمر الذي يلاقي انتقاداً من قبل مختصين وصفوا مسودة الدستور الجديد بأنها "تفكيكية".
وتشير وثيقة، حصل عليها "العربي الجديد"، إلى أن مسوّدة أبو ظبي تم توقيعها من كافة أعضاء لجنة الصياغة باستثناء عضو واحد هو عبد الرحمن أحمد المختار، ممثل جماعة الحوثيين في اللجنة. ويوصف موقف الجماعة الأخير الرافض لفرض تقسيم الأقاليم، بأنه متوافق مع أحد بنود اتفاق "السلم والشراكة" الموقّع بين المكونات السياسية في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي ينصّ على إمكانية إعادة النظر في تقسيم الأقاليم.
وبسبب اعتراض الحوثيين، أوفد هادي عدداً من مستشاريه، الإثنين الماضي، للتفاوض مع زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، وخرج اللقاء بتشكيل لجنة مشتركة لحل الخلافات وفق تصريح المستشار الرئاسي للرئيس اليمني، عبدالكريم الإرياني.