بعد 5 سنوات على اتفاق سلامٍ بين الحكومة الفيليبينية و"جبهة تحرير مورو الإسلامية"، الموقّع عام 2014، انتقلت العملية السلمية إلى المرحلة الثانية من التطبيق، عبر دعوة 2.8 مليون فيليبيني إلى التصويت، أمس الإثنين، في استفتاء حول إقامة منطقة للحكم الذاتي في الجنوب، ينص على منح الأقلية المسلمة حكماً ذاتياً في بعض مناطق جزيرة مينداناو الكبيرة وجزر في أقصى جنوب غربي البلاد، وتبلغ مساحتها 12.535 كيلومتراً مربعاً، وعدد سكان يزيد عن الملايين الأربعة، وذلك لطي صفحة عقد من حركة التمرد المسلح التي أوقعت حوالي 120 ألف قتيل، على خلفية مطالبة المسلمين بأحقيتهم بالأرض التي بات الكاثوليك يشكّلون غالبية فيها. وصوّت الناخبون، أمس، على إنشاء أو عدم إنشاء "منطقة بانغسامورو ذات الحكم الذاتي"، بدلاً من منطقة الحكم الذاتي الحالية التي أقيمت بموجب اتفاق وقع بين مانيلا وحركة تمرد أخرى منافسة لـ"جبهة تحرير مورو الإسلامية"، وهي "جبهة مورو الوطنية للتحرير". وبموجب الاتفاق، يتخلّى المتمردون عن هدفهم في إقامة دولة مستقلة في مقابل الحصول على حكم ذاتي واسع، رغم رغبتهم في البداية بوحدة فيدرالية تتمتع بصلاحيات أوسع. وسيتم تسريح ما بين 30 و40 ألف مقاتل من الجبهة ليسلموا سلاحهم للحكومة أو الانضمام إلى القوات النظامية بموجب القانون الأساسي لإنشاء منطقة الحكم الذاتي، في حال مر الاستفتاء.
ومن المفترض أن يحدد الاستفتاء مصير المناطق الأخرى ذات الأغلبية المسلمة التي تخضع إداريا لأقاليم زاد عدد المسيحيين فيها بسبب الهجرة من الشمال. ومنها ست بلديات و39 قرية، في إقليمين دار حولهما خلاف وصل لمرحلة التهديد من بعض الأطراف بالسعي لإفشال القانون التأسيسي لشعب مورو برمته، لو ضمت لمناطق الحكم الذاتي الجديد من دون استفتاء. وستشمل منطقة الحكم الذاتي مدينة ماراوي التي سيطر متشددون أعلنوا انتماءهم لـ"داعش" على أحياء كاملة منها لخمسة أشهر في 2017، وخاض الجيش الفيليبيني معارك ضارية قبل القضاء عليها.
كذلك، ستعين الحكومة المركزية سلطة "بانغسامورو" الانتقالية التي ستحكم حتى تجري انتخابات في عام 2022 لاختيار مجلس تشريعي يضم 80 مقعداً سيتولى تعيين رئيس للوزراء. وتتمتع "جبهة تحرير مورو الإسلامية" بتأييد واسع النطاق ومن المتوقع أن تلعب الدور الرئيسي في تلك العملية. وسيكون لإقليم "بانغسامورو" مجلسه التشريعي وسلطات تنفيذية ومالية، غير أن الحكومة المركزية في مانيلا ستظل تسيطر على الدفاع والأمن والسياسة الخارجية والسياسة النقدية.
ونُشر نحو 20 ألف شرطي وعسكري خوفاً من محاولة مجموعات متمردة أخرى الإخلال بسير الاقتراع. ومع بدء التصويت، أُلقيت قنبلة يدوية على أحد مراكز الاقتراع في كوتاباتو، لكنها لم تنفجر. وقال جيمبرا عباس (22 عاماً)، لوكالة "فرانس برس": "سئمت أعمال العنف، وأبي كان من ضحاياها"، موضحاً أن والده "كان ناشطاً سلمياً، اغتيل قبل عشرين عاماً". وأضاف أن "هذه الانتخابات تجري في يوم الذكرى العشرين لمقتله".
ويتوقع أن تعلن نتائج التصويت خلال أربعة أيام لهذا الاقتراع الذي لم يشمل عدداً من المناطق الصغيرة بسبب مشاكل إدارية. وسيجري الاستفتاء في هذه المناطق في السادس من فبراير/ شباط المقبل، لمعرفة ما إذا كانت ترغب في الانضمام إلى بانغسامورو. ولم تشمل عملية السلام التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي التنظيمات الإسلامية التي ما زالت ناشطة في جنوب الفيليبين، بما فيها تلك التي بايعت تنظيم "داعش". وتأمل الحكومة و"جبهة تحرير مورو الإسلامية" في أن تتكوّن منطقة تتمتع بحكم ذاتي ومستقرة، قادرة على جذب المستثمرين في قطاع شكل فيه الفقر دافعاً للتطرف. وينصّ القانون المتعلق بـ"بانغسامورو"، الذي يحدد معالم المنطقة الجديدة ويفترض أن يدلي الناخبون بآرائهم فيه، على أن تتلقى هذه المنطقة في السنوات العشر المقبلة مئات الملايين من الدولارات من مساعدات التنمية، إلى جانب جزء من الضرائب التي تجبى فيها.
ويعتقد خبراء أن إقامة منطقة في الجنوب تتمتع بدرجة من الحكم الذاتي هي واحدة من أكثر المحاولات المقنعة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة. لكن في الوقت نفسه، يشكل الفساد أحد أكبر المشاكل التي يعاني منها الأرخبيل، بينما سيكون نجاح مشروع منطقة الحكم الذاتي مرتبطاً خصوصا بدفع المساعدات الموعودة كما يجب. وحذّر غريغوري ويات، من مركز "بي أي إيه فيليبين كونسالتنسي"، من أنه "في الأمد القصير يمكن أن تخسر مجموعات وسياسيون كثر من إقامة هذه المنطقة". وأضاف "لذلك هناك خطر حقيقي على صعيد الأمن على المدى القصير". وفي ظلّ الصراع على بحر الصين الجنوبي، فإن منطقة الحكم الذاتي في مينداناو منعت قيام دولة إسلامية أخرى في المنطقة، على غرار ماليزيا وإندونيسيا.
وأرخبيل مينداناو خضع لغزوات عدة إسبانية وأميركية، ثم من المستوطنين المسيحيين الفيليبينيين، فتحوّل المسلمون تدريجياً إلى أقلية في مينداناو، ما تسبب في صراع حول الأرض والموارد ومشاركة السلطة السياسية. وتم قمع الانتفاضات التي تسعى إلى الحكم الذاتي بوحشية، ما زاد من الاستياء. ويعزز انعدام الأمن انتشار الأسلحة والجماعات المسلحة التي لجأت إلى عمليات اختطاف للحصول على فدى وابتزاز من أجل البقاء، مثل جماعة "أبو سياف"، التي لا تشكل جزءاً من أي عملية سلام.