مسلمون في روسيا... تساؤلات حول التسامح الديني في رمضان

17 يونيو 2017
صلاة قبل البدء بالإفطار (صفاء كركان/ الأناضول)
+ الخط -

في موسكو، تُقام خلال شهر رمضان فعاليات للجالية المسلمة مثل مسابقة تلاوة القرآن والخيمة الرمضانية التي تفتح أبوابها أمام الصائمين لتناول الإفطار جماعياً.

لا يشعر كريم وهو شاب من أصول شيشانية يقيم في موسكو منذ صغره، بأيّ مضايقات على خلفيّة انتمائه الديني. أصدقاؤه من كلّ الأديان وتربطه علاقات جيّدة بزملائه في الجامعة، فيما يمارس شعائره الدينية الإسلامية بكلّ حرية، لا سيّما صوم رمضان في هذه الأيام.

ويوضح كريم لـ"العربي الجديد" أنّ "الدين لا يؤثر على صداقاتي ولا على علاقاتي مع الناس، بل الأمر يرتبط بشخصياتهم وصفاتهم الأخلاقية". وعن مدى راحته خلال ممارسة الشعائر، يقول: "لا مشكلة في الصيام، لأنّ مظاهره غير مرئية. أمّا الصلاة، فأحاول أداءها في أماكن خالية من الناس. أمّا إذ كنت وسط أشخاص من معارفي، حتى لو كانوا من غير المسلمين، فإنّني أؤدي الصلاة على مرآهم، كما هو الحال أثناء التدريبات الرياضية على سبيل المثال". من جهته، يؤكد تيمور وهو شاب من طاجكستان على أنّه لا يتعرّض لأي مضايقات، بل "أمارس شعائري بصورة طبيعية. وفي جامعتي مكان مخصص للصلاة".

على الرغم من ذلك، فإنّ آخرين يشعرون باختلاف في المعاملة عند وصولهم إلى موسكو لمتابعة الدراسة أو للعمل. وهؤلاء من مسلمي روسيا الذين يتركزون بغالبيتهم في جمهوريات شمال القوقاز وجمهوريتَي تتارستان وبشكيريا. نائلة، طالبة من بشكيريا تقيم في موسكو منذ بضع سنوات، تتحدّث لـ"العربي الجديد" عن هذا الاختلاف. فتخبر أنّ "بشكيريا تتميّز تاريخياً بعلاقات ودية جداً بين السكان من مختلف الأديان والقوميات، وكان لي عدد كبير من الأصدقاء والصديقات من معتنقي أديان مختلفة. لكنّ الوضع هنا مختلف بعض الشيء. هنا تشعر بالانقسام بين الناس، بحسب انتمائهم الديني". تضيف أنّ "التسامح في موسكو أقلّ منه في بشكيريا، لكنّني ألاحظ أنّ الوضع يتغيّر نحو الأفضل عاماً بعد عام".

وتشير استطلاعات للرأي إلى تباين في مواقف الروس حيال الإسلام والمسلمين، إذ أظهر استطلاع أعدّه "المركز الروسي لدراسة الرأي العام" أنّ نحو ثلث الروس لهم معارف من المسلمين، وأنّ ربع المستطلعة آراؤهم يرون أنّ الإسلام يؤدّي دوراً إيجابياً في روسيا الحديثة في مقابل نسبة مماثلة تعدّ دوره سلبياً.

إلى ذلك، تظهر الاستطلاعات تغيّراً في مواقف الروس حيال المهاجرين، نحو الأسوأ. وبحسب استطلاع أعدّه مركز "ليفادا" أخيراً، فإنّ 32 في المائة من المستطلعة آراؤهم يرون أنّ المهاجرين أشخاص "غير متعلمين"، بينما رأى 67 في المائة منهم أنّه يتعين على الحكومة اتخاذ إجراءات لمنع تدفّقهم.




في السياق، يشير رئيس قسم البحوث في معهد "حوار الحضارات" الدولي، أليكسي مالاشينكو، إلى أنّ "ثمّة قدراً كبيراً من التسامح تجاه المسلمين في روسيا، في مقابل مواقف رافضة لزيادة أعداد المهاجرين من الجمهوريات الإسلامية". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "معتنقي الأديان المختلفة لا يرفضون بعضهم بعضاً، لكن ثمّة درجات منخفضة من التسامح تجاه الوافدين من شمال القوقاز والمهاجرين من آسيا الوسطى".

ويحمّل الباحث الروسي الجانبَين مسؤولية التوتر في العلاقات الإثنية، موضحاً أنّ "الوافدين يختلفون عن السكان المحليين شكلاً ولغةً وديناً، وهم في أحيان كثيرة يحاولون الاستمرار باعتماد نمط الحياة المتّبع في جمهورياتهم، الأمر الذي يثير استياءً بين الروس". وعن مسؤولية السلطات الروسية، يقول إنّ "المهاجرين يأتون بالنفع على الاقتصاد، وبالتالي يجب العمل على اندماجهم وخلق الظروف لهم وبناء مزيد من المساجد حتى يمارسوا شعائرهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد المسلمين في العاصمة الروسية يقدّر بنحو مليونَين، لكنّنا نجد فقط ستة مساجد، أبرزها المسجد الجامع الذي افتتح في سبتمبر/ أيلول 2015 والذي يتّسع لنحو 10 آلاف مصلٍ. صحيح أنّ هذا المسجد يُعَدّ الأكبر في أوروبا، إلا أنّه لا يستوعب جميع المصلين في عيدَي الفطر والأضحى، الأمر الذي يضطرهم إلى أداء الصلاة في محيطه.

ويشير مالاشينكو إلى أنّ "بناء مساجد جديدة لن يساعد في استيعاب المسلمين فحسب، بل سوف يجعل ممارسة الشعائر وإلقاء الخطب على مرأى من الدولة، ومن شأن ذلك الحدّ من انتشار الفكر المتطرف". يضيف أنّ "بضعة آلاف من مواطني روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة في صفوف تنظيم داعش، وهذا يساهم في التقليل من التسامح حيال الإسلام والمسلمين داخل البلاد".

ويُعَدّ الإسلام ثاني أكثر الديانات انتشاراً في روسيا بعد المسيحية، إذ يقدّر عدد المسلمين فيها بنحو 20 مليوناً، بمن فيهم بضعة ملايين من المهاجرين الوافدين من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وفي مقدّمتها طاجكستان وأوزبكستان وقرغيزيا.